array(1) { [0]=> object(stdClass)#13142 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 198

الاستثمارات العربية في الخارج تتجاوز تريليوني دولار والاستثمارات البينة عشر هذا المبلغ

الأربعاء، 29 أيار 2024

عايش عالمنا متغيرات دائمة ومتواصلة لم تنقطع. ومع تطور العلوم وسبل الاتصال وسرعتها وحجم الانفتاح بين الدول، صارت المتغيرات تحدث بسرعات متزايدة. فقد انتقل العالم من أول تجربة للطيران قام بها عباس بن فرناس إلى أول طائرة حقيقية للأخوين "أورفيل وويلبر رايت". ثم انطلق في بضعة عشرات من السنين نحو طائرة الأربعين راكبًا والتي أسموها (البولمان الطائر). لكن القفزة للوصول إلى طائرة الثمانمائة وخمسين راكبًا استغرقت -فقط -بضع سنوات إضافية. وبالمثل فإن العالم استغرق مئات السنين منذ صنع المصريون زورق البردي، حتى وصلنا إلي أكبر ناقلة بترول من أربعين ألف طن انحبست في قناة السويس المغلقة، نتيجة العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956م، وكان هذا في حد ذاته حافزًا للوصول لإنتاج الناقلة ذات حمولة النصف مليون طن في بضع سنوات إضافية فقط. 

وفي العالم البدائي خرجت جيوش المرتزقة من بلدان الغرب الأوروبي، لتستولي على ثروات العالم من أقصى الشمال في الأمريكتين وأقصى الشرق في آسيا والهند وراء ثروات التوابل والعاج، وصولًا إلى جنوب إفريقيا وثروات الذهب والمعادن النفيسة. ثم إلى المنطقة العربية وثروات البترول والملاحة بين البحرين الأحمر والمتوسط. وبعد تكرار المحاولات الصليبية الفاشلة، جاءت الحملة الفرنسية النابليونية لتقطع على الاستعمار البريطاني تطلعاته. ولتضع لأول مرة لبنة الاستيطان الصهيوني في الأراضي المقدسة. وشنت قوى الاستعمار هذه الغزوات تحت شعارات براقة من مساندة حق الشعوب في تقرير مصيرها أو الدفاع عن الحق الإلهي للملوك في الحكم أو حقوق الإنسان والديمقراطية.

ويذكر في ذلك كتاب "أمهات الأفكار السياسية" في مادة التاريخ الدبلوماسي، لأستاذنا الراحل العظيم الدكتور طه بدوي. وفيه الكثير عن نظم الحكم والحريات، والمقارنة بين نظرية "الحق الإلهي للملوك" حيث لا معقب على أحكامهم، ونظرية "حق الشعوب في تقرير مصيرهم". وهو يناقش أقوال كهنة "الحق الإلهي للملوك" الذين دعوا الشعوب للخضوع للملوك والتنازل عن بعض من حرياتهم كي يحافظ الملوك على ما تبقي لهم من تلك الحريات. وانتهي الأستاذ من حساب الحريات المطلوب من الشعوب التنازل عنها لملوكهم، ليتبين أنه لن تتبق لهم بعد ذلك حريات يمارسونها. وشبه تلك النتيجة في قول بليغ: "إنهم كمن أشترى بكل ماله خزانة ليحفظ فيها ماله، وماله بعدها من مال". ولعل هذا ما تطالبنا به بعض الدول "الصديقة" من تنازلات ليحافظوا لنا على الحق في الحياة أو ما تبقى منها.

وعندما نحلل مواقف القوى العظمى من الحريات، وتطبيق نظرياتها في مختلف المواقف الدولية، نجد أن تلك القوى لم تتبن أبدا مبادئ ثابتة. فقد انحازت مرة -مثلا -ضد شعب اليونان عندما ثار على الملكية. وأيدت "الحق الإلهي للملك"، لكنها انحازت لمبدأ "حق الشعوب في تقرير مصيرها" عندما قامت ثورة الصين ضد الإمبراطور. ذلك أن مواقف تلك القوى لم تستند للمبادئ وإنما لما يحقق مصالحها. وذهبت تلك القوي-تحت شعار "حماية الحريات"-لتحتل البلدان الأخرى وتستنزف ثرواتها، في أسوأ ممارسات عنصرية عرفها التاريخ.

ولما أكتشف البترول في الدول العربية، وحفرت قناة السويس، جاء الاستعمار بشتى أشكاله ولعقود طويلة، ليستولي على تلك الثروات، وليدفع في برميل البترول دولارين ونصف الدولار. فلما اجتاز السعر المائة دولار نجح "المشترون" في جعل السعر الحقيقي أقل من سعر البداية. وتلك رواية وسرقة أخرى، نوضحها لاحقًا. وهكذا استنزفت أوروبا لقرون ثروات الأمم في آسيا وإفريقيا. أما مساعدات التنمية فليس هناك محل للتباهي بها. فإجمالي ما يقدم لمصر – كمثال – لا يرقى لنحو 3% من ناتجها القومي. وتشتري مصر من (المانحين) بمئات أضعاف تلك المساعدات من صادراتهم. مما يجعل من المنطق والعدالة أن تدرج تلك (المساعدات) في بند الترويج التجاري لتلك الدول. وفي هذا يلاحظ أن حجم تدفق الأموال من قارتي آسيا وإفريقيا إلى الدول المتقدمة، سدادًا لوارداتهما ولديونهما حتى الآن، يفوق الأموال التي تأتيهما من تلك الدول كاستثمارات أو سداد لوارداتها من دول القارتين.

الحرب العالمية الثانية والنظام النقدي الدولي

 انتهت الحرب العالمية الثانية بين حلفاء الغرب من جهة، وبين ما سمي بدول المحور (ألمانيا وإيطاليا واليابان) بهزيمة ساحقة للألمان ودول المحور. وتميز انتصار الحلفاء تميز بأن الولايات المتحدة لم تستنزف فيه قدراتها العسكرية أو المالية، مما جعلها قادرة على مساندة الحلفاء بمشروع "مارشال" للعون الاقتصادي.  واقترحت، في مؤتمر بريتون وودز، قيام نظام مالي ونقدي تديره مؤسستان:

  1. صندوق النقد الدولي ويعمل بمثابة "بنك للبنوك المركزية" ينظم العلاقة بين أسعار صرف العملات الرئيسية السائدة. ويساند التوازن والاستقرار النقدي. على أن يستخدم الدولار كعملة تسوية رئيسية في المعاملات الدولية مع ضمان قيمته من الولايات المتحدة بواقع "أونصة" من الذهب لغطاء كل 35 دولار تصدره. وبذلك صار الدولار يغطي 82% من المعاملات التجارية الدولية. رغم أن الاقتصاد الأمريكي يمثل أقل من 23% من حجم الاقتصاد العالمي.
  2. البنك الدولي للإنشاء والتعمير ويقوم بدور بنك التنمية. وبدأ عمله بإعادة إعمار ما دمرته الحرب في مختلف الدول التي شاركت في الحرب العالمية. ثم تحول ليصبح بيت خبرة وممول للتنمية في مختلف بلدان العالم.

وعندما كان سعر برميل البترول يدور حول 2.5 دولار أمريكي طالبت الدول المنتجة برفع السعر إلى 12 دولار للبرميل في حين تمسكت الدول المحتكرة لأسواق الاستيراد بسعر ثمانية دولارات، ولم تلتزم به. فلما جاءت حرب التحرير في أكتوبر 1973م، ونتيجة للتنسيق بين القيادات العربية، تخطى سعر برميل البترول المئة دولار. فإذا بالولايات المتحدة تخرج في سنة 1974م، عن نظام غطاء الذهب للدولار، وتركت سعره لتوازنات السوق. فتخطى سعر أونصة الذهب حاليًا 2350 دولار. ويعني ذلك أن برميل البترول إذا بلغ 100 دولار، تدفع فيه الولايات المتحدة نحو 1.5 سنت تمثل القيمة الحقيقية الآن للمئة دولار بتوسيط الذهب. وهو ما يعتبر أكبر سرقة في التاريخ.  

ثاني أكبر السرقات

وبالتوازي بدأت سلسلة الهزات الاقتصادية والمالية متمثلة في الأزمة المالية والنقدية في آسيا 1997م، التي أسقطت اقتصادات خمس دول آسيوية صاعدة. وانهيار مؤشر سوق الصناعات الإلكترونية الأمريكي (ناسداك) والذي يعتبر المؤشر الرئيسي لسوق الصناعات التكنولوجية. فبعد أن وصل المؤشر إلى أعلى مستوى له عام 1999م، انهار في أزمة ضربت شركات تلك الصناعة. وتلاها سقوط وإفلاس شركة إنرون للإلكترونيات (2002) التي تربطها علاقات بالرئاسة وبالإدارة الأمريكية عمومًا، مما أشاع الخوف في الأوساط المالية. وكشف انهيار "إنرون" -الذي كان الأكبر من نوعه في التاريخ -عن فساد النظام المحاسبي الذي يعد أحد أركان الاقتصاد الرأسمالي. مما قوض مصداقية مبدأ الشفافية الذي يقوم عليه النظام، والذي يضمن للمستثمر الطمأنينة ومرونة التوقع. وكان الانهيار نتيجة لقيام شركة وهمية بتزوير وتضخيم أرباح وهمية والمبالغة في رصد قيمة الأصول. وأخفت الديون والخسائر حيث سجلها المحاسبون كاستثمارات. وصاحب ذلك لاحقًا الغزو الأمريكي للعراق ولأفغانستان والذي اتضح لاحقًا أنهما تقررا قبل مأساة 11 سبتمبر. والظن أنهما وغيرهما من الأحداث تقرر منذ انهيار حائط برلين عام 1989م، وثبوت انفراد الولايات المتحدة بوضع القوة العالمية الأحادية.

أكبر السرقات

كان ما حدث في آسيا تجربة مصغرة للكارثة الأعظم عندما انهارت في أواخر عام 2008م، أكبر البنوك وشركات العقار والتأمين الأمريكية. في أضخم عملية سرقة مالية وتزوير شهدها العالم في تاريخه. وبعدها لم نسمع عن محاكمة واحدة لطبقة المديرين الفاسدة الذي حصل أحدهم على مكافأة نهاية خدمة من شركته المفلسة تجاوزت 700 مليون دولار. وهو ما دفع "الإيكونيميست" أن تتساءل على غلافها (أين ذهبت النقود؟؟) ووضعت التساؤل على رسم لبالوعة في الشارع تبتلع النقود المنهوبة. واستلزم الأمر حشد سيولة نقدية حكومية ضخمة، بلغت في موجتها الأولى في الدول العشرة الغنية حوالي 3000 مليار دولار. تحملتها موازنات تلك الدول.

وبينما تراجعت أعباء مديونية البنوك وشركات التأمين، وممولي السوق العقاري، وصناع السيارات، انتقلت هذه المديونية بصورة غير مسبوقة إلى حكومات الدول العشرة الغنية التي وفرت تلك الأموال على حساب دافعي الضرائب والطبقات الأقل مقدرة. فصارت مدينة بأكثر من إجمالي نواتجها القومية. وصار كل مواطن في الدول العشر الأغنى مدينًا بنحو 50 ألف دولار (أي نحو ناتجه في سنتين). وفي القمة العربية الاقتصادية الأولى بالكويت سنة 2009م، أعلن سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، أن الدول العربية خسرت مليارات الدولارات في كارثة انهيار السوق العقاري الأمريكي. الأمر الذي جعل الاستثمارات العربية تتجه ثانية نحو أوطانها كملاذ آمن. غير أن الاستثمارات العربية خارج المنطقة ما زالت تبلغ أضعاف قيمتها في الداخل. ويرجع ذلك لإشكاليات عديدة أهمها محدودية القدرة الاستيعابية للاقتصادات العربية.  

حروب التجارة

خلال الأعوام 2004/2008م، احتلت ألمانيا المركز الأول كأكبر مصدر في العالم. والملفت أن 80% من تلك الصادرات حققتها شركات صغيرة ومتوسطة لا يكاد أحد يعرف أسماءها. وفي عام 2009م، تقدمت الصين لتحتل مكان ألمانيا في مقدمة الدول المصدرة. وتتطلع لأن تحتل مركز أكبر اقتصاد في العالم. واعتمدت الصين على برنامج وطني للجودة والتفوق، وعلى تبني سياسة إضعاف قيمة عملتها في مواجهة الدولار والعملات الأخرى، بحيث يترجم اليوان الرخيص إلى صادرات صينية رخيصة. ومن جانبها اتجهت الولايات المتحدة لإضعاف قيمة الدولار فخفضت سعر الفائدة. وهددت في نفس الوقت بشكوى الصين إلى منظمة التجارة العالمية باعتبار أن إضعاف قيمة العملة الصينية يعتبر من قبيل الدعم الخفي للصادرات وهو ما تمنعه قواعد التجارة الدولية.  

وتقوم الصين بزيادة إصدارها النقدي لتضعف من قيمة عملتها، ثم تقوم بأكبر عملية شراء لأذون الخزانة الأمريكية لتزيد من قيمة الدولار في مواجهة اليوان الصيني. ويؤدي ذلك لزيادة ثروة الصين النقدية باعتبارها تحتفظ بأكبر احتياطي نقدي في العالم من الدولارات. وأقدمت الولايات المتحدة على سياسة مضادة بشراء أذون الخزانة مما يعني زيادة عرض الدولار وبالتالي الإبقاء على قيمته منخفضة.  ولما وجدت اليابان أن عملتها ترتفع قيمتها بصورة تهدد بارتفاع تكلفة صادراتها، صرح رئيس وزرائها بأن حكومته لن تسمح بمواصلة ارتفاع سعر صرف "الين الياباني"، وأنها لن تتردد في التدخل في الوقت المناسب لاتخاذ الإجراء اللازم. بما يعني إضعاف سعر صرف الين.

إن قدر تشابك المصالح -وتنافسها في نفس الوقت -بين اللاعبين العشرة الأكبر في الاقتصاد العالمي سوف يفرض على الجميع المضي في مفاوضات مضنية بهدف الوصول إلى مواقف متوازنة تحافظ على القاسم المشترك الأدنى لمصالح كل الأطراف. لكن المؤكد أن عهد السيطرة اللانهائية للاعب واحد في الساحة الدولية قد ولّى. وحان الوقت لإيجاد نظام (مناسب) للرقابة على حركة الأموال وقرارات البنوك ومديروها لمنع تكرار المقامرات التي أدت للأزمة المالية العارمة.

وفي الوقت الراهن يواجه العالم أخطار عديدة تهدد بالانفجار في أي وقت، بدأت بوباء الكورونا الذي لم تستطع أعتى الصواريخ والأسلحة الذرية أن توقفه. والآن الحرب الروسية/ الأوكرانية التي أظهرت قدر سوء إدارة الأزمات من كلا الجانبين. روسيا والصين من جانب، وأمريكا ودول الأطلنطي من جانب آخر. فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وحائط برلين وتجارب النظرية الشيوعية، سلك الجانبان – في البداية -"خطوات عاقلة" عندما ضمت مجموعة السبعة G.7 روسيا إليها، وصارتG.8 . وسمحت روسيا من جانبها بتفكك المنظومة السوفيتية واستقلال دولها، وانضمام بعضها للاتحاد الأوروبي بل ولحلف الأطلنطي. وجاءت ذروة المفارقة عندما عقدت قمة دول حلف الأطلنطي سنة 2009م، اجتماعها في "وارسو" عاصمة الحلف "المعادي" السابق. فإذا بالمبالغة تصل لتشجيع "أوكرانيا" على الانضمام للاتحاد الأوروبي ولحلف الأطلنطي. وهو أمر لم تكن روسيا لتقبله من دولة تقع منها في القلب. فأقدمت على غزو "أوكرانيا". وتوترت أحوال العالم، وتأثرت أوضاع الاقتصاد العالمي، وبخاصة إمدادات الطاقة الروسية إلى غرب أوروبا وتأثرت تجارة الحبوب من المنطقة ذاتها نحو العالم.

العالم العربي في مواجهة الأحداث

تعاملت الدول العربية بكفاءة نسبية تجاه الوباء. كما تأثرت سلبًا وإيجابًا مع الأزمة الأوكرانية. حيث استفادت من تزايد الاعتماد على بترول وغاز الشرق الأوسط. وشكلت مصر واليونان وقبرص "منتدى غاز شرق المتوسط" ومقره القاهرة. وانضمت له عدة دول متوسطية. وبدأت في مد أنبوب للغاز، ورابط للكهرباء، لتصبح أحد مصدري الطاقة للقارة الأوروبية.  خاصة وأن الدول العربية تقيم منذ سنوات مشروع الربط الكهربائي بين بغداد شرقًا والدار البيضاء غربًا، وما بينهما.

وحاليًا وبعد انعقاد القمة العربية في البحرين يتزايد الإدراك بالحاجة إلى تنسيق – وربما توحيد -مواقف الدول العربية وتقييم أوضاعها وتحالفاتها لمواجهة تحديات المتغيرات الدولية، ولتحقيق القاسم المشترك الأعلى لمصالحها المشتركة، وذلك في ضوء الأوضاع التالية:

  • قيام منطقة عربية كبرى تضم كافة الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، ألغت الرسوم الجمركية وغيرها من عوائق التجارة فيما بين الأعضاء. وما زالت تواجه بعض المعوقات، مثل قواعد المنشأ، وقوائم السلع السلبية لتحرير التجارة.
  • ما زال أهم مستثمر في العالم العربي هم العرب أنفسهم. وتحتاج الدول العربية للمزيد من توسيع قدراتها على استيعاب المزيد من الاستثمارات.
  • تعتبر التجارة البينية العربية أقل من الإمكانيات المتاحة بالفعل. حيث يبلغ متوسطها نحو 12%. وبلغت 19 % بالنسبة لمصر ونحو 40% في كل من الأردن ولبنان.
  • أهم شركاء العالم العربي التجاريين هم: الاتحاد الأوروبي (بنسبة 28 % من إجمالي التجارة العربية) فالولايات المتحدة الأمريكية (بنسبة 12%).

ولقد مر العمل الاقتصادي العربي المشترك بتجارب متعددة بلغت منطقة التجارة الحرة. ويمكن للدول العربية الدخول في مسارات أعمق للعمل المشترك باستخدام قوة الدفع التي تتولد عن الاتفاقيــات البينية، وأيضًا تلك التي تعــقدها مع أطراف غير عربية. فاتفاقيات بعض الدول العربية مع الاتحاد الأوروبي، مثلًا، استخدمت في تعميق علاقات تلك الدول العربية فيما بينها. واتفاقية "أغادير" بين الدول العربية المتوسطية خير مثال على ذلك.

دوائر العلاقات العربية:

إفريقيا:

تقع نصف الدول العربية في إفريقيا. وقد انضم بعضها إلى تجمع دول شرق وجنوب القارة (الكوميسا) ومنطقتها للتجارة الحرة، ووصلت الرسوم الجمركية إلى الصفر. واقترحت مصر أثناء رئاستها للاتحاد الإفريقي سنة 2019م، إنشاء منطقة إفريقية كبرى للتجارة الحرة تضم كل بلدان القارة وتعزز علاقاتها البينية. وتمت صياغة الاتفاقية في هذا الشأن بين 51 دولة إفريقية يبلغ سكانها 1200 مليون مستهلك. ومن المتصور أن تستمر مساعي دمج مختلف التجمعات الاقتصادية الإفريقية تحت مظلة شاملة واحدة.  

ويتطلب الأمر القيام بدور نشط للاستفادة من قيام منطقة التجارة الحرة الإفريقية الكبرى، والتغلب على العوائق الأخرى بخلاف الرسوم الجمركية والتي تعرقل انسياب التجارة. مثل مشاكل النقل، وقصور الأنظمة البيروقراطية والمصرفية ووسائل الدفع وضمان الصادرات. والمطلوب أيضًا مواصلة الحوار العربي الإفريقي لبحث المزيد من سبل وآليات التعاون.

البعد الأوروبي

بدأ الحوار العربي الأوروبي منذ سنة 1976م، وتبعته مجموعة من اتفاقيات التجارة الحرة التي أعطت بعض الدول العربية نفاذًا أكبر لأسواق الاتحاد الأوروبي. وفي عقد التسعينيات من القرن الماضي ارتبط الاتحاد الأوروبي ودول جنوب المتوسط باتفاقيات للمشاركة، تشمل العلاقات السياسية والأمنية، والاقتصادية والمالية، والثقافية والاجتماعية. وتقيم مناطق للتجارة الحرة، وقعها مع ثماني دول عربية هي: تونس والجزائر والمغرب ومصر والأردن وسوريا ولبنان والسلطة الفلسطينية، كذلك وقعت دول مجلس التعاون الخليجي الستة اتفاقات مماثلة.

تجاوز هدف التوسع في التجارة:  

يتسع تأثير اتفاقات التجارة الحرة العربية إذا استكملت برؤية شاملة لنظام عربي متكامل يتجاوز تلك الاتفاقيات. فهي أدوات لفتح الأسواق وحفز القدرة التنافسية، وليست وسيلة للتكامل والإنتاج بالكميات والجودة المطلوبتين، والتي تتحقق بالإصلاح في الداخل، وفتح الأسواق في الخارج. ويجب الاهتمام بموضوع "الاستثمار البيني العربي". في ضوء أن الاستثمارات العربية في الخارج تتجاوز ترليوني دولار، بينما لا يصل حجم الاستثمار البيني العربي لعشر هذا المبلغ. الأمر الذي يتطلب مناقشة هذه التجربة وتحسين أدواتها. حتى نرى استثمارات بالحجم اللازم في المجالات التي تفتقدها الاقتصادات العربية وهي تحديدًا:

  • صناعة الآلات .
  • صناعة وسائل النقل والطرق والمواصلات.
  • التوسع الزراعي وسد فجوة الغذاء.
  • الاستثمار على التنمية البشرية في مجالات التعليم الصناعي والتدريب.
  • الحرية الرابعة، (حرية انتقال الأفراد) وتحتاج إلى التوسع في تحرير حركة المواطنين العرب في وطنهم العربي وإلغاء التأشيرات. وفي هذا قال رئيس وزراء أسبانيا مرة : إن من يقود سيارته من مدريد في أقصى الغرب من الاتحاد الأوروبي حتي بوخارست في أقصى الشرق من الاتحاد ، فإنه لن يقابل شرطي حدود واحد.
  • توفر الدول العربية الخليجية وليبيا أكبر سوق لعمالة الدول العربية. وهناك حاجة لتفعيل قرارات تعريب الوظائف العربية. حيث تطغى أعداد العمالة الآسيوية على عدد المواطنين في بعض دول الخليج.

عناصر مشجعة للعمل العربي المشترك:  

تهدف الرؤية الشاملة للعمل العربي ولمجالات التعاون لتحقيق تبادل بيني أوسع مما حققته التجارة السلعية، فالحاجة تزداد لدعم أسس التعاون الاقتصادي في قطاعات أخرى غير التجارة لكنها لازمة لنموها في المستقبل. ويحتاج ذلك للاتفاق على تحقيق الآتي:

  • سياسات حافزة للتكامل في ظل استراتيجية تهدف لتحقيق معدلات أكبر للنمو.
  • تشجيع سياسات الإصلاح المعتمدة على تحرير التجارة وتحسين أداء الخدمات العامة، والتكامل الصناعي وتنمية التجارة البينية في السلع والخدمات.
  • الاستفادة من الاندماج في الأسواق، واستخدام اتفاقيات التجارة العالمية والإقليمية كأدوات لمساندة الإصلاحات المحلية، وليس كبديل للتكامل العربي.
  • مواصلة تحرير أكبر لقطاع الخدمات، وجذب استثمارات جديدة إليه لتنويع الإنتاج، وتنمية قدراته التنافسية، وجعله منفتحًا على العالم.
  • تبني نظم وآليات لتداول المعرفة والتنسيق بين الأطراف، وتنمية قدرة المنتجات العربية على النفاذ للأسواق، وجذب الاستثمارات، والتوظيف الأمثل لعوامل الإنتاج.
  • تبني واضح من القمة العربية لتعظيم الاستثمارات البينية العربية في المجالات الثلاثة التي تمثل 70% من الواردات العربية. وهي صناعة الآلات، وصناعة وسائل النقل، والزراعة والفجوة الغذائية التي فاقت الخمسين مليار دولار من الواردات العربية سنويًا.

ويحتاج ذلك كله لعزيمة ولإيمان القوى الوطنية للقومية العربية، ودعمها للعمل العربي المشترك بكافة أشكاله. وتوكيل السلطة والأمر والثقة إلى قيادات الدول العربية في الدول الرائدة التي ما زالت تقف على أقدام ثابتة وواثقة وقادرة على الوصول بنــا لــبر الأمان.


 

مقالات لنفس الكاتب