array(1) { [0]=> object(stdClass)#13142 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 198

الرؤية التنموية الخليجية تجمع بين التنمية الداخلية والطموح بدور كبير في النظام الاقتصادي العالمي الجديد

الأربعاء، 29 أيار 2024

تلعب التجارة دورًا محوريًا في تحديد أنماط العلاقات الاقتصادية بين الدول الكبرى، وخاصة التي تتنافس على بسط السيطرة والنفوذ على الموارد الطبيعية والطاقة والأسواق. ظهر هذا جليًا في طبيعة العلاقة الندية بين الولايات المتحدة والصين بعد صعود الصين لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم عام 2011م، وسعيها الدؤوب لتحتل صدارة الاقتصاد العالمي خلال العقدين القادمين. لذا تسعى الولايات المتحدة جاهدة على تحجيم الاقتصاد الصيني ووضع عراقيل أمام الشركات الصينية وتقييد حركة الصادرات الصينية إلى الأسواق الأمريكية.  تجلت آليات هذا الصراع في اتباع السياسات الحمائية، وفرض عقوبات اقتصادية، ومنع المنتجات والخدمات من دخول الأسواق من خلال فرض رسوم تعريفية عالية، ووضع قيود على أنشطة الشركات لدواعي الأمن القومي. هذا النوع من الحروب التجارية له دواع خطيرة ليس فقط على الاقتصاد الأمريكي والصيني، بل تمتد تأثيراتها أيضًا إلى اقتصاديات شركائهم التجاريين، بما في ذلك دول الخليج العربي. ففي هذا المقال نسعى إلى توضيح تأثير الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين على دول الخليج وكيف يمكن مواجهة الأثار السلبية لهذه الحرب على اقتصاديات الخليج.

الحرب التجارية الأمريكية ـ الصينية: طبيعتها وآثارها

إن تحول الصين إلى قوة اقتصادية عظمي ومركز رئيسي لتصنيع وتصدير المنتجات المختلفة إلى الأسواق العالمية، وخاصة الأسواق الأمريكية والأوروبية، أصبح يمثل تهديدا حقيقيا للهيمنة الأمريكية التي استمرت منذ الحرب العالمية الثانية. رأت الولايات المتحدة أن غزو المنتجات الصينية الرخيصة ومنافستها للمنتجات الأمريكية لا يؤثر بالسلب فقط على الاقتصاد الأمريكي، بل يمثل تهديدا للأمن القومي الأمريكي، خاصة بعد ارتفاع العجز التجاري للولايات المتحدة في السلع مع الصين إلى 375.6 مليار دولار في 2017م، دفع ذلك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى اتخاذ إجراءات حمائية ضد الصين وإعلان نيته لفرض رسوم جمركية بقيمة 50 مليار دولار على المنتجات الصينية في مارس 2018م، استندت الولايات المتحدة في قرارها لفرض الرسوم الجمركية إلى قانون التجارة لعام 1974م، الذي يتناول الممارسات التجارية غير العادلة وسرقة حقوق الملكية الفكرية التي تكلف الاقتصاد الأمريكي حوالي 300 مليار دولار سنويًا وتؤثر بالسلب على تنافسية الشركات الأمريكية العاملة في الصين. وبالفعل تم تطبيق الرسوم الجمركية الأمريكية على ما قيمته 34 مليار دولار على المنتجات الصينية في يوليو 2018م، وردت الصين بفرض رسوم جمركية بنفس القيمة على المنتجات الأمريكية إلى الأسواق الصينية، والتي مازالت تطبق إلى الآن.

جاء هذا التصعيد الأمريكي بعد سلسلة من الممارسات المالية والنقدية والتجارية التي اتبعتها الصين من أجل زيادة نفوذها الاقتصادي خلال العقدين الماضيين، كان أبرزها تعمد الصين تثبيت أسعار الصرف، وتصديرها السلع إلى الأسواق الأمريكية بأسعار الإغراق التجاري، ودعم وتعزيز إنتاج الحديد الصلب والألمونيوم إلى مستويات أثرت بالسلب على تنافسية الشركات الأمريكية العاملة في هذه المجالات.  وفي سعيها إلى خلق نظام اقتصادي عالمي جديد بقيادة الصين، قامت الصين بعدد من المبادرات الاقتصادية الكبرى مثل مبادرة حزام واحد طريق واحد، وأنشأت البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وتطورت الخطة التصنيعية 2025م، وعقدت عددًا من الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية، كان أخرها الشراكة الاستراتيجية مع روسيا في مايو 2024م. 

على الجانب الأخر، اتخذت الولايات المتحدة سياسات تجارية حمائية تتنافى مع مبادئ التجارة الحرة والنظام الرأسمالي الدولي الذي تبنته بعد الحرب العالمية الثانية وترعاه وتدعم مبادئه وأركانه من خلال ممارسات المؤسسات المالية العالمية.  فرضت واشنطن عقبات اقتصادية على الصين، ووضعت قيودًا على أنشطة الشركات الإلكترونية مثل شركة هواوي وشركة تيك توك، وحدت من إمكانية تصدير الشرائح الإلكترونية الذكية إلى الصين. سبق ذلك فرض رسوم جمركية على المنسوجات الصينية من أجل حماية صناعة المنسوجات الأمريكية في عهدي بوش الأبن وبارك أوباما، اللذان أيضًا حاولا الحد من سيطرة الصين على مناجم الفحم والحديد والمنجنيز والنحاس في إفريقيا وتقوض النفوذ الصيني المتزايد في أمريكا الجنوبية.  ظهرت أيضًا النزعة القومية في السياسة التجارية الأمريكية حيث نادي بعض المسؤولين إلى عودة الاستثمارات الأمريكية ونقل المصانع إلى الولايات المتحدة من أجل خلق وظائف للمواطن الأمريكي بدلًا من خلق الوظائف في السوق الصيني.

بالتأكيد ساعدت مثل هذه السياسيات التجارية إلى خلق حالة من عدم الاستقرار في الأسواق العالمية، كما أثرت بالسلب على كفاءة عمل النظام التجاري الدولي وأدى إلى فشل منظمة التجارة العالمية في تحرير التجارة بعد فشل جولة الدوحة عام 2009م، أثرت الحرب التجارية أيضًا على الدول الاقتصادية الكبرى بسبب محاولات الولايات المتحدة استقطاب شركاؤها الأوروبيين والآسيويين ومنعهم من تصدير أشباه الموصلات أو نقل التكنولوجيا المتطورة إلى الصين، بما يساعد على استمرار وجود فجوة تكنولوجية كبيرة بينها وبين الصين لصالح الولايات المتحدة. امتد لهيب هذه الحرب إلى مناطق عدة مثل منطقة الخليج العربي التي تمثل أهمية استراتيجية لكل من الولايات المتحدة والصين نظرًا لتوافر مصادر الطاقة من النفط والغاز بالكميات الكبيرة التي تضمن أمن الطاقة لكل منهما.  

   تأثير الحرب التجارية على دول مجلس التعاون

تعتبر منطقة الخليج من أكثر المناطق تأثًرا بالحرب التجارية الأمريكية ـ الصينية نظرًا لتوافر مصادر الطاقة الأساسية مثل النفط والغاز، وكذلك المواد الخام المعدنية التي تدخل في مجال التصنيع مثل الحديد والنحاس والألومنيوم والمنجنيز والنيكل والزنك والجبس والرخام. كما تعد دول الخليج مصدرًا هامًا وأساسيًا للمنتجات الكيماوية والبتروكيماوية التي تدخل في معظم النواحي الصناعية والزراعية والطبية، خاصة صناعة الأسمدة، بالإضافة إلى نواحي أخرى عديدة.

من أهم التأثيرات الاقتصادية المباشرة للحرب التجارية على دول الخليج هي عدم استقرار أسواق الطاقة العالمية نظرا للعقوبات الاقتصادية وارتفاع التعريفات الجمركية التي تؤثر بالسلب على حركة التجارة العالمية نظرًا لانخفاض الطلب على السلع والمنتجات، وبالتالي ينخفض الطلب على النفط والغاز وتقل الإيرادات المالية التي تمثل العمود الفقري لاقتصاديات دول الخليج. تشير معظم الدراسات إلى أن أي تغيرات في الاقتصاد العالمي ناجمة عن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تؤثر بشكل مباشر على أسعار النفط وتؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، مما يقلل الطلب على النفط وتراجع أسعاره. هذا التراجع له تأثيرات سلبية مباشرة على الإيرادات الحكومية لدول الخليج التي تعتمد بشكل كبير على تصدير النفط. ففي عام 2020م، انخفضت أسعار النفط بشكل حاد بسبب انخفاض الطلب العالمي الناجم عن التوترات التجارية والجائحة، مما أثر بشكل كبير على ميزانيات الدول الخليجية واضطر بعضها إلى الاستدانة من أسواق المال العالمية.

كما تؤدي الحرب التجارية إلى تراجع الاستثمارات العالمية، بما في ذلك الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتجهة إلى دول الخليج العربي. فقد أكدت بعض الدراسات التي قام بها صندوق النقد الدولي أن عدم اليقين الاقتصادي يجعل المستثمرين أكثر تحفظاً، مما يقلل من تدفق رؤوس الأموال إلى المنطقة. وفقاً لتقارير صندوق النقد الدولي، شهدت دول الخليج انخفاضاً في الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 20% خلال عامي 2019 و2020م، بسبب الحرب التجارية التي بدأت في منتصف عام 2018م، والتوترات الاقتصادية العالمية الأخرى. إن انخفاض إيرادات النفط والغاز، وقلة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتواضع نسب الادخار في دول الخليج بشكل عام يؤدي إلى تخفيض أو توقف الاستثمارات العامة في البنية التحتية وبطء أو توقف العمل في العديد من المشاريع الوطنية الكبرى التي تخلق فرص عمل جديدة لمئات الآلف من المواطنين في دول الخليج.

يمكن أيضًا إدراك التأثيرات السلبية للحرب التجارية على الوضع التجاري لدول الخليج وقدرتها على تصدير منتجاتها واستيراد السلع الأساسية لتلبية احتياجاتها الداخلية. إن تراجع حركة التجارة يعني تقليل الإيرادات من النفط والغاز ومن الرسوم الجمركية، وقد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الشحن، مما يرفع من تكلفة الواردات مثل السلع والخدمات وخاصة المواد الداخلة في عملية الإنتاج والتي بدروها ترفع تكلفة الإنتاج وتجعل أسعار المنتجات المحلية غير تنافسية في الأسواق المحلية والأجنبية. ويتضح التأثير السلبي للحروب التجارية أيضًا على قطاع التكنولوجيا والابتكار، حيث تعتبر التجارة أحد أهم وسائل نقل التكنولوجيا والمعرفة. ونظرًا لأن حظر نقل التكنولوجيا يمثل خطرًا كبيرًا على تطور الاقتصاد الخليجي فقد سعت دول الخليج إلى بناء اقتصاد معرفي مبني على خلق المعرفة، والاستثمار في الابتكار، وتطوير تكنولوجيا وطنية، بالإضافة إلى إيجاد شراكات جديدة مع شركات أوروبية ويابانية وكورية واسترالية وكندية مع أجل مواجهة تحديات الحصول على التكنولوجيا المتقدمة من الولايات المتحدة والصين.

دور التجارة البينية في مواجهة الحروب التجارية

يمكن تعظيم دور التجارة الخليجية البينية وزيادة حجم وقيمة تجارة دول الخليج مع العالم لمواجهة الصراعات الاقتصادية عبر الحرب التجارية من خلال تحديد أهم المقومات الطبيعية والبشرية والمالية التي تتمتع بها، وكذلك إعادة تقييم إمكانياتها في خلق دور جديد لها في النظام التجاري الدولي. يتمثل دور وأهمية التجارة البينية في دعم قدرات الدول في النموذج الأوروبي، حيث نجحت دول الاتحاد الأوروبي من الخروج من تحت عباءة الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية من خلال التبادل التجاري بين دولها ليصبح حجم التجارة البينية للاتحاد 76% من تجارته إجمالية.

إن تفعيل اتفاقية التجارة الحرة الخليجية وإزالة العقبات الإدارية والجمركية أصبح ضرورة ملحة، خاصة أن حجم التجارة البينية بين دول مجلس التعاون الخليجي لا يتعدى 13% من إجمالي تجارة دول المجلس مع العالم. على الرغم من أن هذه الاتفاقية وقعت وتم تفعيلها عام 1983م، الا أن التحديات التي تواجه الشركات ورجال الأعمال كثيرة ومعقدة مقارنة بمثيلاتها مع المناطق الاقتصادية الأخرى نتيجة الإجراءات الحمائية الأحادية الجانب -مثل فرض رسوم جمركية إضافية وتقيد حركة الشاحنات التي تنقل البضائع عبر الحدود وسن تشريعات جديدة -التي تتخذها بعض الدول دون التشاور مع بقية الأعضاء.

أن تعظيم التجارة البينية يتطلب إزالة كل الحواجز الجمركية وغير الجمركية بشكل كامل دون أي استثناءات سواء كان ذلك لأسباب أمنية أو سياسية أو اقتصادية. كما يتطلب توحيد كل القوانين والتشريعات الخاصة بالتجارة البينية والاستثمار البيني، بما في ذلك المعايير والمقاييس وسلامة المنتج وحماية المستهلك، وتنظيم المنافسة، والتجارة الإلكترونية والرقمية.  يتطلب ذلك أيضًا تحسين بيئة الأعمال بحيث تكون منطقة الخليج أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية المباشرة، داعمة للشركات الخليجية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتسريع برنامج تأسيس الأعمال، وتسهيل إجراءات التصدير والاستيراد، وحرية حركة الشاحنات، والتسريع في إنشاء خطوط سكك حديدية تربط بين كل المناطق الصناعية والاقتصادية والحرة وتوصيلها بالموانئ الجوية والبحرية والبرية في كل أنحاء السوق الخليجي.

دور الاستثمارات الخليجية البينية للنهوض بالقطاع الاقتصادي

تعتمد قوة الاقتصاد الخليجي على عدد من العوامل الهامة التي تشجع على جذب الاستثمارات الخليجية البينية، يأتي على رأس هذه العوامل تحسين بيئة الأعمال وتطوير الأطر التشريعية التي تساعد الشركات ورواد الأعمال على ممارسة أنشطتهم الاقتصادية بحرية وكفاءة. بالفعل قامت الدول الخليجية بتحديث البنية التشريعية الخاصة بالاستثمار الأجنبي لجذب المزيد من الاستثمارات الخارجية. أهم إنجازات هذا التطور نجده في البيئة الاستثمارية في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية التي تجذب كميات كبيرة من الاستثمارات الأجنبية نتيجة تحسين الجانب التشريعي وتقليص عدد الإجراءات الإدارية لعمل الشركات. وفي ذات السياق أصدر المشرع الإماراتي مرسومًا بقانون اتحادي رقم 19 سنة 2018م، بشأن الاستثمار الأجنبي المباشر، ثم قامت سلطنة عمان بإصدار المرسوم السلطاني رقم 50 لسنة 2019م، بشأن استثمار رأس المال الأجنبي. كذلك أصدرت دولة قطر قانون رقم 1 لسنة 2019م، بتنظيم استثمار رأس المال غير القطري في النشاط الاقتصادي.  كذلك قامت الكويت بإصدار قانون هيئة تشجيع الاستثمار المباشر رقم 116 لسنة 2013م، كما يعمل المشرع السعودي على إصدار نظام الاستثمار الأجنبي الجديد. تكفلت هذه التشريعات بوضع حماية للمستثمر المحلي والأجنبي في مواجهة المخاطر المتعلقة بنزع الملكية للمنفعة العامة مما زاد من ثقة المستثمرين الأجانب لبدء مشاريعهم في دول الخليج العربي. 

من أهم آليات تشجيع الاستثمارات الخليجية البينية أيضًا التنسيق المباشر بين دول مجلس التعاون الخليجي لإزالة كل العقبات والتحديات التي تواجه المستثمر الخليجي، وتفعيل اتفاقية التجارة الحرة، وإبرام اتفاقيات استثمار جديدة تتماشي مع الأهداف الاقتصادية الحالية وتساعد على جذب الخبرات الأجنبية من تكنولوجيا ورؤوس أموال وخبرات فنية لتحقيق التنمية المستدامة. يجب على دول مجلس التعاون الخليجي تضمين الاستثمار في الاتفاقيات الدولية من أجل سد نقص الخبرات في العديد من الأعمال مقارنة مع التجارب الأجنبية التي لها باع طويل في التكنولوجيا والهندسة والصناعات الثقيلة وغيرها من الخبرات، من خلال السعي لتوفير مناخ استثماري ملائم يوفر الحماية والضمانات للمشاريع الاستثمارية.

تشير الاحصائيات الصادرة من صندوق النقد العربي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لعام 2020م، إلى تقدم الدول الخليجية في العديد من المؤشرات التي تجعلها مؤهلة لاستقبال العديد من المستثمرين الخليجيين والأجانب. فمن ناحية البنية التحتية، حققت دولة الإمارات نسبة 100% في نسبة الأفراد الذين يستخدمون الانترنت مما يدل على توافر وتغطية خدمات الانترنت في كافة أنحاء البلاد. وحققت كذلك العدد الأعلى من الأيام بواقع 83.6 يوم لوقت الامتثال الحدودي للتصدير. وأما بالنسبة للوقت المطلوب للحصول على الطاقة الكهربائية فقد سعت الدولة لتوفيرها في غضون 7 أيام فقط للمستثمرين مقارنة بنظيراتها من دول الخليج التي تستغرق أكثر من عشرين يومًا.

أما فيما يتعلق بالمؤسسات والحوكمة الرشيدة، فحققت دولة الإمارات مؤشر عالي في فعالية الحوكمة بمعدل 1.33 وهو المعدل الأعلى من بين دول الخليج العربي. أما بالنسبة لسيادة القانون، فاحتلت دولة قطر المرتبة الأولى بمؤشر بلغ 1.00 تليها كل من الإمارات وسلطنة عمان والبحرين على التوالي. وحققت دولة البحرين النسبة الأقل في الفساد الإداري بمؤشر بلغ -0.07 وهو أقل معدل من بين الدول الخليجية تليها دولة الكويت. تأتي بيئة الأعمال كرافد مهم لجذب المستثمرين خاصة عند البدء بمشاريعهم، حيث جاءت دولة الإمارات في مقدمة الدول الخليجية بمؤشر 94.8 لبدء نشاط تجاري تلتها سلطنة عمان بمؤشر 93.5 والمملكة العربية السعودية بمؤشر 93.1، وهي مؤشرات عالية منافسة دوليًا. وبالنسبة لحماية المستثمرين فقد حققت الدول الخليجية تباين واضح في العام 2020م، فقد حققت كل من الإمارات والسعودية معدلات عالية تفوق ال 80. وأما بالنسبة لدفع الضرائب فقد حققت البحرين أعلى بمؤشر 100 تلتها كل من قطر بمؤشر 99.4 والكويت بمؤشر 92.5 وسلطنة عمان بمؤشر 90.2.

كل هذه التطورات انعكست على عدد وحجم المشاريع الاستثمارية في دول الخليج، كما هو موضح في جدول 1.

جدول (1) مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة موزعة على دول مجلس التعاون الخليجي لعام 2020م

الدولة المستقبلة

عدد المشاريع

التكلفة الرأسمالية بالمليون

الوظائف الجديدة

عدد الشركات

الإمارات

347

9139

14729

336

السعودية

73

10411

8780

64

عمان

23

6119

2396

22

قطر

20

915

1000

19

البحرين

15

883

1547

15

الكويت

9

200

511

9

المجموع

487

27667

28963

465

المصدر: المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية، 2021م.

يوضح الجدول عددًا كبيرًا من المشاريع التي تعكس تبني دول مجلس التعاون الخليجي مبادرات لتعزيز النمو الاقتصادي في المجالات والقطاعات غير النفطية ومجال الطاقة الشمسية والرياح ومجال الغاز المسال، وذلك من خلال ضخ الاستثمارات الخليجية في الأسواق المحلية والإقليمية في إطار تحقيق التحول الاقتصادي وفقًا للرؤى الوطنية الخليجية. أعلنت السعودية في فبراير 2022م، عن عزمها لجذب استثمار أجنبي بقيمة 6,4 مليار في مجال تكنولوجيا المستقبل بهدف دعم التقنيات المستقبلية وريادة الأعمال المستقبلية، كما أعلنت شركة الاتصالات السعودية عن عزمها على استثمار مليار دولار لإنشاء مركز إقليمي للخدمات السحابية والرقمية. من المهم أيضًا تركيز الاستثمارات الخليجية في القطاعات الرئيسية مثل الصناعة والزراعة والأمن الغذائي وغيرها لتأمين الاحتياجات الوطنية.  

أهمية الرؤي التنموية الوطنية لمواجهة الحروب التجارية

تلعب الرؤي التنموية الوطنية دورًا مهمًا في إحداث تغيرات جوهرية في النظام الاقتصادي الخليجي وتقديم البعد الاستراتيجي والإطار السياسي للتطور المؤسسي ولرسم الخطط التنموية التي تساعد على إحداث تحول هيكلي من اقتصاد ريعي يعتمد على النفط والغاز إلى اقتصاد متنوع يقوده قطاعات مثل التصنيع والزراعة والسياحة والتعدين باستثمارات كبيرة من القطاع الخاص. تمثل ذلك في روح ونص الرؤية السعودية 2030 التي تطمح في تحويل المملكة إلى دولة حديثة ومحورية في منطقة الشرق الأوسط، بينما تمثل الرؤية الإماراتية 2031 إطار جيد لوضع الإمارات في قلب النظام العالمي الجديد من خلال الوصول إلى المجتمع الأكثر ازدهارًا عالميًا، المركز العالمي للاقتصاد الجديد، الداعم الأبرز للتعاون الدولي، والمنظومة الأكثر ريادة وتفوقًا بسبب الاستثمارات الهائلة في البنية التحتية وتقديم نموذج ناجح في تقديم أفضل الخدمات الحكومية في العالم. وتهدف أيضًا الرؤية العمانية 2040 إلى تحويل السلطنة من دولة نامية إلى دولة متقدمة خلال الـ 16 عامًا القادمة. تسعى رؤية البحرين وقطر والكويت إلى دعم الاقتصاديات الوطنية وتحقيق التنمية المستدامة.

يتضح من خلال تحليلنا لهذه الرؤي التنموية حرص دول الخليج على الجمع بين البعد التنموي الداخلي الذي يهتم بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وربط التوجهات الاستراتيجية بأهداف التنمية المستدامة وبين البعد الخارجي الذي يطمح أن تلعب دول الخليج دورًا كبيرًا في النظام الاقتصادي العالمي الجديد.  إن رغبة الإمارات العربية المتحدة تقديم نفسها كنموذج مثالي في الإدارة والتنمية ورغبة سلطنة عمان أن تصبح دولة متقدمة وأن تتقلد المملكة العربية السعودية القيادة الإقليمية في الشرق الأوسط يدل على أن هذه الدول تسعى لبناء قدرات اقتصادية تحميها من الأزمات الاقتصادية والمالية العالمية وتمثل حائط سد لحمايتها من الحروب التجارية مثل الحرب التجارية الأمريكية الصينية.

 تتمثل إسهامات الرؤى التنموية الوطنية الخليجية في مواجهة الصراعات الاقتصادية والتجارية الدولية ليس فقط في تطوير القطاعات الاقتصادية الرئيسية مثل الصناعة واللوجستيات والزراعة والثروة السمكية والحيوانية والأمن الغذائي والتعدين والسياحة والتعليم والصحة من أجل دعم وتعزيز القدرات الاقتصادية لكل دولة، بل أيضًا من خلال تطوير رؤية خليجية مشتركة لبناء اقتصاد خليجي إقليمي متكامل يقلل من اعتماد المنطقة على اقتصاد الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين. تأكد الرؤى الوطنية أيضًا على التعاون الدولي وضرورة بناء شراكات اقتصادية دولية مع الشركاء التجاريين مثل اتفاقيات التجارة الحرة مع الدول العربية الأخرى، والدول الأوروبية غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وسنغافورة، وكوريا الجنوبية. كما تسعى دول الخليج إلى الدخول في مفاوضات تجارية مع بريطانيا والاتحاد الأوروبي والصين من أجل توسيع شبكة التجارة العالمية مما يساعدها على خلق بدائل جديدة لتصدير منتجاتها واستيراد احتياجاتها من السلع، والخدمات، ونقل التكنولوجيا والمعرفة. إن قوة وصلابة الاقتصاد الخليجي أصبحت شرطًا أساسيًا لقدرة المنطقة على مواجهة التحديات التي تواجهها حاليًا ومساعيها للعب دور حيوي وفعال لتشكيل النظام الاقتصادي العالمي الجديد.

في الختام، توضح التحليلات السابقة أن الضغوط الخارجية مثل الحرب التجارية الأمريكية ـ الصينية قد تكون عامل ضغط مساعد وقوي لدفع دول مجلس التعاون الخليجي إلى تطبيق سياسات اقتصادية فعالة تساعد على تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة وتجنبها التبعية الاقتصادية لكل من الولايات المتحدة أو الصين. إن اتفاقية التجارة التي يزيد عمرها على الأربعة قرون لم تحقق الهدف المرجو منها ولذا يجب تغيير منهجية ونمط العمل الخليجي المشترك من أجل تحول منطقة الخليج العربي إلى قوة اقتصادية لا يستهان بها في النظام الاقتصادي الدولي الجديد، وهذا يتطلب أولًا بناء النظام الإقليمي من الداخل من خلال اتباع وتطبيق سياسات تفضي إلى إنشاء كيانات مالية وتجارية وصناعية وتكنولوجية قوية تجعل المنطقة أكثر اعتمادًا على نفسها وتجنبها تأثيرات الحروب التجارية والأزمات الاقتصادية الدولية.

مقالات لنفس الكاتب