array(1) { [0]=> object(stdClass)#13142 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 198

تبني دول الخليج الحياد وتكثيف التعاون الإقليمي الاستراتيجية الأكثر فاعلية في المرحلة الراهنة

الأربعاء، 29 أيار 2024

بدأت دعوات الحماية التجارية بين الولايات المتحدة والصين والتلويح بالحرب التجارية بين البلدين التي اشتعلت شرارتها عام (2018م) بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 22 مارس من عام 2018م، عن وجود نية لفرض رسوم جمركية تبلغ 50 مليار دولار أمريكي على السلع الصينية بموجب المادة 301 من قانون التجارة لعام 1974م. وكرد انتقامي من الحكومة الصينية فقد فُرضت رسوم جمركية على أكثر من 128 منتجًا أمريكيًا أشهرها فول الصويا تحت مظلة حماية الأمن القومي

لم تكن هذه التوترات التجارية وليدة أسباب ظرفية بل هي نتيجة تراكمات متعددة بدأت تتفاعل بشكل خاص بعد الأزمة المالية العالمية 2008م، وتأثيرها على اقتصادات الدول الفقيرة ومن ثم بروز ظاهرة تنامي الهجرة من الجنوب نحو دول الشمال وعوامل أخرى متداخلة يمكن وصفها بالمتغيرات المعيقة للتدويل وحرية التجارة. وفي تقديرنا أن هذه العوامل هي التي مهدت لعودة ممارسات الحماية التجارية وبشكل خاص بين قطبي الاقتصاد العالمي (الولايات المتحدة والصين)، ويمكن أن نحصر ثلاثة متغيرات رئيسة مهدت للوصول إلى مرحلة الحرب التجارية بين قطبي التجارة العالميين وهي:

 

  • - تنامي متغيرات معيقة للتعاون الدولي:

بعد أن اكتسبت دعوات العولمة والتدويل وحرية التجارة زخمًا قويًا في بداية الألفية الثالثة وبروز القطبية الأحادية في المجتمع الدولي متمثلًا في تركز القوة والقرار في الولايات المتحدة لتهيمن على كل المنظمات الاقتصادية الدولية (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية) إلا أن هذا الزخم بدأ يواجه ضغطًا بسبب تفاعل العديد من المتغيرات التي ساهمت من وجهة نظرنا في تثبيط التعاون الدولي.

  فقد واجهت الكرة الأرضية ضغوطًا هائلة لا تحتمل من الضغط السكاني على الموارد الطبيعية فمع عدد سكان الكرة الأرضية الذي تجاوز  8 مليارات نسمة ويتوقع أن يصل إلى 9 مليارات عام 2050م، تصبح أزمة المياه والغذاء حقيقة يصعب تجنبها   حيث يؤكد الدبلوماسي الفرنسي بريس لا لوند، وهو منسق المؤتمر الأممي حول التنمية المستدامة   بقوله "في 2030م،مع مليار نسمة إضافية على الأرض، سيكون السؤال المطروح: كيف نضمن الأمن الغذائي ونوفر الخدمات الأساسية لهذا المليار الإضافي من الفقراء من دون الحاجة إلى مزيد من الطاقة والمياه والأراضي.

وقد تزامن مع التضخم السكاني عجز المجتمع الدولي تجنيب الكرة الأرضية التلوث الممنهج للبيئة من خلال نقل النفايات من دولة إلى أخرى والبحث عن دول يظنون أن سكانها أقل اهتمامًا في البيئة لنقل النفايات الملوثة وجعلها مكب لهذه النفايات وهذا تعبير صارخ عن العنصرية البيئية الناجم عن الاعتقاد أن الشعوب مقسمة إلى غنية وفقيرة أو ذكية وغبية وبهذا يصبح التلوث من حصة الشعوب الفقيرة.

كما أدى النمو الهائل في المعرفة التقنية إلى دعم مشاريع التسلح الوطنية ولم يتوقف هذا السباق في التسلح حتى مع انتهاء الحرب الباردة بداية تسعينيات القرن الماضي بل على العكس فقد تطورت البحوث العسكرية بشكل أسرع من البحوث في المنتجات السلمية والمدنية وقد دعمها قوانين براءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية مما حال دون تعاون علمي مشترك وإنساني.

 فحجم الإنفاق العسكري على الميزانيات الدفاعية يظهر أن حمى سباق التسلح لم يتباطأ حتى مع انتهاء الحرب الباردة بل على العكس فقد ارتفع هذا الإنفاق خصوصًا في ظل استمرار الحرب الروسية / الأوكرانية حيث يشير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إلى ارتفاع الإنفاق العسكري العالمي في عام 2022م، ليصل إلى 2.24 ترليون دولار وأن أعلى زيادة كانت في أوروبا بنسبة 30%، وبقيت الولايات المتحدة تتصدر العالم تليها الصين وروسيا التي قفزت من المركز الخامس إلى الثالث عالميًا

وانتقل الصراع الدولي نحو مسار الحماية الفكرية الذي تحول فيما بعد بما يتعارض وجهود التعاون الدولي الإنساني بعد أن استخدمت براءات الاختراع كوسيلة للاحتكار الذي يضمن تحقيق وتعظيم أعلى أرباح ممكنة من خلال أسعار احتكارية  وقد تجسد هذا بشكل واضح في حقل الدواء والصحة وهو الجانب الأكثر أهمية في حياة الناس بغض النظر عن أعراقهم ومستوياتهم المعيشية ولم تكن ببعيد ما مر به العالم خلال جائحة كوفيد 19 التي ضربت العالم 2020م، وفي ظل التدافع السريع لاكتشاف لقاح لمواجهة هذا الوباء اتجهت شركات الدواء نحو تسجيل براءة اختراع في أسرع وقت مما حال دون تحقيق تعاون دولي فعال في البحث العلمي للوصول إلى اللقاح الأفضل وحتى في مجال الحصول على هذا اللقاح فشلت الدول الفقيرة في الحصول على الكميات الكافية من اللقاح في حين تم تطعيم أغلب شعوب الدول الغنية أو التي اخترعت لقاح معين حتى بدا لنا أننا أمام ظاهرة عنصرية التطعيم  وهذا ما دعا كل من الهند وجنوب إفريقيا تقديم اقتراح يفضي لتعليق حقوق الملكية الفكرية لمواجهة جائحة كوفيد 19 من أجل توفيرها لأكبر عدد ممكن وبأسعار ميسرة .

ومع تصاعد الاتجاهات المعيقة للتعاون الدولي كانت أمريكا التي تعلن أنها مهتمة بالمناخ وتحديات البيئة إلا أن واقع الحال يشير عكس ذلك فقد تحولت إلى مصدر للوقود ومصدر للطاقة حيث ارتفعت صادرات الوقود بنسبة 24% وأظهرت بيانات أنها أصبحت أكبر دولة مصدرة للغاز الطبيعي المسال في العالم لأول مرة، حيث زادت الشحنات صادراتها عن قطر وأستراليا. وذكرت "بلومبيرج" أن أمريكا صدرت خلال العام الماضي 2022م، نحو 91.2 مليون طن من الغاز المسال وهي صادرات قياسية.

وعلى الجهة الأخرى كانت الصين مهتمة بمد خيوط الحرير عبر خطتها التي عرفت بالحزام والطريق والتي شكلت أكبر تهديد لتفاهماتها التجارية بين أمريكا وكان العالم أمام منافسة تجارية جديدة خصوصًا مع صعود قوة تجارية مهمة مهددة للتفوق الأمريكي في الهيمنة على الأسواق الخارجية والتجارة الدولية.

  • بروز الصين كقوة اقتصادية عالمية

ساهمت الدعوة إلى الحرية التجارية وتفعيل آليات السوق وصعود الليبراليون الجدد في بروز قوى جديدة في التجارة العالمية يمكن القول إنها فاعلة ومؤثرة في إعادة هيكلة التجارة العالمية وتقسيم العمل الدولي  فكانت الصين أهم قوة جديدة ومؤثرة في التجارة العالمية خصوصًا عندما اختارت الصين سياسة الانفتاح على العالم الخارجي ولعب دور الداعم للتجارة العالمية وأظهرت تفهمًا كبيرًا للعولمة والحرية الاقتصادية وقد تعزز هذا في انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في ديسمبر عام 2001م، مما خلق  ظروفًا ممتازة لإجراء التعاون الاقتصادي والتكنولوجي الدولي.

 لقد اتجه النظام الدولي والإقليمي إلى ديناميكية التوازنات إقليمياً وعالميًا. وتيسر للصين بعد أن طورت قدراتها ومؤسساتها أن تلعب دورًا في عملية التوازن الدولي.

 إن مشاركة الصين في تقسيم العمل الدولي والتعاون فيه إنما هو لصالح توزيع موارد العالم بأسره بصورة معقولة وفعالة ويمكن لجميع دول العالم أن تجد من خلال التعاون المتبادل للمنفعة مع الصين فرصًا لتنميتها الخاصة وفرصًا تجارية جبارة مما يسفر عن دور إيجابي هام لتحريك نمو الاقتصاد الدولي.

وفي تقديرنا أن الغرب وبشكل خاص الولايات المتحدة لم يتنبه وهو يضغط على الصين من أجل المزيد من الحرية والاندماج العالمي أن هذه الخطوة سوف تدفع الصين إلى تطوير مؤسساتها لكي تكون جاهزة لتوسيع علاقاتها الاقتصادية الدولية، وقد أدركت الصين أنه من الصعب الانفتاح على العالم الخارجي وفق آليات ومؤسسات خلفها النظام الشمولي إذ لابد من التطوير المؤسسي وهذا يتفق تمامًا مع ما أشار إليه (جيمس روبنسون ) من جامعة شيكاغو حول تحديد أسباب فشل الأمم  حيث فسر أن الفشل المؤسسي هو الأساس في نجاح أو فشل الأمم من خلال تعريفه للمؤسسات بأنها القواعد التي تحكم توفير الحوافز والقيود للسلوك الاقتصادي وعزا أسباب تخلف الأمم وكيف تصبح الأمم فقيرة  أم غنية  إلى تخلف التنظيم المؤسسي لهذه الأمم .

إن بروز الصين كقوة تجارية مهمة في الساحة الدولية أربك خطط الولايات المتحدة في استثمار نظام القطبية الأحادية الذي كفل لها الزعامة كقوة متفردة على المستوى السياسي والاقتصادي حيث بدأت الصين تزحف على مناطق النفوذ الاقتصادي للولايات المتحدة وهذا ما تنبه إليه الرئيس الأمريكي السابق (دونالد ترامب) الذي رفع شعار أمريكا أولًا وبدا يضع الخطط لمواجهة النفوذ التجاري الصيني وكان هذا بداية لانتقال العالم لمرحلة صراع تجاري جديد يهز أركان الحرية التجارية ليضع العالم أمام ما يمكن وصفه بالحمائية المتطرفة. وقد ساهم كل من معيقات التعاون الدولي وبروز الصين كقوة تجارية في تجسيد هذا الشكل من الحماية التجارية بعد أن وصل الجمهوريون للحكم في الولايات المتحدة عام 2016م.

  • صعود اليمين الجمهوري في الولايات المتحدة بقيادة ترامب

سبقت الإشارة إلى أن ملامح الحرب التجارية بين قطبي التجارة العالمية (الولايات المتحدة والصين ) بدأت عام 2018م، عندما بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يضيق ذرعا بالتفوق التجاري الصيني ورفع شعار أمريكا أولا  وهدد بفرض رسوم جمركية على السلع الصينية وقد شعر الجميع أن العالم  أمام حرب تجارية تنذر بمخاطر أزمة اقتصادية دولية وقد طرح الاقتصادي الأمريكي  Julia Horowitz  سؤال  في مقالته عن الحرب التجارية في معرض الإشارة إلى التوترات التجارية الراهنة بين أقطاب التجارة الدولية هل نحن أمام الحرب التجارية الأكبر في التاريخ ؟

 حيث يشير أن بوادر الحرب الأكبر بدأت تلوح بالأفق عندما أعلن الرئيس الامريكي دونالد ترامب  بأن إدارته سوف تفرض 25% على واردات الصلب و10% على واردات الألمنيوم في دعوة لخفض العجز التجاري وحماية الصناعة الأمريكية وتصريحات (روبرت لايتهايزر) الممثل التجاري الأمريكي بأن بلاده سوف تفرض 10% رسوم على الواردات الصينية لتبلغ ما قيمته 200 مليار دولار  هذا الواقع يشير إلى بلوغ مستوى الحماية المتطرفة بسبب فشل حل النزاع التجاري وأن هذه الحماية يمكن أن تقود فعلًا إلى أكبر حرب تجارية في التاريخ والذي يوقف اندلاع هذه الحرب التجارية الكبرى هو ضبط النفس الذي تبديه كل من الصين ودول الاتحاد الأوروبي وكندا لحد الآن وإن كانوا قد لوحوا بإجراءات مضادة كرد على الإجراءات الأمريكية. إن نوايا الإدارة الأمريكية بخصوص الحمائية وفرض إجراءات معيقة لحرية التجارة هو انقلاب حقيقي على قواعد اللعبة التي أقرها النظام الاقتصادي الدولي المنبثق من برتن ودوز. والسؤال المطروح هنا كيف سوف تؤثر الحرب التجارية الكبرى فيما إذا اندلعت بالفعل على الاقتصاد العالمي.

الحرب التجارية (الصينية ـ الأمريكية) تهدد التوازن الاقتصادي الدولي

قبل الخوض في مآل النظام الاقتصادي الدولي في ظل تنامي التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة لابد من الإشارة إلى أن البلدين يدركون خطورة هذه التوترات وهم مستمرين في التفاهم لتخفيف حدة هذه التوترات فقد أعلنت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين في أبريل 2024م، أن أمريكا والصين اتفقتا على عقد محادثات بشأن النمو المتوازن في الاقتصادات المحلية والعالمية مشيرة إلى أن ذلك يهدف جزئياً إلى معالجة المخاوف الأمريكية بشأن طاقة التصنيع الفائضة للصين. وقالت يلين بعد لقائها بنائب رئيس مجلس الدولة الصيني إن هذه التبادلات ستسهل النقاشات حول انعدام التوازن على مستوى الاقتصاد الكلي والعالمي. وأشارت إلى أن المحادثات ستتولى الطلب المحلي وسياسات الاستثمار وشيخوخة السكان والقضايا المالية. وأضافت إن الصينيين يدركون مدى اهتمامنا باستراتيجيتهم الصناعية. وتصريحات وزيرة الخزانة الأمريكية تعكس المخاوف الأمريكية من تصاعد القوة الاقتصادية الصينية وأنها مهددة للتوازن الاقتصادي الدولي من وجهة نظر الولايات المتحدة.

إذا اتفقنا على الضرر والتأثير المتوقع للحرب التجارية الكبرى على المستوى الدولي فإننا لا نتفق على تساوي مسار هذا التأثير بل هو مختلف من دولة لأخرى بحسب طبيعة علاقاتها الاقتصادية مع الدول أقطاب التجارة العالمية فقد أشار (David Brett) في معرض أسئلته عن مسارات تأثير هذه الحرب على التجارة الدولية بالقول إن هناك بعض الاقتصادات يمكن أن تكون أقل عرضة لآثار التعريفات في المرحلة الأولى وإن الضرر الفوري سوف يتركز بشكل رئيس على الأسواق الناشئة في آسيا في حين تكون الاقتصادات المغلقة نسبيًا مثل البرازيل والهند بعيدة عن التأثير المباشر للحرب التجارية المحتملة لذا فإن الألم سوف يصيب الأسواق الآسيوية الناشئة جراء التعرفة الأمريكية على الصادرات الصينية وسوف تكون أكثر 10 بلدان متضررة بنسبة من الناتج المحلي الإجمالي جراء هذه التعرفة هي على النحو التالي .

 

Source: OECD, the economist group, March 2018

من ناحية أخرى في حال استجابت الصين للحرب التجارية وفرضت تعريفة على السلع الأمريكية فإن الدول الأكثر تضررًا جراء هذه التعرفة الصينية كنسبة من الناتج هي:

             Source: OECD, the economist group, March 2018

 

بشكل عام ومع اختلاف مسارات التأثر بالحرب التجارية إلا أن إمكانية خروج فائزين من هذه الحرب غير مرجح خصوصًا على المدى البعيد لأن النمو العالمي سوف يكون أضعف حيث تشير التوقعات بتراجعه ليصل إلى 2.4% عام 2024م، حسب توقعات البنك الدولي مصحوبًا بارتفاع معدلات البطالة والتضخم التي قد تصل إلى نسبته 7%  وتتعقد صورة المشهد عند النظر إلى طبيعة العلاقة الاقتصادية بين كل من الصين والولايات المتحدة فوفقًا للبيانات الاقتصادية الرسمية لعام 2022م، فإن الولايات المتحدة تستورد من الصين ما قيمته 463 مليار دولار في حين تصدر الولايات المتحدة للصين 116 مليار دولار أي بقيمة عجز تجاري يصل إلى نسبة 60% من إجمالي العجز التجاري الأمريكي وهذا ما دفع الولايات المتحدة إلى اتهام الصين بالتلاعب بقيمة عملتها لصالح صادراتها إلى الولايات المتحدة واعتبرها المسؤولة عن 40% من خسائر التوظيف في بلاده وهذه كانت حجة الرئيس الأمريكي السابق (ترامب) بضرورة فرض ضرائب على السع الصينية المستوردة وقد تزامن هذا مع مسار تراجعي للاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة التي كانت مسؤولة عن توفير فرص عمل لحوالي 150 الف أمريكي فقد تراجعت هذه الاستثمارات من 46 مليار دولار عام 2016م، إلى 29 مليار عام 2017م، وفي نفس الوقت تضع الصين بعض القيود على واردات اللحوم والسيارات من أمريكا  .

ومن الناحية الجيوسياسية فإن الصين في موقف حرج بسبب عدم وضوح الرؤية في العلاقة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة وهي متهمة بدعم النظام السياسي في كوريا الشمالية لذا فهي بحاجة إلى موازنة دقيقة بين مواقفها السياسية ومصالحها الاقتصادية مع الولايات المتحدة أي أن صور المشهد في غاية التعقيد وتنذر بخطر دولي كبير مالم يتم نزع فتيل أزمة سلوك الحمائية المتطرفة ( Extreme protectionism )بين أكبر شريكين تجاريين في العالم قبل أن ينزلق الوضع إلى أكبر حرب تجارية في التاريخ .  وأمام هذا الوضع يتعين على دول مجلس التعاون بشكل خاص والبلدان النامية بشكل عام أن تختار استراتيجية للتعامل مع الصراع الدولي المحتدم بسبب التوترات التجارية خصوصًا أن أغلب دول العالم باتت تدرك أن الوضع يسير نحو ترتيبات جديدة للنظام التجاري العالمي يمهد لتوازن تجاري دولي جديد

دول مجلس التعاون الخليجي (استراتيجية الحياد لاحتواء آثار الحرب التجارية)

مع احتدام الحرب التجارية بين قطبي التجارة العالمية يتعين على دول المنطقة بشكل خاص وباقي البلدان النامية تدرك أن هناك ترتيبات جديدة سوف يفرزها هذا الصراع وهذا يستوجب ووضع الاستراتيجية المناسبة للتعامل مع الوضع الجديد المحتمل وقبل التعرض للسيناريوهات المحتملة لهذه الاستراتيجيات يتعين الأخذ بنظر الاعتبار عامليين أساسيين يشكلان تأثير على مآل الحرب التجارية:

العامل الأول / موقف المنظمات الدولية من هذا الصراع.

العامل الثاني / مبررات تستدعي التخلي عن آليات النظام التجاري القائم.

فيما يتعلق بالعامل الأول، فإن المؤشرات كلها تشير إلى أن كل من منظمة التجارة العالمية WTO وصندوق النقد الدولي IMF يتجهان نحو الإقرار بأهمية إصلاح النظام التجاري الحالي والبدء بترتيبات تجارية جديدة وأن منظمة التجارة العالمية تسعى جاهدة إلى جر طرفي النزاع لتسوية الخلاف قبل الحديث عن الترتيبات الجديدة وهي لاتزال تواجه صعوبة في تحقيق ذلك.

أما موقف صندوق النقد الدولي فقد عبرت عنه (كريستين لا غارد) المديرة التنفيذية السابقة للصندوق في مقالتها التي نشرتها عندما كانت تشغل منصب مديرة الصندوق في عام 2018م، (نحو خلق نظام تجاري عالمي أفضل) التي أقرت ضمنًا أن النظام التجاري الدولي يحتاج إلى إحداث تحسينات بعد أن برزت متغيرات مهمة على حركة التجارة العالمية

على الرغم من أن مديرة صندوق النقد الدولي أعلنت صراحة عبر الصحافة رفضها للحرب التجارية لأنها تؤدي إلى خسارة الجميع إلا أننا نرى أن مقالتها الأخيرة فيها إشارة واضحة إلى أن نظام التجارة العالمية الحالي بحاجة أيضًا إلى إحداث تحسينات جدية من أجل بناء نظام تجاري عالمي يستند إلى الأسس التي تبنتها لا غارد في مقالتها الأخيرة

إن إقرار مديرة صندوق النقد الدولي إلى أهمية إحداث تحسينات في النظام التجاري الدولي هو إشارة ضمنية إلى أهمية توسيع الحوار الدولي من أجل إيجاد ترتيبات تجارية أكثر انسجامًا مع المتغيرات الجديدة ونتوقع أن يفضي هذا إلى عودة جديدة من المفاوضات التجارية بين الأطراف الدولية الفاعلة في التجارة العالمية من أجل إيجاد نقاط مشتركة للمصالح التجارية وتجنبًا للدخول إلى حرب تجارية تلوح بها الولايات المتحدة كونها الطرف الأكثر انتقادًا للنظام التجاري العالمي الراهن وترى أن هذا النظام غير عادل وأضر بالمصالح الأمريكية .

أي أننا نستشف من موقف منظمة التجارة والصندوق أن هناك رضوخ غير معلن من الإجراءات الأمريكية وأن كلتا المنظمتين أدركوا أن الوقت قد أزف للعودة إلى آليات النظام العالمي ما بعد الحرب العالمية الثانية وأن الحاجة للدخول في مفاوضات تفضي إلى ترتيبات جديدة طريق لا مفر منه وفي تقديرنا أنه بدون هذه العودة المتوقعة للتفاوض بعد التصعيد الأمريكي فإن النظام الاقتصادي العالمي متجه إلى حرب تجارية لن تتوقف حتى بلوغ أزمة اقتصادية عالمية كبرى  

أما بخصوص العامل الثاني فهو ضرورة دراسة الأسباب والمبررات التي تستدعي مغادرة النظام التجاري الحالي والتي عبرت عنه الاقتصادية ( نايري وودز ) في مقال نشرته في موقع صندوق النقد الدولي عام 2023م، حيث أشارت إلى وجود متغيرات حقيقية تجعل الإبقاء على النظام التجاري الحالي صعب جدًا مما يستدعي إصلاحه وقد شخصت (وودز )هذه المتغيرات بما يلي  :

 

وفي تقديرنا أن المتغيرات أعلاه وموقف المنظمات الدولية من الحرب التجارية سوف يفضي في النهاية إلى ترتيبات جديدة نرجح أنها سوف تتجه إلى الإقرار بوجود عالم متعدد الأقطاب وأنه من غير الواقعي العودة إلى نظام القطب الواحد لذا يتعين على دول مجلس التعاون الخليجي كونها ترتبط بعلاقات تجارية واسعة مع كل من الصين والولايات المتحدة وهي ليست بمنأى عن مخاطر هذه الحرب التجارية وسوف لن تقتصر آثار هذه الحرب على النواحي الاقتصادية بل تمتد إلى النواحي الأمنية.

 ففي ظل حالة عدم اليقين الراهنة فإن الانحياز إلى أي طرف من هذه الأطراف سوف يؤدي إلى اضطرابات خطيرة بحكم حجم العلاقات التي تربط دول مجلس التعاون الخليجي مع كل من الصين والولايات المتحدة في مجال الاستيراد و تصدير الطاقة تدفقات الاستثمار من قبل الصناديق السيادية بالإضافة إلى استيراد الأسلحة والمعدات الأمنية.

ووفقًا لما تم عرضه فإن تبني استراتيجية الحياد بين طرفي النزاع وتكثيف التعاون الاقتصادي الإقليمي وتعزيز الاتفاقيات الثنائية وفق حسابات دقيقة للمصلحة الوطنية هي الاستراتيجية الأكثر فاعلية في المرحلة الراهنة إلى أن تتضح الرؤيا بخصوص الترتيبات الدولية الجديدة التي يتوقع أن تفرزها الحرب التجارية.


 

مقالات لنفس الكاتب