array(1) { [0]=> object(stdClass)#13142 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 198

الأرجنتين تحتفظ بثلث احتياطيها النقدي باليوان الصيني والعضو الثالث بالبنك الآسيوي للاستثمار

الأربعاء، 29 أيار 2024

 العلاقة بين الولايات المتحدة والصين علاقة دقيقة تنطوي على مجموعة من التشابكات العسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والمالية علاوة على ذلك، تتباين هذه العوامل سواء في وجودها أو عدمه عبر مختلف المناطق. فعلى سبيل المثال، يبرز الجانب العسكري بشكل أكبر في بحر الصين الجنوبي، بينما يتركز الوجود الصيني في إفريقيا على الاستثمارات في قطاع البنية التحتية. كذلك يتناقض الانتشار الصيني المتزايد داخل إفريقيا مع الانسحاب التدريجي للولايات المتحدة وأوروبا من مكانتهم داخل دول النيجر، ومالي، وبلدان إفريقية أخرى، مما جعل النفوذ الصيني داخل القارة السمراء أكثر بروزًا وسطوعًا عن أي وقت مضى.

على الصعيد الأمريكي، شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا توترًا خلال الأعوام العشرة الأخيرة بسبب الرؤى الحزبية المختلفة حول طبيعة العلاقة الأطلسية سواء داخل الكونجرس أو على مستوى السلطة التنفيذية. فمن جانبهم، يؤكد أعضاء الحزب الجمهوري على حاجة أوروبا إلى زيادة إنفاقها الدفاعي، في حين يحاول الديمقراطيون إعادة إحياء الوجود الموحد لحلف شمال الأطلسي "الناتو" من خلال الدفاع عن أوكرانيا بعد الغزو الروسي. في أثناء ذلك، لجأت الصين إلى استغلال هذا الصدع في العلاقات بين القارتين بغية زيادة نفوذها بشكل انتقائي من خلال استخدام قائمة موسعة من الاستثمارات ضمن مبادرة الحزام والطريق في جميع أنحاء القارة الأوروبية.

في الوقت ذاته، خلف الغزو الروسي العسكري لأوكرانيا تبعات واسعة على علاقات أوروبا مع الشرق. فعلى مستوى القارة العجوز، عدد قليل فقط من الدول، من بينها المجر تحت قيادة رئيس الوزراء فيكتور أوربان، هي من أبدت تعاطفا مع الروس، في حين قامت الغالبية العظمى من دول الاتحاد الأوروبي بمراجعة استراتيجية شاملة لعلاقاتها مع روسيا. ويتجلى ذلك في سعى دول الاتحاد الأوروبي إلى تنويع مصادر الطاقة الديها للحد من اعتمادها الكبير على الغاز الطبيعي الروسي. إن التصورات الأوروبية بشأن الدعم الصيني لروسيا في حرب الأخيرة على أوكرانيا ربما تركت أثرًا ملحوظًا على علاقات بروكسل مع القوة الآسيوية العظمى. مع ذلك، تظل التجارة عاملًا مهمًا في العلاقات بين الجانبين، ولا توجد رغبة لدى أي من الطرفين للمساس بشراكتهما التجارية. علاوة على ذلك، تعتبر العلاقة القوية مع بكين، على الصعيد السياسي، عاملًا رئيسيًا للحد من التقارب الوثيق بين الصين وروسيا. فبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، أصبحت بكين الشريك الرئيسي لروسيا على صعيد التجارة وإمدادات الطاقة. من ثم، تبرز حاجة أوروبا للحفاظ على هذا التوازن الضعيف كوسيلة لموازنة التقارب الصيني-الروسي.

ومن خلال التقرير التالي، يتم استعراض تحليل مفصل للعلاقات بين هاتين القوتين العُظميين وانعكاساتها على دول أمريكا اللاتينية.

حتى يومنا هذا، ثمة إجماع واسع النطاق في الداخل الأمريكي تجاوز الخطوط الحزبية حول ضرورة موازنة القوة الصينية الصاعدة في مناطق مختلفة من العالم. ساعد هذا الإجماع بدوره في تمهيد الطريق أمام تدشين سلسلة من المبادرات التي تتراوح ما بين التوقيع على معاهدات دفاعية جديدة مع بعض دول آسيا ومنطقة المحيط الهادئ، إلى ممارسة حق الاعتراض "الفيتو" على مبادرات صينية بعينها داخل بعض الدول. كما قامت الولايات المتحدة بتنشيط استثماراتها في بلدان ثالثة كوسيلة لموازنة النفوذ الاقتصادي للصين في أجزاء مختلفة من العالم. وغالبًا ما تجمع هذه الاستراتيجية التي تهدف إلى إعادة تنشيط الوجود الأمريكي على مستوى العالم بين التجارة، والتمويل، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، بالإضافة إلى المبادرات الدفاعية والسياسية بدرجات متفاوتة عبر مناطق العالم.

الولايات المتحدة والصين: علاقة معقدة

تجمع الولايات المتحدة والصين روابط كبيرة ومعقدة، فمنذ عام 2018م، بدأت تتكشف العديد من الخلافات بين الجانبين على صعيد التجارة في أعقاب القرار الأمريكي بفرض رسوم جمركية جديدة وقيود جمركية على السلع والمنتجات صينية المنشأ. وتم تبرير ذلك بزعم أن السياسات التجارية الصينية والخفض المفتعل لقيمة العملة المحلية" الرنمينبي" تضر بالصناعات الأمريكية وقطاع التوظيف الأمريكي.

على الصعيد المالي، دأبت الصين خلال الـ 20 عامًا الماضية على الاحتفاظ بسندات الخزانة الأمريكية من أجل ممارسة تأثير ملموس على السياسات الاقتصادية، نظرًا إلى كونها من أبرز الدائنين لجزء كبير جدًا من الدين الخارجي للولايات المتحدة. وبرغم انخفاض حيازات الخزانة الصينية بشكل مطرد، بعد أن بلغت ذروتها في عام 2013م، إلا أن رصيد سندات الخزانة الأمريكية الذي تحتفظ به الصين يبلغ إجماليه 805.4 مليار دولار، بانخفاض 40٪ عن العقد السابق، وفقا لبيانات وزارة الخزانة الأمريكية. كما دأبت بكين على شراء الأوراق المالية من خلال احتياطياتها الوفيرة من النقد الأجنبي، لتصبح ثاني أكبر مستثمر أجنبي في الخزانة الأمريكية بعد اليابان. وبالنظر إلى حجم حيَازاتها، فإن قرار الصين ببيع هذه الحيازات قد يؤدي إلى تعكير صفو أسعار السندات الأمريكية، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة، وهو ما يمنحها أداة استراتيجية للتأثير على الاقتصاد الأمريكي.

إلى جانب التجارة والتمويل، تُعد المنظومة الصناعية والتكنولوجية للصين والولايات المتحدة متداخلة بشكل عميق. وعلى الرغم من أن التهديد الصيني لتايوان كان بمثابة عملية فك الارتباط لبعض الصناعات التي تعتبر استراتيجية، وخاصة الموصلات الفائقة، إلا أنه في الواقع لا تزال العديد من الصناعات تحقق استفادة متبادلة من هذا التفاعل القائم بين البلدين. بالتالي، ثمة صعوبة بالغة في كسر حالة التكامل الإنتاجي والتقني بين الاقتصادين الأكبر عالميًا، وبالإضافة إلى الأبعاد الاقتصادية، تتشارك الدولتان في شبكة مكثفة من العلاقات السياسية والدفاعية.

سياسيًا، شهدت العلاقات بين البلدين تذبذبًا على مدار الأعوام القليلة الماضية، ويسعى كل منهما إلى إعادة العلاقات إلى مسارها مرة أخرى، بعد سلسلة من اللقاءات غير المثمرة التي جمعت بين كبار المسؤولين الأمريكيين والصينيين مع بداية تولي إدارة الرئيس جون بايدن الحكم. ولكن الحقيقة هي أنه حتى الآن لم تحدث قطيعة في العلاقات السياسية، بل ويسعى البلدان لتسوية خلافاتهما من خلال القنوات المؤسسية.

على الصعيد الدفاعي، عقدت الولايات المتحدة سلسلة من الاتفاقيات داخل آسيا ومنطقة المحيط الهادي-والتي تشمل دولا مثل الهند، وكوريا الجنوبية، واليابان، وأستراليا، ونيوزيلندا-بما يسمح باحتواء الطموحات الصينية في منطقة جنوب شرق آسيا والتهديد الذي تتعرض له تايوان.

الصين وأمريكا اللاتينية

في عام 2000م، كانت السوق الصينية تمثل أقل من 2 % من صادرات أمريكا اللاتينية، إلا أن النمو الصيني المتسارع وتنامي الطلب الناتج عن ذلك، أدى إلى ازدهار تجارة السلع الأساسية للمنطقة اللاتينية. وعلى مدار الأعوام ال 8 التالية، نمت التجارة بين الجانبين بمعدل سنوي متوسط قدره 31 %، لتصل إلى 180 مليار دولار في عام 2010م. وبحلول عام 2021م، بلغ إجمالي التبادل التجاري مستوىً قياسياً بقيمة 450 مليار دولار، ولم يشهد هذا الرقم تغييرًا يذكر في عام 2022م. وتشير تقديرات الخبراء الاقتصاديين إلى تجاوز مجموع التجارة بين الجانبين حاجز 700 مليار دولار بحلول عام 2035م، حيث تحتل الصين الآن المرتبة الأولى كأكبر شريك تجاري لأمريكا الجنوبية، وثاني أكبر شريك تجاري لدول أمريكا اللاتينية ككل، بعد الولايات المتحدة (مجلس العلاقات الخارجية، 2023). في حين قامت دول مثل البرازيل وتشيلي بتوجيه أكثر من 35 % من إجمالي صادراتها إلى الصين.

وتتألف صادرات أمريكا اللاتينية إلى الصين بشكل رئيسي من حبوب الصويا، والنحاس، والمنتجات البترولية، والنفط، وغيرها من المواد الخام التي تحتاجها البلاد من أجل قيادة مسيرتها التنموية الصناعية. في المقابل، تستورد المنطقة في الغالب المنتجات المصنعة ذات القيمة المضافة الأعلى والمنتجات الوسيطة. وحتى عام 2023م، كانت الصين قد أبرمت اتفاقيات تجارة حرة مع كل من تشيلي، وكوستاريكا، والإكوادور، وبيرو، في حين يصل عدد دول أمريكا اللاتينية الموقعة على مبادرة الحزام والطريق حتى الآن إلى 21 دولة.

شهدت العلاقات الأرجنتينية الصينية تطوراً ملحوظاً على صعيد البنية التحتية، تتمثل في مصادقة مجلس النواب الأرجنتيني في أكتوبر 2020 م، على مشروع قانون انضمام الجمهورية الأرجنتينية إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB) بصفتها عضواً غير إقليمي، وبذلك أصبحت المساهم السيادي رقم 103 في البنك. وعلى مستوى القارة اللاتينية، تعتبر الأرجنتين العضو الثالث بعد الإكوادور وأوروغواي بالبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، في حين لاتزال العديد من الدول اللاتينية بما في ذلك البرازيل، وتشيلي، وفنزويلا، وبيرو، وبوليفيا في انتظار حصولها على العضوية. وبالعودة إلى عام 2017م، أكدت الحكومة الأرجنتينية السابقة بالفعل عزم البلاد على أن تكون جزءا من البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ووافق مجلس إدارة البنك على انضمام الأرجنتين إلى المؤسسة. ويشار إلى أن البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية قد تم إنشاؤه خلال عام 2015م، بمبادرة صينية باعتباره الركيزة المالية لمبادرة الحزام والطريق، المعروفة باسم "الاستراتيجية العالمية الكبرى لتطوير البنية التحتية التي تقودها الحكومة الصينية". وكان البنك الآسيوي قد قام بالفعل بتمويل 138 مشروعاً من مشروعات البنية التحتية في وقت انضمام الأرجنتين. وبالنسبة للأرجنتين، فإن انضمامها للبنك الآسيوي للاستثمار، يعني أنه إلى جانب الخدمات المصرفية متعددة الأطراف الراسخة، مثل البنك الدولي، ومؤسسة التمويل الدولية، وبنك التنمية للبلدان الأمريكية، فقد أضحت دول أمريكا اللاتينية تمتلك نهجًا بديلًا لتمويل احتياجاتها الإنمائية، لا سيما فيما يتعلق بمشروعات البنية التحتية (روزا، 2020). ونتيجة لهذه الآلية المالية المعمول بها، طورت بلدان أمريكا اللاتينية المئات من مشاريع البنية التحتية التي تشمل إنشاء السدود، والسكك الحديدية، ومحطات الطاقة الشمسية، والطرق السريعة وما إلى ذلك. حيث ضخت الشركات الصينية المملوكة للدولة وكبريات شركات القطاع الخاص الصيني استثماراتها بشكل رئيسي داخل قطاعات الطاقة، والبنية التحتية، وما يسمى بالبنية التحتية الجديدة، التي تشمل إقامة المدن الذكية، واستخدام الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا الجيل الخامس. علاوة على ذلك، تم إنشاء المصافي ومصانع المُعالجة في البلدان التي تتمتع بمصادر طاقة هائلة مثل النحاس أو الفحم، حيث تمتلك شركة "باور تشينا" وحدها، وهي إحدى الشركات المملوكة للدولة الصينية، أكثر من 15 مشروعًا قيد التنفيذ داخل أمريكا اللاتينية، وجزر الكاريبي (مجلس العلاقات الخارجية).

علاوة على ذلك، قامت الصين بتطوير أدوات مالية في سبيل دعم البنوك المركزية لدول أمريكا اللاتينية. حيث قامت بالتوقيع على اتفاقيات تبادل العملة مع الأرجنتين والبرازيل. وحاليًا، أصبحت الأرجنتين تحتفظ بثلث احتياطيات البنك المركزي باليوان الصيني، وفي البرازيل، تجاوز اليوان الصيني اليورو باعتباره ثاني أهم عملة أجنبية. وكما أشير سلفًا بشأن حيازة الصين للسندات الأمريكية، فقد ساهمت المساعدات المالية على تعزيز الصين لنفوذها داخل هذه البلدان.

خلاصة القول، برزت الصين، وفي غضون عقدين فقط، كلاعب رئيسي في المشهد السياسي الاقتصادي لأمريكا اللاتينية. وعلى مستوى كافة المجالات المذكورة أعلاه، سيكون من المستحيل فعليًا تصور تحقيق النمو في دول أمريكا اللاتينية دون مشاركة الصين. وقد جاء هذا التحول السريع نتيجة لتوظيف مجموعة متنوعة من الأدوات الاقتصادية والسياسية معا.

الولايات المتحدة والصين وأمريكا اللاتينية

فقط في عام 2018م، تزامنا مع بدء الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، بدأت المفاهيم حول الصين تتغير داخل الولايات المتحدة. وكما ذكرنا أعلاه، أصبح هناك إجماع اليوم بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على أن النفوذ الصيني يحتاج إلى موازنة، سواء على المستوى المحلي أو الدولي. وكان لهذه المفاهيم المتغيرة تأثيرها على علاقات دول أمريكا اللاتينية مع كلا البلدين.

لم تشرع الولايات المتحدة في اتخاذ إجراءات مضادة لتنامي النفوذ الصيني داخل قارة أمريكا اللاتينية سوى خلال الأعوام القليلة الماضية. في بداية الأمر لم يكن لدى الولايات المتحدة سوى "أجندة سلبية" في تعاملها مع علاقات أمريكا اللاتينية مع الصين. وبشكل عام، كانت هذه الأجندة تعني ضمنا أن دول أمريكا اللاتينية قادرة على تطوير الأعمال التجارية مع الصين، ولكن في كثير من الأحيان كانت بعض المجالات أو المشروعات التي تعتبر "استراتيجية" بالنسبة للولايات المتحدة تخضع لتدقيق مفصل. وفي الآونة الأخيرة، تحركت الولايات المتحدة نحو انتهاج استراتيجية أكثر حزمًا.

على الصعيد الدفاعي، قامت الولايات المتحدة في عام 2024 م، بنشر حاملة الطائرات "يو إس إس جورج واشنطن" التي يناط بها القيام بعمليات مشتركة مع القوات البحرية لدول الأرجنتين، والبرازيل وتشيلي، وكولومبيا، والإكوادور، وبيرو، وأوروجواي. وقد عمدت كل من إدارة ترامب وبايدن إلى استخدام نفوذها لعرقلة صفقات الأسلحة الكبرى بين الصين ومختلف دول أمريكا اللاتينية، مما أدى إلى تكامل عسكري بحكم الأمر الواقع بين الولايات المتحدة ودول القارة اللاتينية.

كذلك قامت سفينة "يو إس كاتر جيمس"، إحدى أكبر السفن التابعة لخفر السواحل الأمريكي، بزيارة إلى البرازيل، والأرجنتين، وأوروجواي لإجراء تدريبات مشتركة ضد الصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه وغير المنظم (IUU Fishing). ومن المعروف جيدًا أن أحد أساطيل الصيد الصينية السبعة التي تعمل على مستوى العالم، يتمتع بحضور واسع داخل المحيطين الأطلسي والهادئ خارج سواحل دول أمريكا اللاتينية. وقد أظهرت الاستراتيجية السياسية التي تنتهجها الولايات المتحدة تجاه المنطقة، موقفًا أكثر نشاطًا وإرادة حاسمة من أجل وضع حد لنمو النفوذ السياسي والاقتصادي الصيني في المنطقة دون رادع.

سياسة "نقل سلاسل الإنتاج إلى دول الجوار والدول الصديقة " وقيودها  

على الصعيد الاقتصادي، ساهم رد الفعل الدولي تجاه الصعود الصيني الاقتصادي ومواقف بكين الأكثر جرأة في الشؤون العالمية في إعطاء دفعة للاستراتيجيات "الإقليمية الجديدة". حيث أعادت العديد من الشركات الغربية تركيز استثماراتها خارج الأراضي الصينية كما أعادت توجيه مشروعاتها داخل الدول الأقرب إلى الحدود Nearshoring# أو داخل تلك ممن لديها تقارب سياسي واجتماعي مع مستثمريها فيما يعرف بمنهج" تقريب العلاقات التجارية مع الأصدقاء Friendshoring". وكانت الأسواق الداخلية الأمريكية والأوروبية وكذلك جنوب شرق آسيا والمكسيك هي الفائزة بهذه الاستراتيجية، حيث حققت الصادرات المكسيكية زيادة تصل إلى 458 مليار دولار، 88 % منها موجهة إلى الأسواق الأمريكية. وعلى الرغم من التوجه المتنامي نحو الإقليمية، إلا أن ذلك لا يتعارض مع استمرار التكامل الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة على مستوى الأبعاد المذكورة أعلاه. ومن المتوقع أن تتيح نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية المرتقبة في نوفمبر المقبل بعض المؤشرات حول ما إذا سيتم تعزيز هذه الاتجاهات الإقليمية مع مرور الوقت أو على النقيض، قد نشهد نشأة عصر جديد من التكامل الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة.

مجلس التعاون الخليجي وأمريكا اللاتينية والبحث عن التكامل

يعتبر الصعود الصيني داخل أمريكا اللاتينية والعديد من المناطق حول العالم في غضون عقدين فقط، شاهدًا على القدرات الهائلة التي تتمتع بها الدبلوماسية والشركات الصينية على كسب النفوذ والقوة في سياقات جيوسياسية واقتصادية متنوعة للغاية. ويتيح السرد التحليلي بشأن الطفرة الصينية المحققة، بعض الأفكار القيمة التي تساعد في تحليل الأنماط الأخرى من التعاون بين المناطق الأخرى حول العالم مثل دول مجلس التعاون الخليجي وأمريكا اللاتينية على سبيل المثال. حيث العامل المشترك الأول في كلتا العمليتين هو امتلاك كلا من الصين ودول المنطقة الخليجية فائضًا من رؤوس الأموال التي يتعين استثمارها بحكمة من أجل تعظيم المخرجات الاقتصادية والسياسية العائدة من ورائها.

 البعد الثاني، هو التكامل. فثمة تكامل واضح بين الصين ودول أمريكا الجنوبية حيث يتم توفير الغذاء، والطاقة، والمنتجات المعدنية في مقابل الحصول على السلع الصناعية. وقد أثبتت هذه العلاقة نفعها للطرفين بسبب ندرة المنافسة بين القطاعات الاقتصادية في كلا المنطقتين. وبالنسبة للحالات التي قد يحدث فيها مثل هذا التداخل، اتجهت البلدان التي تتمتع بقاعدة صناعية، مثل الأرجنتين والبرازيل، إلى اتباع سياسة تجارية تجنبها المنافسة التي من شأنها أن تلحق الضرر بقطاعاتها الصناعية.

يُعد السعي إلى التكامل عنصرًا أساسيًا في سبيل تطوير علاقة قوية بين المنطقة الخليجية وأمريكا اللاتينية. حيث تتمتع دول الخليج بخبرة طويلة وعالمية المستوى في قطاع الطاقة، وتريد ترسيخ مكانتها كأطراف فاعلة رئيسية في عملية تحول الطاقة من خلال تطوير مصادر الطاقة المتجددة. في حين يتم إنتاج مصادر الطاقة التقليدية مثل النفط والغاز في الأرجنتين بسعة إنتاجية عالية وسط إجماع سياسي واجتماعي حول هذا النشاط. ولا تزال المتطلبات الخاصة بالبنية التحتية وتوافر رأس المال من أجل تطوير منشآت الغاز الطبيعي مُعلقة. واستطاعت البرازيل على مدى العشرين عامًا الماضية تطوير احتياطيات نفطية بحرية من طراز عالمي. كما يعد العثور على الشركاء المناسبين في المنطقة أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة للمستثمرين الخليجيين، ويعتبر ذلك أحد التحديات المقبلة.

تحظى دول أمريكا الجنوبية بمقومات ممتازة تؤهلها للانخراط في مجال تحول الطاقة والاضطلاع بدور رئيسي فيه. وتشكل منطقة "مثلث الليثيوم" الواقعة في جبال الأنديز، والتي تتقاسمها كل من الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي، مورداً أساسياً للمعادن الاستراتيجية اللازمة لهذه العملية، حيث تعمل حالياً العديد من شركات استخراج الليثيوم العالمية والمحلية. فيما تدير تشيلي صناعة النحاس منذ عقود طويلة والتي تتعاون خلالها مع الشركات الأجنبية والمحلية والمملوكة للدولة. كذلك بدأت الأرجنتين العديد من مشروعات النحاس التي من شأنها تدعيم النمو في مجموعة متنوعة من القطاعات بسبب الحاجة إلى بنية تحتية جديدة من حيث الطرق، والسكك الحديدية، وشبكات الطاقة وما إلى ذلك. وتمتلك هذه البلدان أيضًا ثروات معدنية نادرة تعتبر أساسية في عملية تحول الطاقة.

قامت الصين بتمويل وبناء واحدة من أكبر محطات الطاقة الشمسية في أمريكا اللاتينية، والتي تقع في شمال جبال الأنديز الأرجنتينية.  وتُعد إمكانات الطاقة الشمسية في منطقة الأنديز وطاقة الرياح في باتاغونيا من بين الأفضل عالميًا، والعديد منها لم يدخل بعد مرحلة الإنتاج. كذلك تعمل تشيلي على تطوير صناعة الهيدروجين الأخضر القادرة بالفعل على إنتاج الوقود الاصطناعي في الجزء الجنوبي من البلاد.

لقد أظهر السرد الخاص بالصعود الصيني الموضح أعلاه كيف تم توظيف مجموعة متنوعة من الأدوات الاقتصادية والسياسية للنهوض بالاستراتيجية الصينية. وبالتالي ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي تطوير مجموعة مماثلة من الأدوات المصممة خصيصًا لتعزيز خطة عمل استراتيجية خاصة بها في أمريكا الجنوبية.

النقطة الأخيرة والحاسمة من أجل التطبيق الناجح للاستراتيجية الخليجية هي ضرورة ضمان تنفيذ المبادرات والمشروعات. ويسود توافق سياسي واجتماعي ملحوظ في العديد من المجالات المقترحة للتعاون. لكن التحدي القائم يكمن في العثور على الشركاء المناسبين ممن تتوافر لديهم الرغبة في تطوير المشروعات بطريقة تتسم بالكفاءة والفعالية. ولدى أمريكا الجنوبية سجلها الخاص من النجاحات والإخفاقات في هذا الشأن ولكن يظل التحدي متمثلًا في تطوير التحالفات الصحيحة للمضي قدمًا في شراكة واعدة بين المنطقتين.


 

مقالات لنفس الكاتب