array(1) { [0]=> object(stdClass)#13142 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 198

قضايا حاكمة للعلاقات الأمريكية ـ الصينية: تايوان والديمقراطية والتجارة وبيع الأسلحة الصينية

الأربعاء، 29 أيار 2024

يقول المثل الصيني "عدم التقدم يعني التراجع"، بهذه الحكمة تعمل إدارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، على مواجهة التحديات ومتابعة التقدم والتطور، واستطاعت تخطي العقبات لتصبح "الرقم الصعب" في المعادلة الدولية، رغم ما تحيكه أمريكا من مؤامرات لوقف التطور الصيني، وهذا ما يجعلها اليوم أكثر تحدياً في تنفيذ مبادرة "الحزام والطريق"، لكونها ترسم شكل وماهية العلاقات بينها وبين واشنطن، التي تحاول مواجهة الصين بتعويم مشروع طريق الهند ـ أوروبا، كما تحاول فرملة تقدم دول منطقة الشرق الأوسط بافتعال حروب عبثية مثل الحرب الأوكرانية / الروسية وحرب غزة لما لهما من انعكاسات على الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط.

الأحادية الأمريكية

لا شك أن نهاية الحرب الباردة أوائل العقد التاسع من الألفية السابقة، رسّخت نظامًا أحادي القطبية قادته أمريكا منفردة، مما جعلها تشكل ذراع اخطبوطي مستخدمة "الناتو" حيث كان القوة العسكرية الأحادية الجاهزة للتدخل في جميع مناطق العالم خلافاً لميثاق الحلف عام 1949م، الذي حدّد ميدانه في القارة الأوروبية بذريعة الحد من "خطر الاتحاد السوفييتي والفكر الشيوعي".

الأحادية الأمريكية، جعلت واشنطن تنتج بمفردها 25 % من جملة الناتج العالمي، فضلًا عن انتشار ما يعادل 250 ألف جندي أمريكي حول العالم في أكثر من 700 قاعدة عسكرية موزعة على 130 دولة. ما أصاب أمريكا بداء جنون العظمة، فبدأت تطرح مفهوم "الإمبراطورية الأمريكية"، لكن سرعان ما تراجع بفعل عوامل متعددة، منها:

زعزعة الثقة في القطبية الأمريكية بعد فشلها في حروب فرضتها في أفغانستان والعراق، سيما أنها أحدثت تحولات في ميزان القوى الدولي، مع بزوغ قوى دولية جديدة ترفض هذه الهيمنة وتعمل على خلق مجتمعات أكثر استقلالية والانتهاء من التبعية والاستئثار بها. وفشلها في هذه الحروب نتج عنها الأزمة المالية العالمية وأدى إلى تغيرات سريعة في طبيعة العلاقات بين القوى الرئيسة في هذا النظام، وفى مقدمتها العلاقات بين أمريكا وهي القوة المهيمنة، والصين كقوة اقتصادية صاعدة رافضة لنظام الهيمنة.

تأرجح العلاقة بين الصراع والتعاون

لا شك أن العلاقات / الأمريكية الصينية كشفت عن نمط جديد في كيفية إدارة العلاقات الثنائية بين قوتين متنافستين، لأنها  تتضمن العديد من العناصر رغم التنافر والتناقض، إلا أن هناك تعاون في بعض الملفات، كما هناك صراع في بعضها إنما نظام الاستقلالية هو الذي يدير دفة العلاقة، هذا ما يجعل العلاقات بين هاتين الدولتين تتأرجح من الصراع إلى التعاون، فيصل الأمر أحياناً إلى قمة الصراع وهى الحرب الشاملة، كما أنه يصل إلى قمة التعاون وهي مرحلة الاندماج أو التعاون في كل المجالات، ولأهمية هذه العلاقة وتأثيرها على الدول القريبة من الطرفين، لذلك غالباً ما توصف العلاقات الأمريكية/ الصينية بأنها العلاقة "المحورية الأهم"، حسب ما يتم وصفها  في النظام الدولي.

وفي هذا المندرج لا يختلف اثنان على أن اللعب في المسرح الدولي ليس من الأمر البسيط والسهل، أما أن تلعبه الصين فذلك يضعها موضع القوة المهمة البارزة، ودورها يكون أهميته أنه يفرض الانتظام في الحياة الدولية، رغم ما يمكن أن تمارسه أمريكا من فوضى كسياسة تعطيلية في الكثير من المناطق ذات الحضور الصيني الفاعل، فالصين اليوم هي أهم قوة صاعدة على الصعيد العالمي، لم يعد الحديث عن قوة اقتصادية فقط تقتصر على الاقتصاد، إنما استطاعت أن تحوّل تعدادها السكاني من ثروة بشرية إلى قوة بشرية بفعل النمو المتسارع للدولة الصينية، وما أحدث هلعاً أمريكياً حقيقياً التطور التكنولوجي المتسارع والتفوق في القدرات العسكرية الصينية التي أحدثت جدلاً واسعاً بين الباحثين والدارسين في حقل العلاقات الدولية، وبالتالي أثار مخاوف القوة المهيمنة على النظام الدولي، وهذا ما يشجع على التغيير في توازن القوى في النظام الدولي، ويضع الصين في الملعب الدولي كلاعب أساسي له دوله الداعمة وله مؤيدوه.

الحضور الصيني وضعها موضع التساؤل عن مستقبل العلاقات بين القوتين الأمريكية المهيمنة والقوة الصاعدة الرامية لضبط الهيمنة، فـ"الصين لا يمكن أن تكون مهيمنة لكونها لم تقم على قاعدة تشكيل أحلاف وأدوات وأذرع لها، إنما تعوّل على دورها الكبير في المساهمة بإعادة تشكيل النظام العالمي الجديد، الذي يقوم على الاقتصاد قبل القوة العسكرية، وذلك يخولها أن تشارك في رسم شكل الاقتصاد العالمي والتجارة العالمية الخارجية، من خلال علاقتها مع الدول المناهضة والرافضة للأحادية القطبية"، لذا يكون دورها في ضبط ايقاع الهيمنة، خاصة أن علاقة واشنطن ببكين لا تسير على وتيرة واحدة، إنما تتأرجح بين التعاون والصراع.

 

الحد من التمدد الاشتراكي

 

المنطق يقول بعد التدقيق بماهية العلاقة، لا شك أن أمريكا كدولة عظمى ذات سيادة عالمية، ودولة قوية تعتمد نهج الرأسمالية المتوحشة، تسعى إلى فرض وضعها السياسي، وتعمل على الحد من التمدد الاشتراكي الذي تعتمده الصين في توجهاتها الاشتراكية وفق رؤية فيها من الاشتراكية والرأسمالية بما يجعلها تواكب العولمة والحداثة حتى أصبحت جزءًا أساسياً ورئيسياً في اقتصاد التجارة العالمية.

 

وللاستدلال أكثر وبالتعمق بتحديات التجربة الصينية ومستقبلها، لا بد من ربط بنية الصين الجغرافية والثقافية، ونموذج التنمية الصينية واستراتيجيتها، بمكانة الصين الدولية فضلًا عن آفاق الاقتصاد الصيني، ويبدو من خلال الإطلالة على التاريخ القريب أن الصين تخطت  مجموعة من التحديات في فترة قصيرة جداً، مما يؤشر صعودها الاقتصادي على المستوى الدولي، تجاوز واضح للمعوقات ما يؤهلها لأن تكون قوة دولية عظمى، إنما من السابق لأوانه القول إن هذا الحضور يأتي على حساب أمريكا التي ستحتفظ بمكانتها في النظام الدولي ولكن بهيمنة أقل في ظل نظام دولي متعدد الأقطاب، وهذا بطبيعة الحال يؤسس لإثارة التوترات وعدم الاستقرار في مناطق عديدة للحؤول دون تقدم الصين إلى القطبية، في ظل حاجتها الملحة والمتزايدة للمواد الأولية ومصادر الطاقة، فيما تعكس الصين توجهاتها في تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني لمنطقة جنوب شرق آسيا والتفرغ لبناء قاعدة اقتصادية قوية تمكّنها من لعب دور فاعل في النظام الدولي.

 

محطات تاريخية للعلاقات الصينية / الأمريكية

 

بدأت العلاقات الصينية / الأمريكية منذ منتصف القرن التاسع عشر، إثر توقيع معاهدة "وانجيا " بين الطرفين عام 1844م، والتي بموجبها منحت الصين الولايات المتحدة امتيازات تجارية واقتصادية كبيرة أسوة ببريطانيا وباقي الدول الأوروبية، ومنذ ذلك الوقت أصبحت العلاقات بين الجانبين تشهد شداً وجذبًا، صراع وتعاون متباين، وأحياناً تناقض.

بعد قرنٍ من العلاقات المتباينة وفي عام 1949م، وبعد سقوط نظام الامبراطورية في الصين وتأسيس جمهورية الصين الشعبية، شهدت العلاقة قمة الصراع حيث كانت المواجهة في الحرب بين الكوريتين، حيث تصدت الصين والاتحاد السوفييتي للتمدد الأمريكي في الإقليم، فانعكست تلك التطورات سلباً على العلاقات الصينية / الأمريكية، وفرضت الأخيرة الحظر على التجارة مع الصين ، وإثر تفككّ التحالف بين الصين والاتحاد السوفييتي، أصبحت العلاقة في توازن متنافر بين ثلاثي الأضلاع (الصين والاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة )وظلت الصين تعارض النفوذ والتدخل السوفييتي والأمريكي في دول العالم الثالث، وبقيت العلاقات في توترٍ مستمرٍ.

بداية العقد السابع من القرن المنصرم، شعر الطرفان، خاصة أمريكا، بضرورة تجاوز الخلافات السياسية لوضع حدٍ للنزاعات والاضطرابات، فكان "بيان شنغهاي" ؛ تبعه اتفاق  "بريجنسكي"  ، الذي نتج عنه إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين البلدين، وبعد ذلك كانت نقطة التحوّل في العلاقات السياسية بين الطرفين، إثر اعتراف واشنطن وتبني شعار سياسة "الصين الواحدة" ،الذي يقر أن  جمهورية الصين الشعبية- هي الجهة الرسمية الوحيدة المخولة بتمثيل الصين في المحافل الدولية، وأن "تايوان" جزء من سيادة الصين الأم، لذلك قطعت واشنطن  علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان، لإقامة وتقوية علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الصين ، وتبع ذلك سلسلة من اتفاقيات التعاون بين البلدين حيث كانت دائمًا تعد أمريكا لتحقيق السلام في مضيق تايوان وتخفيض الدعم العسكري وسباق التسلح، إلا أن ذلك لم يحدث حتى الآن.

لقد ظلت الصين واحدة من أهم قضايا الحملات الانتخابية للرئاسية الأمريكية، فكانت الصين محور اهتمام كل المرشحين للبيت الأبيض، ولطالما كانت "اللغة الحادة" هي شعار المرشحين بهدف "دغدغة" مشاعر الناخب الأمريكي، خاصة في قضايا التجارة وحقوق الإنسان، ثم ما تلبث أن تدخل العلاقات في طور التقدم والبناء، حتى تصل العلاقة بين الجانبين إلى درجة التعاون الاستراتيجي الذي لا يخلو من الحذر والصراع.

 

 

العلاقة الأمريكية / الصينية محكومة بالصراع

 

كلما تقدمت الصين باتجاه التعددية القطبية ورفضت الأحادية الأمريكية ومفهوم الهيمنة كلما تهددت المصالح المشتركة بينهما وتعرضت للخطر حيث تبرز إلى الواجهة مجدداً القضايا الإشكالية في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين ألا وهي:

 

أولا: قضية تايوان.

ثانيًا: قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان.

ثالثًا: قضايا التجارة.

رابعًا: قضية بيع الأسلحة الصينية.

الا أن هذه القضايا مجتمعة لم تعد ذات تأثير على الواقعين السياسي والاقتصادي، لأن أمريكا أصبح معروفاً أنها تحول هذه القضايا إلى مادة للابتزاز السياسي كلما شعرت بالصعود الصيني في آسيا والعالم ورغبة الطرفين في احتواء هذه القضايا الخلافية تجنبًا للتصعيد والصدام، وهذا ما تفعله حالياً في أكثر من منطقة.

الجميع أصبح يدرك أن هذه المفاهيم هي مواد الصراع التقليدي للقوى والمصالح في النظام الدولي ونخشى أن نرى بداية حرب باردة جديدة انطلاقاً من المزاعم الأمريكية أنها تتمسك بضرورة احترام الصين للقيم، والمفاهيم الغربية والدولية السائدة لحقوق الإنسان وهو ما تعارضه الصين لأنه في الحقيقة شأن داخلي حيث رفضت الخضوع لما اعتبرتها معايير أمريكية لا تراعي الخبرة والخصوصية الصينية.

النمو الاقتصادي الصيني على الرغم من تباطؤ معدلاته شكل تواصل الارتفاع تخوفاً أمريكياً، لأن الصين تعتمد على التراكم في النمو الاقتصادي والتجاري الذي يقوم من نمو قطاع الإنتاج الصناعي، والحجم الهائل للصادرات الصينية الذي تخطى كل الحدود والمعقول. كما ارتفاع حجم احتياطات الصين من النقد الأجنبي بشكل هائل تجاوز الـ 5 تريليون دولار عام 2019م، وهو ما يعني أن الصين لا تحتاج إلى الأموال اللازمة لتحقيق معدلات النمو الحالية بصورة متواصلة لسنوات قادمة بقدر ما تحتاج إلى التكنولوجيا والإدارة الحديثة والعمالة الماهرة.

من هذا التاريخ المزدحم بالأحداث والتجاذب والتنافر بين بكين وواشنطن، نصل إلى خلاصة مفادها أن الأمريكي يرى من الصيني منافساً أساسيًا لما له من قوة اقتصادية غير قابلة للكسر، عدا أنه حول نفسه إلى حاجة لسوق التجارة العالمية.

 

خلاصة القول في قراءة الواقع للدولتين، إن صلب المشكلة بين الدولتين هو التناقض الواضح بين استراتيجيتين متناقضتين تماماً، الاستراتيجية الأمريكية قائمة على التهديد والتدمير والإخضاع والهيمنة وإشعال الحروب، ومنع التنمية ونهب الخيرات، واستنزاف الطاقات، وكبح أي تطور خارج رغبتها وهيمنتها.

أما الاستراتيجية الصينية خلافاً لذلك تماماً، قائمة على التشارك والتنمية المجتمعية والربح المشترك، ودعم سيادة الدول، ورفض الهيمنة، وتنمية الطاقات وتبادل الخبرات، للوصول إلى عالم متعدد الأقطاب.

تواجه اليوم أمريكا النهوض الصيني للحد من التطور التكنولوجي، كما تواجه تسارع المشاريع الصينية والقدرات الهائلة التي بدأت تتضح، ولهذه الغاية، الصين اتخذت سلسلة من التدابير المضادة لتعزيز قدراتها على الابتكار العلمي والتكنولوجي وتحسين مستوى استقلالها التكنولوجي وإمكانية التحكم فيه،  ولن يتسنى للصين أن تلعب دورها بشكل أفضل على الساحة الدولية إلا من خلال الإمساك بزمام المبادرة في تطورها العلمي والتكنولوجي، وإن التقدم السريع الذي حققته في مجال العلوم والتكنولوجيا جعل الولايات المتحدة تشعر بالتهديد، ما دفعها لتتبنى سياسة الفصل التكنولوجي.

وينبع تقديم هذه السياسة من عوامل متعددة، بما في ذلك الضغوط التي يمارسها الرأي العام المحلي، والدعم القوي الذي تقدمه بكين للبحث والتطوير في مجال التكنولوجيا الفائقة، وتأثير مفهوم القومية التكنولوجية الذي تسوق له الولايات المتحدة، بعدما أصبحت الصين تمتلك العديد من الشركات القوية في قائمة التصنيف العالمية، مثل Huawei وAlibaba وXiaomi وغيرها، الذي خلق ضغطًا تنافسيًا على الشركات الأمريكية في مجالات مثل G5 والرقائق.

أيضاً هناك ما يسميه الصينيون بـ"القوة الناعمة"، التي يمتلكونها حيث تتمتع الصين بإنتاج ضخم في مجالات نشر الأبحاث العلمية، وتكنولوجيا النانو، والإلكترونيات الضوئية، والمواد الجديدة، وما إلى ذلك، وعدد المتقدمين يصنف من بين الأفضل. وهذا ما جعل أمريكا تشعر بأن ها تتعرض للتحدي، لذلك تبنت سياسة الفصل. حيث تعتقد أن الدعم القوي الذي تقدمه الحكومة الصينية للبحث والتطوير في مجال التكنولوجيا الفائقة حقق تحسين المستوى العلمي والتكنولوجي بشكل كبير وفي فترة زمنية قصيرة، إثر دعم تنمية الشركات في الخارج من أجل تقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية، وفي المقابل، إنشاء صناديق لتمويل البحوث العلمية والتطوير التكنولوجي.

المحاولات الأمريكية لكبح التطور التكنولوجي بالحروب

 إن التطور التكنولوجي السريع للصين وتسارع الأحداث لتنفيذ مبادرة "الحزام والطريق " يجعل أمريكا تشعر بعدم الارتياح لاعتقادها أن دعم الحكومة الصينية يشكل تهديدًا للتطور التكنولوجي الأمريكي المستند إلى فكرة القومية التكنولوجية، من هنا تذهب بالاعتبار أن التكنولوجيا تستخدم للمنافسة بين الدول وليس للحياد، وبالتالي هذا ما يجعلها تعتقد أن هذا التطور الصيني له تأثيره السلبي على تطور الولايات المتحدة، لذلك، تعتبر واشنطن أن المهمة الملحة تتمحور في عرقلة تطوير مجال التكنولوجيا الفائقة في الصين.

بل أصبح قمع واشنطن للتطور التكنولوجي في الصين هو القاعدة المرجوة، خاصة مع التطور السريع للذكاء الاصطناعي في الصين، والجيل الخامس، والرقائق وغيرها من التقنيات، أصبحت مخاوف أمريكا أعمق.  وفي ظل هذه الظروف، تبنت واشنطن مجموعة متنوعة من الوسائل لقمع التطور العلمي والتكنولوجي في الصين، وأهمها سياسة فصل العلوم والتكنولوجيا في الصين.  لكن الصين لم تتراجع، بل على العكس من ذلك، صرح كبار قادة الصين بأنهم سوف يستخدمون تطوير قدراتهم العلمية والتكنولوجية للرد على أشكال القمع المختلفة التي تمارسها الولايات المتحدة.

وفي إطار موازي تحاول أمريكا أن تشغل الصين بالوضع الداخلي عن طريق التدخل في شؤون الصين الداخلية وإثارة القلاقل والمشاكل الداخلية لخلق المعوقات التي تقوم ذاتيًا بعملية ضبط تسارع وتيرة النمو والنفوذ. كما تعمل عن طريق خلق شبكة من التحالفات الأمريكية مع دول الجوار لضبط الصين أو التحكم في سلوكها الخارجي، وإثارة قضية بحر الصين الجنوبي.

كذلك تستمر الإدارة الأمريكية في تنفيذ "الحزام والطريق" عن طريق مواجهته بطرح مشروع طريق الهند / أوروبا.كما افتعلت الحرب الأوكرانية / الروسية لضرب التقارب الصيني / الأوروبي بعد إطلاق المواجهة الروسية / الأوروبية بحجة أن العلاقات الصينية/  الروسية استراتيجية وتصورها على أنها دعم صيني لروسيا في مواجهة أوروبا، وبالتالي تؤدي الحرب إلى استنزاف الطاقات الروسية والأوكرانية والأوروبية وتوتر العلاقات الأوروبية الصينية، وهذا الهدف أساسي إضافة إلى هدف آخر اقتصادي حيث يتم استبدال الغاز الروسي بالغاز الأمريكي والإسرائيلي ما يشكل دعماً هائلاً للاقتصاد الأمريكي  

افتعال الحرب على غزة لفرض التطبيع

كما أنه من ضمن المواجهة وفق السياسة الأمريكية تم افتعال الحرب على غزة بهدف تدميرها وإضعاف القضية الفلسطينية، ونشر الفوضى في دول المنطقة خاصة التي يمر بها الحزام والطريق ومنها لبنان وسوريا والعراق، وأمام هول المجازر في غزة يتم الدفع بالدول العربية والخليجية للطلب من الولايات المتحدة وقف حرب الإبادة والمجازر في غزة مقابل فرض تطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل والوعد بإقامة دولة فلسطينية، كل ذلك من أجل خلق أرضية رحبة لإنشاء طريق الهند أوروبا وقطع الطريق أمام "الحزام والطريق"، وبالتالي وضع إسرائيل المتحكم الاقتصادي الأساسي في المنطقة من خلاله، إضافة إلى إغلاق مضيق باب المندب خدمة للمشروع الأمريكي لمنع وصول النفط العربي إلى أوروبا بعد رفع كلفة نقله، وبالتالي يحل محله النفط والغاز الأمريكي والإسرائيلي ما يؤدي إلى إضعاف دول الخليج اقتصادياً ودعم الاقتصاد الأمريكي على حسابهم، أضف إلى ذلك تعطيل قناة السويس ما يؤدي إلى انهيار الاقتصاد المصري والدفع بمصر إلى التفكك وتحويلها إلى بؤرة عدم استقرار تكون البوابة نحو تدمير إفريقيا وإدخالها في حالة عدم الاستقرار ودائرة الحروب وبذلك تكون الولايات المتحدة حسب مخططها تواجه التنمية الصينية ومشروع الحزام والطريق في إفريقيا .

هكذا تضمن أمريكا نتائج حروبها وضغطها في إطالة أزمة الفوضى وتعطيل التنمية الدولية التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى عالم متعدد الأقطاب ينهي الأحادية الأمريكية. ولكن في المقابل تستمر الصين في رفضها للهيمنة الأمريكية، ورفضها الدخول في اللعبة ذات المحصلة الصفرية وترفض كل معادلات الحرب الباردة وتلعب دور الإطفائي الذي يقدم الحلول لإطفاء نار الحروب والصراعات، لذلك لم يعد الأمر يقتصر على جملة مواقف تطلقها الصين في القمم واللقاءات الدبلوماسية، إنما بدأت تأخذ منحاً مختلفاً يبدأ بدعم سيادة الدول ومواقفها والتسريع في الشراكات الاستراتيجية مع العديد من الدول التي تقع تحت الضغوط الأمريكية أضف إلى ذلك البدء بتسريع تنفيذ مبادرة الحزام والطريق لما له من تأثير اقتصادي على بقية الشعوب التي تمر بها، وما يسفر عنها من ارتدادات إيجابية في التحالفات السياسية في مناطق أساساً كانت محسوبة على المحور الأمريكي.

وهذا ما يدفع بواشنطن العمل على محاصرة الصين من أجل إعادة تعويم طرح طريق الهند / أوروبا، مع العلم أن مبادرة الحزام والطريق منافعها الاقتصادية وارتداداتها لا تصيب الصين فقط أيضاً تصيب الولايات المتحدة وباقي الشعوب في العالم.

وهنا نرى أنه يجب مواجهة المخطط التفكيكي التدميري الأمريكي، من خلال منع إدخال منطقة الشرق الأوسط في أتون الحروب وردات الفعل والانفعال، ويكون ذلك عبر تشكيل منظومة أمن إقليمية تعمل على حل الخلافات في المنطقة بعيدًا عن التدخلات الغربية إضافة إلى تشكيل استراتيجية عربية جديدة بأسرع وقت ممكن، خاصة بعد فشل كل المحاولات، وغياب الوزن العربي في حل القضايا العربية، وحروب استنزاف الطاقات لدى كافة الدول العربية، وربما تكون هذه الاستراتيجية قائمة على مفهوم "عدم الانحياز"، ومنها العمل على رفض التطبيع الذي تحاول أميركا فرضه  مقابل وقف إطلاق النار في غزة، ليكون التطبيع مقابل إعلان دولة فلسطين مستقلة كاملة السيادة على حدود ١٩٦٧م، وعاصمتها القدس الشرقية، وبالتالي تلعب هذه الاستراتيجية دوراً لأن تتحول الدول العربية إلى مركز القرار ويمكن لها أن تصبح جسرًا للتواصل بين الشرق والغرب وتعمل على رأب الصدع بين الطرفين. وأن تسعى إلى الربط بين المشروعين "الحزام والطريق" و"الطريق الهندي الأوروبي" وبذلك تصبح منطقة الشرق الأوسط المركز الأساس "وبيضة القبان" في السياسة الدولية والاقتصاد العالمي، كما أن على دول الخليج العربي والدول العربية عامة ألا تكون طرفاً في أي نزاع أو إلى جانب أحد الأطراف في مواجهة باردة أو ساخنة وأن تأخذ منحى "دول عدم الانحياز" وأن تكون حزام فصل بين الشرق والغرب في حال المواجهة العسكرية مما يضمن السلام وعدم إمكانية المواجهة الكبرى العالمية.   

الرؤية الصينية والخطوط الحمراء

 

يعمل الصينيون وفق سياسة أن البشرية تواجهها العديد من التحديات المشتركة، بحسب الفلسفة الصينية التي تقول إن "على ركاب القارب نفسه مساعدة بعضهم البعض"، ليخلصوا إلى أن على سكان الكوكب أن يساعدوا بعضهم البعض، وأن النهوض للجميع والسقوط أيضاً للجميع، وبالتالي تشابك مصالح جميع الدول بشكل عميق، فإنها تحتاج التوافق من أجل تحقيق نتائج مربحة للجميع. هذه هي نقطة الانطلاق الأساسية التي تنظر من خلالها الصين إلى العالم وإلى العلاقات الصينية-الأمريكية". كما تنظر لمستقبل علاقتها مع الولايات المتحدة من منظور أنه سيأتي اليوم وتعترف به واشنطن أنها لم تستطع أن توقف التقدم والتطور التكنولوجي الصيني والعسكري والسياسي.

وفي هذا السياق لا يخفي المسؤولون الصينيون قولهم إنه يتعين على الصين والولايات المتحدة وضع نموذج يُحتذى به، وتحمل مسؤوليات السلام العالمي، وخلق فرص لتنمية جميع الدول، وتقديم منافع عامة للعالم، ولعب دور إيجابي في تعزيز الوحدة العالمية.

وكان الرئيس الصيني خلال اجتماعه مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في سان فرانسيسكو، اقترح خمس ركائز للعلاقات الصينية-الأمريكية، تتمثل في تطوير تصور صحيح بشكل مشترك، وإدارة الخلافات بشكل مشترك وعلى نحو فعّال، ودفع التعاون متبادل المنفعة بشكل مشترك، وتحمل المسؤوليات بشكل مشترك كدولتين كبيرتين، وتعزيز التبادلات الشعبية بشكل مشترك.

باعتبار أن هذه الركائز ينبغي أن تكون بمثابة الأساس الذي يقوم عليه صرْح العلاقات الصينية-الأمريكية، مشيرًا إلى أنه عندما يتم إقرار المبادئ الشاملة، ستصبح معالجة القضايا المحددة أسهل.

وأضاف أن "الصين مستعدة للتعاون، لكن التعاون ينبغي أن يكون طريقًا ثنائي الاتجاه. فالصين لا تخشى المنافسة، لكن المنافسة ينبغي أن تدور حول التقدم المشترك بدلًا من الخوض في لعبة محصلتها صفر"، إنها ملتزمة بعدم الانحياز، ولا ينبغي للولايات المتحدة أن تشكل تكتلات صغيرة، مضيفًا أنه بينما يمكن لكل من الجانبين أن يكون له أصدقاؤه وشركاؤه، يتعين على كل من الجانبين عدم استهداف الجانب الآخر أو معارضته أو إلحاق الضرر به.

مقالات لنفس الكاتب