array(1) { [0]=> object(stdClass)#13142 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 198

دول الخليج قادرة على قيادة تكامل المنطقة بالاستثمار في البنية التحتية المرتبطة بالتجارة والخدمات

الأربعاء، 29 أيار 2024

تقوم التجارة الدولية على نظام متعدد الأطراف استنادًا إلى مبدأ الدولة الأولى بالرعاية أي عدم معاملة أي دولة معاملة تفضيلية على حساب الدولة الأخرى حتى لو لم يكن البلد طرفاً في اتفاقية محددة، ويستثنى من ذلك البلدان الداخلة في ترتيبات تجارية إقليمية، بهدف تحرير التجارة الخارجية على أساس إقليمي كخطوة أولية، كما أخضعت مبدأ التخفيضات الجمركية المباشرة للمفاوضات التى تدور فى إطار الجات أو نتيجة للمفاوضات التى تتم بين أى الدول أطراف التعاقد الأولى، أو من خلال النص فى الاتفاقات التجارية على تطبيق شرط الدولة الأولى بالرعاية، كما أقرت مبدأ المفاوضات التجارية الذي يقضي بضرورة الالتجاء إلى المفاوضات التجارية كوسيلة لدعم النظام التجاري العالمي وفقاً لقاعدة تعدد الأطراف المتعاقدة.

ونظرًا لاعتماد المفاوضات سبيلاً لتحرير التجارة العالمية، فقد تأخر عقد اتفاقية جات 1947م، ثلاث سنوات عن اتفاقية كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عام 1944م، بل وتأخرت إقامة منظمة التجارة العالمية إلى عام 1995م، الأمر الذي أكد عبر التاريخ، تعارض مصالح الدول بشأن تحرير التجارة، رغم أهميتها في دعم التشغيل والنمو الاقتصادي ورفع مستوى المعيشة.

وقد حدث تحول معاكس لفكرة التعاضد الاقتصادي والتجارة الدولية، في أعقاب الحرب التجارية الأمريكية ـ الصينية 2018م، وفي مواجهة جائحة كوفيد والحرب الروسية في أوكرانيا ازدادت القيود وإعانات الدعم التجارية، كما اشتد تصاعد التوترات نتيجة تدافع الحكومات لتأمين سلاسل الإمداد الاستراتيجية وتنفيذ سياسات عاجلة أدت إلى تشويه التجارة.

وقد اتضحت معاداة التجارة وتسارعت وتيرتها عندما فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعريفات جمركية على أقرب حلفاء الولايات المتحدة وشركائها التجاريين، بدءًا من الصين وكندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي، مما لفت انتباه الدول الغنية غير الصناعية والناشئة والنامية إلى الحاجة إلى حماية اقتصاداتها ووظائف مواطنيها، والصناعات الناشئة بها، والآن أصبحت هذه الدول، التي تشكلت استراتيجياتها الاقتصادية بناء على وعود النفاذ إلى الأسواق، تواجه خطر الاستبعاد من الأسواق.

وقد نشأ عن المغالاة في تنفيذ هذه الإجراءات سياسات قائمة على التحالفات الإقليمية من شأنها تقويض كفاءة الاقتصاد وتفكيك النظام التجاري العالمي، بل وربما أتت هذه الإجراءات بنتائج عكسية إذا ما أصبحت سلاسل الإمداد القصيرة أكثر عرضة لتداعيات الصدمات المحلية، كما ازداد تركز الاستثمار الأجنبي المباشر بالفعل بين البلدان التي تربطها تحالفات جغرافية-سياسية.

وتحول العالم من عالم يشجع التجارة والمنافسة والابتكار في كل البلدان إلى عالم لا تسعى فيه الاقتصادات الأكثر تقدما للتنافس فحسب، بل للاستئثار، وأصبح العالم يواجه خطرًا بأن ينتهي الأمر بالعالم إلى التجزؤ في معسكرات متنافسة وأن حربًا باردة جديدة سوف تتكشف، وفي هذه المرة بين الولايات المتحدة والصين (وحلفاء كل منهما). وقد تكون عواقب هذا الاحتمال وخيمة.

وإذا ما انتهجت الولايات المتحدة والصين استراتيجية جديدة قائمة على سياسة موازين القوى، سيسعى كلا البلدان إلى تعزيز قوتهما من خلال المطالبة بإقامة تحالفات واضحة، فبالنسبة للقوى العظمى التنافسية، يعني المزيد من الحلفاء قوة أكثر مصداقية في شن التهديدات (الاقتصادية أو العسكرية) وفرصة أكبر لتحقيق التأثير الردعي المرجو. ولكن بالنسبة لجميع البلدان الأخرى، فإن الحسابات مختلفة.

مساوئ التفكك والدخول في حرب باردة

يؤكد تاريخ العلاقات الدولية أن هناك ثلاثة أسباب على الأقل تفسر الدور الحيوي للتجارة في تحقيق الرخاء العالمي. أولًا، تساهم التجارة في زيادة الإنتاجية من خلال التوسع في تقسيم العمل بين البلدان، وثانيًا، تتيح التجارة نمو الاقتصاد المدفوع بالتصدير من خلال تمكينه من النفاذ إلى الأسواق الأجنبية، وثالثًا، تؤدي التجارة إلى تعزيز الأمن الاقتصادي من خلال إتاحة خيارات خارجية قيمة للشركات والأسر حال وقوع صدمات سلبية.

وبالتالي فإن الخروج عن قواعد النظام التجاري متعدد الأطراف، والانفصال عن الشركاء من غير الأصدقاء يعني إلغاء الموردين المحتملين منخفضي التكلفة، كما إن تقييد التجارة العالمية لا يرجح أن يؤدي إلى الصلابة، فالتجارة حصريًا مع البلدان الصديقة قد تعني زيادة الصلابة لمواجهة المخاطر الجغرافية-السياسية -في المدى القريب على الأقل -لكن مفهوم الصداقة في حد ذاته عرضة للتغير المستمر. وقد يؤدي، مع ذلك، إلى إضعاف الصلابة في مواجهة أنواع أخرى من الصدمات، مثل صدمة الصحة العامة في الآونة الأخيرة، غير أن الخطر الأكبر ربما يهدد السلام، فالحروب الباردة أدت في أغلب الأحيان إلى حروب ساخنة، ففي الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية في الثلاثينات من القرن الماضي كان هناك تحول كبير عن التجارة متعددة الأطراف نحو التجارة بين الإمبراطوريات أو تكتلات النفوذ غير الرسمية.

وفي هذا السياق، يمكن أن يتكبد الاقتصاد العالمي تكلفة هائلة من جراء التفكك، فحسب الأبحاث الصادرة عن منظمة التجارة العالمية، قد يؤدي سيناريو ينقسم فيه العالم إلى كتلتين تجاريتين منفصلتين إلى تراجع قدره 5% في إجمالي الناتج المحلي العالمي. وفي الوقت نفسه، تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن الخسائر العالمية من جراء التفكك التجاري قد تتراوح بين 0,2% و7% من إجمالي الناتج المحلي. وقد تزداد التكلفة نتيجة التباعد التكنولوجي. ويقع الخطر الأكبر على اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان منخفضة الدخل نتيجة فقدان المنافع المتأتية من انتقال المعرفة.

وإذا افترضنا تشرذم الاقتصاد العالمي إلى كتلتين -وفقا لتصويت الأمم المتحدة على قرار بشأن أوكرانيا عام 2022م-وتوقف التجارة بين الكتلتين، فستقدر الخسائر العالمية بنحو 2,5% من إجمالي الناتج المحلي. ولكن حسب قدرة الاقتصادات على التكيف، فقد تصل الخسائر إلى 7% من إجمالي الناتج المحلي. وعلى المستوى القطري، ستكون الخسائر كبيرة بشكل خاص بالنسبة للاقتصادات ذات الدخل المنخفض واقتصادات الأسواق الصاعدة.

لا شك أن الجائحة والحرب وتنامي التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم -أي الولايات المتحدة والصين -قد غيرت قواعد اللعبة بالنسبة للعلاقات الاقتصادية العالمية. فالولايات المتحدة تدعو إلى التوريد من الدول الصديقة، بينما يدعو الاتحاد الأوروبي إلى تخفيف المخاطر، وتدعو الصين إلى الاعتماد الذاتي، وأصبحت شواغل الأمن القومي تشكل السياسة الاقتصادية في جميع أنحاء العالم.

ويمكن القول إن من أهم مساوئ التفكك هو عدم وجود نظام عالمي قائم على قواعد محددة تتسم بالحيادية ويمكن الرجوع إليها في تسوية المنازعات التجارية، ومحاسبة الخارجين عليها، وفي غياب تلك المباديء واستبدالها بتسوية قائمة على اعتبارات الأمن القومي، فسيجعل بلدان العالم تتنافس استراتيجيًا بقواعد غير محددة الملامح وبدون مرجعيات تتسم بالفاعلية.

الاتجاه نحو التعددية المفتوحة

رغم الاتفاق على أن الاتفاقيات المتعددة الأطراف هي أعلى وأفضل أشكال تحرير التجارة، فإن تجربة العالم الجماعية في العقود الأخيرة أوضحت أنه في ظل عدم وجود توافق سياسي في الآراء بشأن ما تريده الاقتصادات الكبرى من النظام التجاري العالمي، من الصعب تحقيق إصلاح مؤسسي، وسيكون البديل المؤقت هو العيش في ظل (اللا نظام) حيث تسيطر المصالح قصيرة فقط، على السياسات، وتحدد الأخطار صور التعاون الدولي.

يمكن اعتبار هذه التطورات علامات حقبة جديدة حول العواقب المحتملة على المدى الطويل من بينها أنه يمكن أن تؤدي زيادة الصداقة إلى زيادة قدرة البلدان على الصمود أمام الصدمات الجيوسياسية، مثل الحرب، ولكنها تقلل من قدرتها على الصمود أمام الصدمات الأخرى، مثل الأوبئة، كما يمكن أن يتباطأ النمو والابتكار في الاقتصاد العالمي المتدهور، حيث يشكل الصراع بين الولايات المتحدة والصين تهديدًا خاصًا، ويمكن أن يساهم انخفاض المنافسة الأجنبية في شكل التجارة والهجرة في ارتفاع الأسعار والأجور في الولايات المتحدة.

وبالنسبة للاقتصادات النامية، فإن عدم اليقين بشأن النظام التجاري العالمي يعني أن معظم هذه البلدان سترغب في إجراء مفاوضات حول التجارة والاستثمار والمساعدات وشراء الأسلحة والأمن مع عدة مصادر، كذلك تعتمد بلدان عديدة اعتمادًا كبيرًا على المساعدات والتجارة والاستثمارات الصينية، وتلجأ حاليًا إلى الصين للحصول على قروض لإنقاذ أوضاعها المالية، كما تحتاج إلى الأسواق في أوروبا وأمريكا الشمالية.

ومن المقترح في هذا الصدد أن تأخذ الدول الناشئة والنامية موقف الحياد بقدر مايسمح لها بمواجهة الصعوبات الاقتصادية الحادة لتحقيق مصلحة شعوبها والتعبير عن قيمها وأولوياتها في سياق العلاقات الدولية، كما سيجعل هذه البلدان قادرة على استخدام أصواتها الجماعية في حث القوى العظمى العالمية على استخدام (أو استحداث) إجراءات ومؤسسات متعددة الأطراف لمساعدة العالم في مواجهة الأولويات الجديدة، وهو ما يمنح الاقتصادات خارج القوتين الأعظم الفرصة للتعبير عن آرائها وقد يساعد على تهدئة الصراع الذي ربما يطالها.

مستقبل التجارة العالمية ودول الخليج

تتسم الاقتصادات الخليجية بارتفاع نسبة انفتاحها على العالم الخارجي، حيث استفادت دول مجلس التعاون الخليجي بوجه عام من ارتفاع أسعار النفط والغاز، رغم استمرار تقلبها، لكنها في الوقت نفسه تعتمد بشكل أساسي على الواردات بمختلف تصنيفاتها  من سلع زراعية ومصنعة وسلع وسيطة ورأسمالية، فضلاً عن حاجتها إلى الاستثمارات الأجنبية المباشرة لدعم سعيها لتنويع هياكل الاقتصادات الوطنية، لذا فإن العديد من المخاطر لا تزال تخيم على المنطقة - ولا سيما مخاطر  الحروب التجارية والسياسات الحمائية بين الدول الكبرى، والاتجاهات المعاصرة للتشرزم وتعدد القطبية.

وفي هذا الصدد يمكن التحرك على المحاور التالية:

توسيع التكتل الإقليمي

على صعيد التجارة الخارجية يمكن لدول الخليج أن تحفز التوسع في التجارة البينية داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا وإفريقيا خاصة بعدما شهد العالم تحولًا جذريًا في الجغرافيا الاقتصادية العالمية والتجارة نحو آسيا الصاعدة في العقدين الماضيين، وتظل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا واحدة من أهم فرص التوسع التجاري أمام دول الخليج، حيث لم تسهم سوى بنسبة 7,4% في مجموع التجارة في عام 2022م، وتتسم التجارة في المنطقة بتركز نسبة كبيرة من صادراتها في مجموعة محدودة من المنتجات أو الشركاء التجاريين، إلى جانب محدودية تعقد اقتصاداتها، وانخفاض مشاركتها في سلاسل القيمة العالمية.

ومع ذلك، فقد حققت دول مجلس التعاون مكاسب كبيرة بمرور الوقت، وتحديدًا في تنويع التجارة، كما يتضح من مؤشر التنويع الاقتصادي العالمي الذي يتتبع مدى التنويع الاقتصادي من أبعاد متعددة، بما في ذلك النشاط الاقتصادي والتجارة الدولية والإيرادات الحكومية. ففي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بلغ مجموع تجارة السلع كنسبة من إجمالي الناتج المحلي (أحد مؤشرات الانفتاح) 65,5% في عام 2021م، مما يشير إلى انفتاح الاقتصاد الإقليمي نسبيًا، فضلًا عن انخفاض التجارة البينية في المنطقة، حيث تمثل نسبة لا تتجاوز 17,8% من مجموع التجارة و18,5% من مجموع الصادرات، رغم القواسم المشتركة والقرب الجغرافي. وتسهم دول مجلس التعاون الخليجي الست المصدرة للنفط بالنصيب الأكبر في التجارة البينية في المنطقة.

ومما لا شك فيه أن كبر حجم مساهمة دول مجلس التعاون الخليجي في التجارة البينية في المنطقة يمثل حافزًا كبيرًا للتكامل التجاري في المنطقة، مما يساعد على تخفيض الحواجز أمام التجارة، وتحسين البنية التحتية، وتنويع اقتصادات المنطقة، وبالتالي فإن زيادة تكامل بلدان الشرق الأوسط غير الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي مع دول المجلس ستؤدي إلى زيادة التجارة البينية في المنطقة وتعزيز التكامل العالمي (من خلال الروابط العالمية الحالية لدول مجلس التعاون الخليجي ومشاركتها في سلاسل القيمة العالمية). ومع زيادة اندماج دول مجلس التعاون الخليجي في الاقتصاد العالمي وتضافر جهودها في دعم الدول الأخرى في المنطقة (من خلال زيادة اتفاقيات التجارة والاستثمار مع مصر والعراق، على سبيل المثال)، يمكن أن تصبح بمثابة قناة لزيادة اندماج بقية دول المنطقة في التجارة العالمية.

إزالة الحواجز التجارية

استفادت دول مجلس التعاون الخليجي من ارتفاع أسعار السلع الأولية مؤخرًا، لكن الجائحة عززت استراتيجيات التنويع القائمة على التوسع في قطاعات جديدة، بما في ذلك تطوير المناطق الحرة والمناطق الاقتصادية الخاصة. وتتراوح هذه السياسات من جذب الاستثمار (بما في ذلك الاستثمار الأجنبي المباشر) إلى زيادة القيمة المضافة، والصناعة التحويلية ذات التكنولوجيا الأعلى، والاستثمار في قطاعات جديدة (الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا المالية، والذكاء الاصطناعي)، وفتح الأسواق أمام مستثمرين جدد واستثمارات جديدة (كما يتضح من الموجة الأخيرة من عمليات الطرح العام الأولي في القطاعين النفطي وغير النفطي). وتساعد هذه الإصلاحات في توسيع الأسواق (داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ونحو إفريقيا وأوروبا وجنوب آسيا)، بينما توفر القطاعات الواعدة مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الزراعية طرقًا مستدامة لتوسيع هامش التجارة الأفقي وهامش التجارة الرأسي وخلق فرص عمل جديدة.

وقد أبرزت الجائحة الحاجة إلى تنويع التجارة (المنتجات والشركاء على السواء) وإنشاء سلاسل إمداد جديدة. ورغم أن تجارة النفط في دول مجلس التعاون الخليجي لا تزال مهيمنة، فقد شرعت هذه الدول في تطبيق سياسات وإصلاحات هيكلية متنوعة، مثل زيادة سهولة حركة العمالة وفتح أسواق رأس المال عبر الحدود، لتنويع النشاط الاقتصادي بعيدًا عن الاعتماد المفرط على الوقود الأحفوري والإيرادات المتحققة منه. وقد أدى ذلك إلى تنويع مزيج الناتج (على سبيل المثال، زيادة التركيز على الصناعة التحويلية) ومزيج منتجات التصدير (على سبيل المثال، زيادة صادرات الخدمات) إلى جانب حدوث تحول واضح في أنماط التجارة نحو آسيا وبعيدًا عن الولايات المتحدة وأوروبا. وفي الآونة الأخيرة، سلطت الحرب في أوكرانيا الضوء على مأزق البلدان المستوردة للغذاء في الشرق الأوسط في سياق الأمن الغذائي. (بلغ نصيب روسيا وأوكرانيا ثلث صادرات القمح العالمية؛ وكانت لبنان وتونس تستوردان ما يقرب من 50% من احتياجاتهما من القمح من أوكرانيا).

ويوضح المؤشر الفرعي للتجارة في مؤشر التنويع الاقتصادي العالمي أن البلدن التي تعتمد على السلع الأولية، وتشهد درجاتها أكبر تحسن مع مرور الوقت، قد خفضت اعتمادها على صادرات الوقود، أو خفضت تركز صادراتها، أو شهدت تغيرًا هائلًا في تكوين صادراتها. وهناك مثال على الحالة الأخيرة وهو زيادة تركيز السعودية على الصادرات متوسطة وعالية التكنولوجيا، والتي ارتفعت كنسبة من إجمالي صادرات الصناعة التحويلية إلى 60% تقريبًا قبل جائحة كوفيد-19 مقابل أقل من 20% في عام 2000م، نجد أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ككل قد حققت بالفعل بعض التقدم نحو التنويع الاقتصادي.

التحرك نحو العولمة كمجموعة إقليمية

أمام دول مجلس التعاون الخليجي فرصة للاستفادة من الانفصال والتشتت على مستوى العالم عن طريق استراتيجيتها التي لا تزال تتكشف ملامحها والمتمثلة في السعي نحو العولمة كمجموعة إقليمية من خلال الاتفاقيات الجديدة للتجارة والاستثمار، والمساعدات الخارجية، والاستثمار المباشر واستثمار الحافظة.

يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تقود التكامل الاقتصادي والتحول في المنطقة من خلال الاستثمارات في البنية التحتية المادية والبنية التحتية المرتبطة بالتجارة والخدمات اللوجستية، بالإضافة إلى إنشاء شبكة كهرباء متكاملة لدول مجلس التعاون الخليجي تعمل بالطاقة المتجددة أن تمتد حتى تصل إلى أوروبا وباكستان والهند.ومن شأن تكامل البنية التحتية التجارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (الموانئ والمطارات والخدمات اللوجستية) مع دول مجلس التعاون الخليجي تخفيض التكاليف وتسهيل التجارة البينية في المنطقة، مما يؤدي إلى زيادة التكامل الإقليمي واستفادة جميع الأطراف من مكاسب التجارة.

كما يساعد الابتعاد المستمر عن الصراعات الإقليمية طويلة الأمد، على الحد من المخاطر الجغرافية-السياسية التي تهدد تشجيع التجارة والاستثمار في المنطقة، ويمكن لدول مجلس التعاون الخليجي استغلال ذلك كفرصة لتشكيل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتصبح مركزًا تجاريًا واستثماريًا مترابطًا، كما أن مفاوضات التجارة الحرة الجديدة المتسارعة التي تجريها دول مجلس التعاون الخليجي مع الشركاء الرئيسيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومنها مصر والأردن، وفي آسيا، ومنها الصين وكوريا الجنوبية، يمكن أن تصبح حجر الزاوية في هذا التحول، وقد وقعت الإمارات العربية المتحدة بالفعل اتفاقيات شراكة اقتصادية شاملة مع الهند وإندونيسيا وتركيا تغطي الخدمات والاستثمار والجوانب التنظيمية للتجارة.

الخلاصة

منذ بداية الحرب التجارية الأمريكية / الصينية، باتت لدى القوة العظمى التي اضطلعت ببناء نظام التجارة الحرة منذ 1944م، وضمنت استمراريته أولويات أخرى قد تفض إلى تقويض النظام، وهو ما يضع معظم اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية في موقف صعب.

على الرغم مما يوجه لنظام التجارة الدولية متعدد الأطراف من انتقادات تؤكد انحيازه للغرب وتوافقه مع مبادئه ومصالحه بشكل واضح، إلا أن وجود قواعد تحكم العلاقات الاقتصادية الدولية، والالتزام بها، يوفربيئة مواتية لرسم الخطط التنموية للدول خارج نطاق أي صراع بين القوى الكبرى، والذي يخلق حالة من الضبابية واللانظام على العلاقات الاقتصادية الدولية.

وفي ظل تنامي المنافسة الجغرافية الاستراتيجية، يصبح لزامًا على الدول العربية أن تبحث عن استراتيجية مواتية سواء لحماية مصالحها أو لكبح جماح القوى العظمي سواء باتخاذ موقف الحياد، أو البحث عن بدائل أخرى قد تقتضي مزيدًا من الاهتمام بالتكتلات الإقليمية لضمان مكانة وقوة تأثير دولية والتأكد من أن العلاقات بين هاتين القوتين العظميين لن تهدد جميع البلدان الأخرى.

وفي ظل غياب السيناريو الأفضل، فقد يتعين على دول العالم أن تعمل على تجنب وقوع السيناريو الأسوأ، وأن نحمي التعاون الاقتصادي في ظل عالم بات أكثر تشرذما. وهناك ثلاثة مبادئ يمكن أن توفر المساعدة، أولًا، السعي إلى اتباع منهج متعدد الأطراف على أقل تقدير في المجالات ذات الاهتمام المشترك. ثانيًا، إذا اعتبرت بعض عمليات إعادة تشكيل تدفقات التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر ضرورية لإزالة المخاطر والتنويع، فإن المنهج المتعدد الأطراف غير التمييزي من الممكن أن يساعد البلدان على تعميق التكامل، والتنويع، والتخفيف من حدة المخاطر على الصلابة، ثالثًا، تقييد إجراءات السياسات الأحادية، مثل السياسات الصناعية، بحيث تركز على معالجة المؤثرات الخارجية وتشوهات السوق.

وهناك في الواقع مخاوف من أنه إذا انزلق العالم نحو حرب باردة ثانية، فرغم أننا نعرف تكلفتها، إلا أننا لا نعرف نتائجها وأثرها على نحو اليقين، وقد لا نشهد دمارًا اقتصاديًا متبادلًا ومؤكدًا فحسب، بل أيضًا قد تتلاشى المكاسب التي تحققت من التجارة المفتوحة، وفي نهاية المطاف، لا يجب أن تغيب هذه المخاطر عن بال صناع السياسات؛ إذ من مصلحتهم، ومصلحة الجميع، أن يدعوا بقوة إلى إقامة نظام تجاري متعدد الأطراف يستند إلى قواعد واضحة ومحايدة، ومناصرة المؤسسات التي تدعمه.


 

مقالات لنفس الكاتب