array(1) { [0]=> object(stdClass)#13142 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 198

العلاقات العسكرية الإيرانية / الصينية لمساومة أمريكا على البرنامج النووي والتعاون التجاري الثنائي

الأربعاء، 29 أيار 2024

على مدى سنوات طويلة وخلال العقود الماضية كان من الواضح أن القيادات الصينية على اختلافها تركز على عملية البناء الاقتصادي والقدرات الاقتصادية والانتشار الاقتصادي سواء الإقليمي أو الدولي بالدرجة الأولى، وتأخير كل ما يتعلق بالقدرات العسكرية. وظلت بكين خلال تلك الفترة تبني قدراتها العسكرية بهدوء دون تنافس واضح مع القوى الدولية والإقليمية بصورة كبيرة. ولا شك أن ما تعرضت له من أزمات كانت تتعلق بالتنافس الاقتصادي بالدرجة الأولى ومحاولة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها محاصرتها اقتصاديًا والخوف من تنامي العملاق الصيني الذي يهدد المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها على امتداد العالم، وإن كانت السنوات الأخيرة قد شهدت بروزًا للقوة العسكرية الصينية على مختلف المستويات سواء فيما يتعلق بالقوات الجوية أو الدفاع الجوي أو الأمن السيبراني وهو ما وضح من خلال النماذج التي طرحتها والانتشار العسكري الذي بدأ يتصاعد بصورة ملموسة ولكن بصورة هادئة ومتدرجة.

وكان من أهم المظاهر الأساسية للحضور الصيني في المنطقة هو الحضور الاقتصادي في منطقة الخليج والدول المجاورة لها، والذي امتد إلى شرق إفريقيا ووسط آسيا، وهو ملمح أساسي بدأ اقتصاديًا إلا أن السنوات الأخيرة قد بدأت تشهد أنشطة دبلوماسية للصين في دوائر الاهتمام ودوائر المصالح الاقتصادية الصينية، ومن أهمها منطقة الخليج والممرات المائية المحيطة بالمنطقة، خاصة مضيق هرمز وباب المندب والبحر الأحمر والمحيط الهندي. كل هذه الأمور كانت تطورًا طبيعيًا لانعكاس المسار أو لارتباط المصالح الدبلوماسية والعسكرية بالمصالح الاقتصادية للصين.

أولًا: البعد الداخلي

ولتقييم الحركة الخارجية للصين والانتشار الإقليمي والدولي يجب أولًا أن نهتم بالتطورات الداخلية في الصين؛ فالصين اليوم تختلف بصورة كبيرة عن السنوات الماضية، ليس فقط فيما يتعلق بحضورها الدولي، ولكن كذلك فيما يتعلق بالوضع الداخلي بصورة أساسية. ومن الضروري مراجعة والاهتمام بالشأن الداخلي في الصين؛ فهناك تحولات داخلية على درجة كبيرة من الأهمية سواء فيما يتعلق بالرؤى الخاصة بالسلوك الخارجي أو كذلك التطورات الداخلية والبنى التحتية الداخلية، وهو ما يطرح أبعادًا جديدة؛ فهناك قيادة سياسية قوية وتهيمن على الحزب وعلى الدولة بكافة مؤسساتها بصورة غير مسبوقة في العقود الماضية، وهذه القيادة الجديدة تجري مراجعات واضحة للكثير من الثوابت الصينية سواء فيما يتعلق بالإنتاج وفيما يتعلق بالتصدير وفيما يتعلق بالنشاط الحزبي بصورة كبيرة.

وهناك دراسات واضحة حول تصاعد حجم الطبقة الوسطى في الصين بما تطرحه هذه الطبقة من متغيرات جديدة فيما يتعلق بأنماط الاستهلاك والأجور والعلاقات فيما بينها وبين الحكومة، وكذلك فيما يتعلق بتوجهات الصين للتعامل مع الاقتصاديات الخارجية. وهناك أيضًا تطورات داخلية تتعلق بالسلطات الممنوحة للأقاليم وفيما يتعلق بالسلطات الممنوحة للدولة المركزية، وهو الأمر الذي ينعكس أيضًا حول مراجعة كبيرة لأنماط التصنيع والإنتاج ومفهوم التصدير. وكل هذه الأمور تسهم بصورة كبيرة في مخرجات واضحة للحركة الخارجية للصين.

ثانيًا: البعد الاقتصادي

إن الإحاطة بالانتشار العسكري والانتشار الجيو سياسي الصيني في منطقة الخليج والمنطقة المجاورة لها أو على امتداد منطقة الشرق الأوسط يجب أن تهتم بخريطة انتشار المصالح الاقتصادية للصين بالدرجة الأولى، وثانيًا على مدى حضور القوة المنافسة لها في تلك الدوائر؛ على اعتبار أن هناك تنافسًا ومحاولة لحصار كل طرف للطرف الآخر بشكل بات واضحًا؛ فقد غمرت الاستثمارات الصينية المنطقة من خلال الاستثمار في البنية التحتية والاتصالات السلكية واللا سلكية على مدى العقد الماضي، وشملت معظم الدول التي تقع تحت مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية، وكانت معظم هذه الدول لديها اتفاقات مع مبادرة الحزام والطريق مع الصين.

ولابد من الإشارة إلى أن منطقة الخليج بالتحديد تمثل أهمية قصوى بالنسبة للصين، على اعتبار أن معظم وارداتها من النفط تأتي من تلك المنطقة، كما أن استثماراتها الاقتصادية قد ارتفعت إلى رقم يفوق الاستثمارات الأمريكية في تلك المنطقة، وهو ما فرض على الصين أن تتحرك بصورة جديدة فيما يتعلق بالأبعاد المختلفة التي تتجاوز المصالح الاقتصادية، فطرحت في فبراير 2023م، مبادرة الأمن العالمي والتي تعبر من خلالها وحسب وجهة نظرها عن العوامل التي تؤدي إلى تصاعد الأزمات الدولية وتعقدها، كما طرحت في فبراير من نفس العام أيضًا مبادرة تسوية الأزمة الأوكرانية / الروسية، وقام كبار المسؤولين الصينيين بزيارات إلى عدد من الدول الأوروبية خاصة فرنسا وصربيا والمجر.

وعلى الرغم من أن هذه المبادرة الصينية لم تحقق نجاحًا فإن بكين أرادت من خلالها أن تثبت وجودًا في أزمة دولية متصاعدة وعدم الغياب عنها، كما أنها نجحت في تحقيق التوافق أو الاتفاق السعودي/  الإيراني والذي مثل نقلة كبيرة على هذا المستوى، وترجمة للحضور الصيني الجديد على المستوى الدبلوماسي في تصور غير مسبوق وفي منطقة أكثر أهمية بالنسبة للصين، وقد عبر ذلك بوضوح عن أن الصين قد بدأت نهجًا جديدًا في تعاملها تجاه الأزمات الدولية، وبدأت نوعًا من الانتشار الدبلوماسي بصورة كبيرة، وبدا أن هناك قبولًا لهذا الدور في ظل تراجع وغياب دور أمريكي في تلك المنطقة بصورة كبيرة، وإن كانت حرب غزة والتطورات اللاحقة لها وما سبقها من أزمة طاقة عالمية قد عادت بالولايات المتحدة الأمريكية إلى المنطقة، ليس فقط بسبب هذه العوامل ولكن لمحاصرة النفوذ الصيني، فكان امتداد انتشار النفوذ السياسي للصين دافعًا لتغيير الاستراتيجية الأمريكية في تلك المنطقة.

ثالثًا: الانتشار العسكري

وقد شهدت الأعوام الأخيرة تطورات جديدة أخرى في طبيعة التمدد الجيوسياسي الصيني، بدا في تبلور انتشار عسكري في دوائر مهمة للصين في المنطقة، وكان من مظاهر ذلك بصورة واضحة اهتمام الصين بالبحث عن نقطة قوة استراتيجية لحماية تجارتها في الممرات والمضائق الدولية والتي ظلت خاضعة لهيمنة غربية وأمريكية بالدرجة الأولى في منطقة الخليج والممرات القريبة منها على اتساعها. ويعتبر الكثير من المراقبين أن الاستثمارات الصينية في بناء مرافق في ميناء الشيخ خليفة ومواني دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان بصورة كبيرة تثبت أن هناك نفوذًا مدنيًا صينيًا يمكن استثماره عسكريًا عند الضرورة.

وهي نقطة شديدة الأهمية؛ فحضور الشركات الموجودة في تلك المنطقة يعني حضورًا صينيًا بصورة كبيرة، وهذا يعني تجاوز أنشطة الصين في عدد الدول في تلك المنطقة المصالح الاقتصادية فحسب؛ حيث أعقب تلك الاستثمارات وذلك الحضور زيارات لسفن حربية صينية إلى تلك الموانئ، كما أن هناك تعليمات واضحة، حسب بعض التقارير، للشركات الصينية العاملة في تلك المنطقة خاصة في الموانئ بأن تظل أجهزة الاستشعار الموجودة لديها في حالة تنبيه وهو ما يمنح القوات العسكرية الصينية منصة إضافية لجمع المعلومات الاستخبارية، كما أن قانون الدفاع الوطني الصيني للنقل والصادر عام 2017م، يلزم الشركات الصينية العاملة في الشحن الدولي على اتساع العالم تقديم المساعدة للأفراد وإمداد السفن والطائرات المشاركة في عمليات الإنقاذ الدولية بالمعلومات البحرية التي تستفيد منها القدرات العسكرية للصين في باب المندب والبحر الأحمر ذو الأهمية الاستراتيجية والعسكرية وكذلك في مجال التنافس مع القوى الدولية الموجودة في تلك المنطقة.

رابعًا: تقييم عام

هذه هي استراتيجية الانتشار الجيوسياسي للصين، إلا أن هناك ملاحظات على هذه الاستراتيجية تبلورت خلال الفترة الأخيرة، ومنها أن هذا الانتشار الجيوسياسي قد قابله مواقف مضادة أمريكية سواء في تنشيط التحالفات المعارضة للصين مثل "أكواد" و"أوكوس" خاصة في منطقة جنوب آسيا، بما يتضمن إعادة التسليح والتنسيق فيما بين الدول المشاركة في هذه التحالفات، ودعم القدرات العسكرية خاصة فيما يتعلق بصفقة الغواصات النووية لأستراليا، والمشاركة البريطانية الواضحة في تلك المنطقة ثم التمركز العسكري البريطاني على امتداد المنطقة وفي الخليج بميناء الدقم بسلطنة عمان. وقد كان هذا الانتشار العسكري خارج مضيق هرمز في تلك المنطقة محاولة كبيرة لمحاصرة التمدد العسكري للصين، ولكن في إطار تقييم هذا الانتشار تجدر الإشارة إلى الملاحظات التالية:

  • إن القدرات العسكرية للصين قد تضاعفت وأصبحت على درجة كبيرة من الأهمية، ويمكن القول إنها تعتبر القوة الثالثة عسكريًا حاليًا في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وأن ما توصلت إليه فيما يتعلق بإنتاج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وكذلك فيما يتعلق بالطائرات الشبحية يعتبر تقدمًا له دلالاته، كما أن النجاح في بناء حاملتي طائرات يعتبر تطورًا كبيرًا على هذا المستوى.
  • إن هذه القدرات العسكرية تعتبر ما يمكن تسميته في التقييم العسكري قوات حماية داخلية تحمي الصين بدرجة أساسية في مواجهة الأعداء وتتحرك في الدوائر الإقليمية المحيطة بها، ولكن الانتشار الواسع يحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك، مثل: أنظمة دفاع جوي متمركزة خارج تلك الدائرة، وحماية للقطع العسكرية خاصة حاملة الطائرات من قطع عسكرية أخرى؛ فحاملة الطائرات يجب أن تتحرك بحماية مدمرات وزوارق صاروخية تتحرك على هذا المستوى، وقواعد عسكرية أوسع انتشارًا في دوائر الاهتمام، وهو ما لم يتحقق للصين حتى الآن.
  • إن نقطة اهتمام الاقتصاد الرئيسي للصين في الخليج لا يغطيه وجود عسكري داخل تلك المنطقة، ومن الصعب تحقيق ذلك، وبالتالي لا يتصور أن تتمكن الصين من إنشاء قاعدة عسكرية في أي من دول الخليج.
  • إن أهمية إيران تتصاعد بالنسبة للصين على هذا المستوى، ولا شك أن التعاون العسكري الإيراني / الصيني والاتفاق الشامل الموقع لمدة 25 سنة والذي يمكن أن يترجم مستقبلًا في قاعدة عسكرية، أو في تعاون عسكري شامل بين البلدين يمكن أن يعوض الحضور العسكري الصيني في منطقة الخليج مستقبلًا.
  • من المعوقات التي تواجه الانتشار الجيوسياسي خاصة العسكري الصيني في المنطقة على اتساعها هو القلق الذي بدا يعتري الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها من هذا الانتشار، والذي يتوقع أن يؤثر على شراكات واشنطن في المنطقة، كما أن مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية من تصاعد حجم العلاقات العسكرية الإيرانية / الصينية يمكن أن يكون أحد الأهداف الرئيسية التي تعمل عليها الاستراتيجية الأمريكية، وربما تكون أحد الأوراق التي يمكن أن تساوم بها الولايات المتحدة الأمريكية إيران فيما يتعلق بمطالب إيران الخاصة بالبرنامج النووي، وتكون هذه ورقة مساومة للتأثير على حجم التعاون بين البلدين، وإن كان من المتوقع وفق مصادر أخرى أن تستثمر إيران هذه الورقة لتحقيق مكاسب أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية، وأنه من الصعب التنازل عن هذه الورقة من جانب إيران حيث إنها تمثل هدفًا استراتيجيًا وأكثر اطمئنانًا من كافة الاتفاقات التي توقع مع إدارة أمريكية يمكن أن تغيرها إدارة أمريكية أخرى.
  • من النقاط المهمة أيضًا على هذا المستوى هي العلاقات الروسية / الصينية والتي تمثل نوعًا من الغطاء بالنسبة للانتشار الجيوسياسي الصيني في المنطقة؛ فلا شك أن التعاون العسكري بين البلدين والذي تصاعد في الفترة الأخيرة والذي يمثل نوعًا من أنواع المحور الثنائي لا يزال يقع في منطقة وسط بين شراكة استراتيجية بلا حدود والتحالف العسكري إلا أنه يتطور بصورة كبيرة، ولا شك أن زيارة الرئيس الروسي للصين في شهر مايو الماضي والتي عبرت عن حجم التعاون والتصاعد يمكن أن تمثل دافعًا أو دعمًا للانتشار الجيوسياسي الصيني في المنطقة، خاصة مع حرص الصين على إقامة علاقات متطورة مع سوريا ربما تتصاعد مستقبلًا في وجود عسكري يطل على البحر المتوسط هناك وهو ما يعني انتشارًا لدائرة أوسع أو خريطة انتشارأ وسع للصين عسكريًا على مستوى الإقليم والاقتراب من أوروبا بصورة كبيرة ويترجم حجم الانتشار الصيني بصورة كبيرة.
  • كما أن التعاون الاستراتيجي بين الصين وروسيا يمكن أيضًا أن يساهم في دعم الانتشار الصيني في إفريقيا؛ فالفيلق الروسي الذي يتصاعد حضوره وانتشاره في منطقة الساحل والصحراء ومنطقة شرق إفريقيا وكذلك في شمال إفريقيا أصبح محسوسًا بصورة كبيرة، ويحاصر النفوذ الفرنسي أولًا ثم النفوذ التركي في عدد من دول المنطقة، ولا شك أن هذه بيئة صالحة يمكن أن تستثمرها الصين فيما يتعلق بانتشارها في تلك المنطقة على خلفية ما تحتاجه روسيا من دعم صيني بصورة كبيرة، كما أن الإسهام الصيني في البنية التحتية في عدد من دول المنطقة يمكن أن يطرح أبعادًا عسكرية في مرحلة قادمة.

الخلاصة إن الانتشار الجيوسياسي للصين يمثل متغيرًا جديدًا ينقل الاستراتيجية الصينية للتعامل مع دول الإقليم والمنطقة من مستوى التركيز على قضايا التجارة الحرة والاتفاقيات الاقتصادية لتتطور إلى تعاون مدني واضح يحمل انعكاسات عسكرية لتحقيق انتشار في النهاية يكون انتشارًا مدنيًا اقتصاديًا عسكريًا، وهو ما يترجم حضورًا أكثر تأثيرًا وفاعلية للصين في الدوائر المحيطة بالخليج ودول الجوار.


 

مقالات لنفس الكاتب