array(1) { [0]=> object(stdClass)#13142 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 198

مواجهة الحرب التجارية ببناء القدرات الخليجية لحماية المصالح وضمان حرية الاختيار بين البدائل

الأربعاء، 29 أيار 2024

تمتلك المنطقة العربية عامة، ومنطقة الخليج العربي خاصةً قدرات اقتصادية وطبيعية وبشرية فتية هائلة، يمكن توظيفها في قيام تكامل اقتصادي عربي يلبي طموحات الإنسان العربي، ويمتاز بآليات تطبيقية متطورة تضاهي مثيلتها في الدول المتقدمة، ولاسيما أنها تملك قدرات نفطية وغازية وزراعية ومعادن مختلفة، لزيادة وتعظيم موارد التجارة العربية البينية في ظل الحاجة إلى تكتل اقتصادي عربي ليأخذ مكانه بين التكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية.  

والتساؤلات المهمة هنا: متى تستطيع المنطقة العربية مواجهة الحرب التجارية الأمريكية-الصينية؟ ومدى قدرتها على ذلك، ولاسيما دول الخليج العربي على رسم سياسات اقتصادية استثمارية وصناعية في قطاعاتها المختلفة ما يبشر بولادة قطب اقتصادي عربي قادر على التحدي والمنافسة؟ 

1-القدرات العربية:

تحتل القدرات العربية الاقتصادية والطبيعية والجغرافية أهمية مميزة بين قدرات العالم بقاراته السبع، ولاسيما أن المنطقة العربية تقع في قلب الكرة الأرضية وقد منحها موقعها الاستراتيجي مكانة عالية من خلال التاريخ حضارياً ودينياً فضلاً عن كونها ساحة صراع بين الحضارات القديمة، وإذا ما أطل العصر الحديث حتى أصبحت محوراً اقتصادياً استراتيجياً فتح شهية الشرق والغرب معًا، لما تمتلك من ثروات زراعية وطبيعية، ولاسيما في مجال النفط والغاز والكبريت وغيره.

 تشير الكثير من الدراسات إلى أن احتياطي النفط العربي يبلغ نسبة 57،7% من احتياطي النفط العالمي، ما يجعل العالم العربي يسيطر على معظم مصادر الطاقة العالمية، وهو مايؤهله على أن يكون له صوت مسموع في ميدان التجارة العالمية، كما أن كميات النفط والغاز الهائلة  تؤسس صناعات متنوعة تمكن من جعلها تمثل مركزاً تجارياً يصدّر بضاعته الوطنية إلى الأسواق الإقليمية والدولية، ويضاف إلى النفط الكميات الكبيرة من الغاز وللأسف بعضه غير مستغل بشكل فاعل كما هو في العراق الذي  يحترق في الهواء، أما القدرات الزراعية الهائلة لاتقل أهمية عن النفط والغاز  ويمكن أن تغطي الحاجة المحلية إذا ما توفرت الظروف المشجعة باستعمال العلم والتكنولوجيا في الإنتاج الزراعي والحيواني واستغلالها على وفق الأسس العلمية الحديثة ،وتوظيف التكنلوجيا المتقدمة فيها، ومعالجة إشكالياتها الجزئية.

 تمتلك المنطقة العربية، ولاسيما دول الخليج العربية قدرات تخطيطية ومعرفية قادرة على تحقيق معدلات إنتاجية كبيرة في القطاعات الاقتصادية المختلفة تكون قادرة على المنافسة التجارية مع أطراف إقليمية بنظام إداري رصين، يدير القدرات بطريقة علمية وبعقلية تخطيطية تستخدم أحدث الاساليب المتقدمة، متفاعلة مع الثورة المعلوماتية والإفادة من تجارب الدول المتقدمة.

   أما على صعيد القدرات التنافسية فقد جاء في تقرير تنافسية الاقتصادات العربية لعام 2023 م، الصادر عن  صندوق النقد العربي كما ظهر في ( ص 7،ص 8، ص  25 ) إلى معنى الانفتاح التجاري على إنه(نسبة إجمالي التجارة الخارجية السلعية والخدمية إلى الناتج المحلي الإجمالي ) الذي اعتمد أسلوب المقارنة بين الدول العربية (للوقوف على مدى التقدم الذي أحرزته البلدان العربية في سعيها إلى تعزيز القدرة التنافسية، مقارنة بعدد من الدول مثل: البرازيل، والهند، وكوريا الجنوبية، وإسبانيا، وتايلاند، وماليزيا، وسنغافورة، وجنوب إفريقيا، وتركيا). أما على مستوى المؤشر العام للتنافسية الاقتصادية العربية فقد جاء بالتقرير أن الإمارات وقطر و السعودية وعمان والكويت والبحرين احتلت مراكزها الستة الأولى على الدول العربية على التوالي في المؤشر العام لتنافسية الاقتصادات العربية، وحافظت أربع دول عربية على مراكزها في التنافسة العربية  للفترة (2019-2022) مقارنة بالفترة (2018-2012)، أما على مستوى الانفتاح الاقتصادي فقد تمكنت الإمارات تسجيل المرتبة الأولى على مستوى الدول العربية والثاني على مستوى المجموعة، اذ بلغ  متوسط المؤشر( 161،1 )  بالمئة خلال الفترة 2019-2022م،وجاءت البحرين بالمرتبة الثانيةعلى مستوى الدول العربية والثالث على مستوى المجموعة ،إذ بلغ مستوى الانفتاح التجاري(  151،4 % ) خلال الفترة المذكورة، واحتلت تونس المرتبة الثالثة على الدول العربية، إذ بلغ مؤشر الانفتاح التجاري (110%) لنفس الفترة . وسعت المنطقة العربية توظيف وتفعيل صناعتها الاستخراجية غير النفطية كالحديد والفوسفات، فضلاً عن الصناعات التحويلة مثل الألمنيوم وغيره. أما قدرات الإنتاج الزراعي يمكن أن تغطي الحاجة المحلية العربية إذا ما تم استثمارها بشكل سليم، كما يعد الاستثمار العربي من أهم العوامل الداعمة للدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات التي ساهمت باستثمارات كبيرة في بعض الدول العربية التي نافست الاستثمار الأجنبي، والموظف في بعض الدول العربية.

 

 2-تاثير الحرب التجارية بين القطبين في المنطقة العربية

ترجع جذور الحرب التجارية بين أمريكا والصين إلى عام  2018 م، عندما فرض الرئيس الأمريكي السابق رسوماً جمركية على الصين بلغت  (36) مليار دولار فعلية، وقابلت الصين الإجراء الأمريكي بإجراء مماثل، كان له الأثر الكبير في تأجيج الصراع بينهما، وإعادة فتح الحسابات الأمريكية تجاه النفوذ الصيني وامتداده في مختلف أرجاء المعمورة، ولاسيما  في القارة السوداء الغنية بثرواتها الطبيعية واستمالة أطراف عربية وغير عربية في منطقة الشرق الأوسط إليها، وعقد معاهدات مع بعضها، ولا شك أن الهاجس الأمريكي كان موجوداً حتى في زمن الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق وبين أمريكا وأوروبا، إلا أن السياسة الصينية المنكفئة على الداخل قبل ثورتها الثقافية وبعدها قد تجعل تلك المخاوف تبقى مغطاة، وتأخذ منحى أيديولوجياً، لكن بعد شروع الصين بتشجيع الورش والمصانع الأهلية المحدوده وتوسعها في العقود القليلة الماضية، أيقظ من جديد تلك المخاوف حتى أصبح الهدف المقبل من أهداف النظام الرأسمالي هو الصين، بعدما تحولت تلك الورش الصينية إلى مصانع ضخمة بصبغة عمل الرأسمالي حتى وصلت السلعة الصينية إلى عمق السوق الأمريكي الأوروبي، ناهيك عن َمنافذ عالمية أخرى، فليس الأحداث في أوكرانيا أو الشرق الأوسط  تشكل المخاوف الرئيسية لأمريكا والغرب بقدر ما يشكله الرجل الثقيل(الصين) تجاه مصالح أمريكا والغرب، فقد تململ الرجل الثقيل وخرج عن فلسفة انكفائه على الداخل إلى الدخول في الساحة العالمية بهدوء وهو ما بات يقلق الغرب  تجاريًا قبل أن يقلقه عسكرياً.  

لاشك أن الرؤية المناسبة لمواجهة مخاطر الحرب التجارية الأمريكية الصينية على المنطقة العربية تقوم على أساس  حساب مصالح المصالح التجارية العربية باتباع سياسة حكيمة تجعلها قادرة على أن تحتل مكانًا متوازناً بين طرفي الحرب التجارية، و رسم سياسات اقتصادية لتنمية القدرات الذاتية العربية، والشروع بسياسة الاستثمار في مجال الصناعة والزراعة والطاقة، وتطوير حقل المعرفة والتعليم، بعدهما المفتاح الذي يتيح للقدرات العربية المسك بزمام المبادرة في تحقيق تطور علمي وتقني يحقق إنتاجاً نوعياً، يذهب اولاً  للاكتفاء الذاتي ،وثانيًا يوظف في التصدير ،وهو مرهون بقدرة العرب على فتح أسواق في مناطق مختلفة من العالم، ولاسيما إفريقيا التي تعد مجالاً خصباً للاستهلاك وفرص خصبة للاستثمار وستكون متغيرًا أساسيًا في المنافسة التجارية مع   طرفي الحرب التجارية كليهما وغيرهما، فضلاً عن استثمار القدرات الاقتصادية في بلدان عربية، ليكون ذلك متغيراً أساسياً في مواجهة الحرب التجارية الأمريكية -الصينية،  على المديين القصير والطويل.

 

 3-التجارة والصناعة العربية وصراع الكبار       

تعد المنطقة العربية ولاسيما منطقة دول الخليج من المناطق االحيوية للتنافس بين أطراف إقليمية ودولية، ما جعلها في الوقت نفسه مناطق أطماع، وعرضة للصراع، حتى عدّ استقرارها  استقراراً  للعالم أجمع، وبهذا اكتسبت أهميتها الاستراتيجية على الصعيد السياسي والاقتصادي، ما جعل صناع القرار فيها يذهبون إلى تحالفات أساسها اقتصادي مصالحي يحقق مكاناً وسطياً في ميزان توازن اقتصادي مصالحي بين طرفي الحرب التجارية الأمريكية -الصينية، بفضل قدراتها الاقتصادية الهائلة الذي جعلها تلعب تأثيراً فعالاً، في ميدان التجارة العالمية، ولاسيما حين  تتوافر الإرادة السياسية  الصلبة، وهو ما بدا واضحاً عند الفاعل السياسي السعودي في تقييم للوضع العام في الشرق الأوسط بما يحفظ ليس لمنطقة الخليج العربية فقط مصالحها وإنما للعالم العربي بأسره.

 4-الإنتاج المحلي العربي وترتيبهما المحلي والعالمي

لاشك أن زيادة الإنتاج المحلي العربي تمثل متغيرًا مؤثرًا في مواجهة الحرب التجارية بين أمريكا والصين، وهنا يمكن الإشارة إلى الإمكانيات العربية، ولاسيما الإمكانيات الخليجية في تأهيل نفسها لدرء الآثار الناجمة عن الحرب التجارية  بين الكبار ، فقد أشارت إحصائيات موقع آراء المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة المستندة إلى بيانات صندوق النقد الدولي ،وهيئات الإحصاء الخليجية إلى ارتفاع الناتج الإجمالي لدول الخليج العربية بالأسعار الجارية عام 2021 م، ليصل( 1،64) تريلون دولار وبنسبة( 18،3% )، إذ يوضح التسلسل الترتيبي قدرات الإنتاج المحلي للسلع المختلفة في دول الخليج العربية، أما الموارد النفطية، فإن دول الخليج العربية تسيطر على( 30%)، من احتياطيات النفط العالمية. أما على مستوى الإنتاج المحلي خارج الإنتاج النفطي والغازي، فقد  احتلت المملكة العربية السعودية ما قيمته ( 833،5) مليار دولار، ودولة الإمارات العربية المتحدة (  410 ) مليار دولار ،ودولة قطر ( 179،6)  مليار دولار ، ودولة الكويت (  135،4 )مليار دولار ، وسلطنة عمان (  83،7 ) مليار دولار ، ومملكة البحرين ( 38،9 )  مليار دولار ،والذي يسهم في تبوء  دول مجلس التعاون  الخليجي ،مكانة مرموقة في النظام الدولي  في عام 2023م ، ومن المتوقع  أن تزداد أهميتها في المرحلة المقبلة، ما يؤكد أهمية هذا الدور هو انضمام المملكة العربية السعودية إلى مجموعة العشرين، ولاشك أن الرؤية السعودية التي أطلقت عام 2016 حتى عام 2030 سيكون لنتائجها الإيجابية في تشكيل النظام  الحضاري العالمي، وفي رفع القدرات العربية عامة، والخليجية خاصة في المجال التجاري والصناعي والزراعي والخدمي بطريقة تساعد على تحدي الآثار التي تتركها الحرب التجارية الأمريكية- الصينية على المنطقة العربية  بشكل عام، وإذا ألقينا نظرة سريعة على ترتيب اقتصادات  الدول العربية على المستوى المحلي والدولي، يمكننا معرفة القدرات الإنتاجية العربية، والتي سيكون لها إسهامها الكبير في المنافسة التجارية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية والذي يمكن أن يجعل القدرات العربية  أكثر قدرة على مواجهة الحرب التجارية بين أمريكا والصين، والجدول المرفق يوضح  بعد مرور عام على انتشار كورونا، حجم الإنتاج المحلي  العربي بالدولار الأمريكي على وفق خط تراتبي عربي وعالمي.  

جدول يوضح ترتيب اقتصاد الدول العربية  بعد مرور عام على  انتشار فيروس كورونا من حيث  ترتيب الإنتاج المحلي والعالمي المستند على احصائيات مقتبسة من المصدر صناع المال/https://www.almaal.org

الترتيب على اقتصاديات الوطن العربي

 الدولة

 الناتج المحلي بالمليار دولار الأمريكي

 الترتيب العالمي

 الترتيب على

اقتصاديات الوطن العربي

 الدولة

 الناتج المحلي بالمليار الدولار الأمريكي

 الترتيب العالمي

1

العربية السعودية

790

 19

 11

 ليبيا

 50،42

 -

2

 الإمارات العربية

 449

 30

 12

 الأردن

 46

 -

 3

مصر

  331

42 

  13

 البحرين

  40،7

 -

4

العراق

346

49

14

تونس

35،15

-

5

قطر

204

53

15

اليمن

31،39

-

6

الجزائر

193

54

16

الصومال

8،80

-

7

الكويت

143

58

17

مورتانيا

5،70

-

8

المغرب

129

59

18

جنوب السودان

2،80

-

9

عمان

84،16

69

19

جيبوتي

2،60

-

10

لبنان

60،6

-

20

جزر القمر

777،3مليون دولار

 

                                                                                                                     

  5-تعظيم الموارد العربية في مواجهة صراع الكبار

إن تعظيم الموارد الاقتصادية العربية في قطاعات خارج النفط والغاز ولاسيما في الصناعات المتوسطة والخفيفة والموارد الزراعية سيجعل المنطقة العربية قادرة على مواجهة الحرب التجارية بين القطبين العالميين، ويمكن للمنطقة العربية أيضًا أن تدخل في تصدير بعض السلع المصنعة إلى الأسواق المحلية والإقليمية ،فإذا كانت النهضة الصينية بعد ثلاثة عقود من ولادة ما أطلق عليه النظام العالمي الجديد القائم على فكرة أحادية القطب الواحد مستخدمة العولمة وسيلته في الهيمنة على اقتصاديات العالم وثقافة شعوبه، حتى دخل متغير بزوغ فجر الصين بعد عقود طويلة من البناء الداخلي الذي يشكل تهديدًا حقيقيًا لأحادية القطبية العالمية، وهذا ليس تنظيريًا إنما هو مايجري في الواقع اليوم، فالصين  تتقدم اقتصاديًا وتفتح منافذ تجارية مع مختلف قارات العالم، فضلاً عن تفوقها التكنلوجي على الأصعدة المختلفة، لذا فإن القيمة التجارية للصين آخذة في الانتشار والتوسع، الأمر الذي يشكل تحدياً حقيقياً على تجارة واقتصاديات الولايات المتحدة الأمريكية، وتمددها المستمر على حساب نفوذها في العالم، حتى أصبحت الصين العدو التجاري المنافس الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية ، والذي تحاول بشتى الطرق  الحد منه أو تحقيق نوع من التوازن معه ،وعندما  كانت المنطقة العربية، ومازالت هي الهدف الاقتصادي للغرب والشرق معا، ومن هنا كان من المنطقي التفكير في بلورة توجه اقتصادي عربي على فتح منافذ مع الصين حينما تخيب السياسة الأمريكية في نصرة حلفائها العرب، وقد خطت المملكة العربية السعودية خطوات جريئة في فتح علاقات تجارية مع الصين ما شكل انتباهًا واستشعارًا أمريكيًا  بالمخاطر التي يمكن أن تتعرض لها مصالحها التجارية جراء ذلك، لذا يكون انعكاس فعالية القدرات العربية، ولاسيما دول الخليج العربية على رأسها السعودية يمثل انعطافاً اقتصادياً  يؤهل العرب على مواجهة آثار تلك الحرب على حاضرهم ومستقبلهم التجاري، وقد كان للدبلوماسية الاقتصادية  العربية ولاسيما  دبلوماسية المملكة العربية  السعودية،  القدرة على رسم هذا الدور ابتداءً من سياسات الانفتاح الثقافي والاقتصادي على العالم، فضلاً عن انفتاح علاقاتها مع أطراف مختلفة تصب في خدمة المنطقة العربية بمجملها.

 6-تفعيل  قطاع  التجارة والصناعة  والاستثمار  

لاشك أن تفعيل قطاع التجارة والصناعة والاستثمار في المنطقة العربية مرتبط بمتغيرات سياسية واقتصادية، باتت تؤثر إيجابياً  في وعي الإنسان العربي بأهمية الاقتصاد في تحقيق التوازن بين قطبي الحرب التجارية بين طرفيها، ما يدعو إلى المساهمة في تكتلات اقتصادية تلبي مصالحها الاقتصادية بما ينسجم مع السياسات الاقصادية ومشاريع توطين الصناعة وفرص الاستثمار، مع تعزيز الفهم القائم على اعتبار الحرب في العصر الحديث ذات منحى اقتصادي أكثر منه عسكري ، فالاقتصاد عصب الحياة وبه تنتصر المجتمعات وتحتل مكانتها المرموقة بين المجتمعات لذا فإن سياسات دول مجلس التعاون الخليجي تصدرت الاقتصاديات العربية، ولاسيما في اقتصادات النفط والغاز والاستثمار وتوطين الصناعة والاهتمام بالزراعة، وقد حققت نجاحات مقبولة  على الرغم من الصعوبات التي تحيط بالمنطقة العربية،  وبهذا المعنى  فإن حساب الآثار المتوقعة من الحرب التجارية الأمريكية -الصينية على العالم العربي لابد أن  يدخل في حسابات الحكومات العربية، ولاسيما دول مجلس التعاون الخليجي، في ظروف صعبة تمر بها المنطقة بشكل عام التي كان لها الأثر في التراجع الذي أصاب معدل النمو الاقتصادي العربي عام 2023م،اذ تشير بيانات نشرة ضمان الاستثمار الصادرة عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات العدد(4)أكتوبر-ديسمبر 2023م،إلى تراجع معدل النمو الاقتصادي للمنطقة العربية إلى(1،8%)ليصل الناتج الإجمالي العربي (3،4)تريليونات دولار عام 2023م، مع توقعات بلوغه خلال عام 2024م،إلى (3،5) تريليونات دولار، كما أشارت النشرة إلى تراجع التجارة الخارجية العربية بمعدل(5،7%) إلى أقل من (3) تريليونات دولار خلال عام 2023، وفي هذا إشارة إلى تراجع الصادرات العربية بمعدل(9،7%)كما تراجعت الواردات إلى معدل 0،4%)ليتراجع فائض الميزان التجاري بمعدل (39%) إلى (262)مليار دولار. وفي هذا السياق يتبين أن معدل النمو قد تأثر بالمتغيرات السياسية والأزمات التي تحيط المنطقة العربية والتحديات التي تواجه المنطقة، فضلاً عن الأوضاع القلقة في بعض الدول العربية.

 كما تمتلك المنطقة العربية قدرات زراعية كبيرة يمكن أن تسهم في التجارة الخارجية، إلا أن هناك مشكلات عانتها هذه الدول ،لابد من  العمل على تحقيق التنمية الزراعية، وتكثيف الاستثمارات فيها، وإسهام القدرات البشرية الشابة للعمل فيها، وتاهيلهم بما يواكب المعرفة بهذا القطاع مع مكننة الزراعة وربطها بعجلة الصناعة لتلبية احتياجتها من المنتوج الصناعي الوطني،كما ينبغي الاهتمام بالمياه التي تعد شريان الزراعة وتحسين مصادرها ورعايتها بصفتها  جزءاً من النشاط لرفد أراضيها بهذه المصادر لتوفير الغذاء ، ولاشك أن ذلك مرتبط بشكل أساسي أيضًا بتوفير مستلزماتها من الطاقة اللازمة لتشغيل آلياتها المختلفة ،وبهذا يكون الإنتاج الزراعي أحد روافد التجارة العربية المعاصرة .

7- التكتلات الاقتصادية الكبرى ومردودها  الإيجابي على المنطقة العربية

تعد منطقة  الخليج العربي من أكثر المناطق الجاذبة للتنافس وقد قامت الصين خلال العقود الأخيرة بمحاولات عدة للتقرب من دول  مجلس التعاون الخليجي، وقد مدت الصين يدها إلى هذه المنطقة الحيوية لإقامة  اتفاقيات معها، وهي سياسة تلتقي مع توجه خليجي لإقامة تحالفات لتحقيق توازن في العلاقات الدولية ومنها التجارية، وهذا التوجه جاء نتيجة المصالح الخليجية في فتح قنوات جديدة مع أطراف مهمة في العالم من بينها الصين، بعد أن كانت الولايات المتحدة الأمريكية والغرب هما الحليفان الأكثر أهمية لها، والتكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية جعلتها تسعى إلى توسيع علاقاتها الدولية، وهو يمثل تطورًا إيجابيًا على المديين القريب والبعيد، ولعل الرغبة في الانضمام إلى تكتلات اقتصادية كبرى تستند وقائمة على ما تمتلكه هذه الدول من مقومات تأهلها في عملية الاختيار، ولاسيما أنها تحتل موقعاً جغرافياً استراتيجياً، فضلاً عن كونها من أهم مصادر الطاقة في العالم، ما يجعلها قادرة على تحقيق التوازن الإيجابي بين التكتلات الاقتصادية الكبرى في العصر الحديث ، ولعل بروز الصين بصفته قطباً اقتصادياً مهماً جعل هذه الدول العربية تمتلك عنصر الاختيار على وفق مصالها الوطنية.

إن الأصل في مواجهة الحرب التجارية الأمريكية -الصينية هو قدرة الدول العربية وبخاصة الخليجية منها على بناء القدرة الذاتية الاقتصادية والمعرفية والتقنية، بعدم الاتكال على أطراف أخرى، لضمان لعبة المصالح القائمة على حرية الاختيار والتعامل التجاري مع أطراف فاعلة أخرى، بحيث تكون البدائل حاضرة في الوقت الذي تحتاجها المنطقة العربية وإرادة حرة.


 

مقالات لنفس الكاتب