array(1) { [0]=> object(stdClass)#13142 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 198

القوى الدافعة للحرب التجارية الأمريكية ـ الصينية سياسية أكثر منها اقتصادية

الأربعاء، 29 أيار 2024

في مارس 2023م، أبرزت عناوين الأخبار موضوع صفق،  اعتقد البعض في حينها أنها تمثل نهاية الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، حيث توسطت الصين، أكبر منافس عالمي للولايات المتحدة، في التوصل إلى اتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران، وتأتي أهمية هذا الاتفاق من طبيعة علاقة  كل من المملكة العربية السعودية وإيران بالولايات المتحدة، إضافة إلى أهمية منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا للولايات المتحدة والصين والعالم كله، وستظل هذه المنطقة محل تركيز واهتمام القوى الكبرى لحقب كثيرة قادمة، وتمثل نقطة تنافس جديد بين الولايات المتحدة والصين. فلكل من البلدين مصالح كبيرة في المنطقة، بما في ذلك تأمين موارد النفط والغاز، والتجارة، والتحالفات الاستراتيجية مع الجهات الفاعلة الرئيسية. إن التنافس بين الولايات المتحدة والصين في الشرق الأوسط له آثار كبيرة على استقرار المنطقة وأمنها. كما أن لها آثارًا عالمية.

فالخليج العربي منطقة مهمة، في ظل إمكانيات المملكة العربية السعودية وإيران القوتين الإقليميتين الأكثر أهمية، كما تتواجد الولايات المتحدة عسكرياً في المنطقة، ومن المعروف أن منطقة الخليج تشكل مصدراً مهمًا للطاقة في العالم، بما في ذلك واردات جمهورية الصين الشعبية التي تصل أكثر من نصف وارداتها من الطاقة والتي تصلها عبر مضيق هرمز ومضيق ملقا وبحر الصين الجنوبي ومنها نسبة 17% قادمة من المملكة العربية السعودية و9% من إيران، والنزاع الاقتصادي القائم اليوم بين الولايات المتحدة ومنافسيها أخذ صورًا غير الحرب العنيفة، إنما سلسلة متصاعدة من الرسوم الجمركية أو الضرائب العقابية التي بدأت كل دولة تفرضها على الواردات من الدولة الأخرى. وكانت الولايات المتحدة أول من فرض تعريفات جمركية جديدة تصل إلى 25% على الواردات الصينية بمختلف أنواعها. ثم ردت الصين بالمثل، ويهدد الجانبان الآن باتخاذ المزيد من الخطوات في هذه الحلقة المفرغة.

يقول العديد من الخبراء إنه لا يوجد فائز في الحروب التجارية، بل هناك خاسرون فقط -على الرغم من أن أحد الجانبين قد يخسر أكثر من الآخر، وتمثل الصين التهديد الرئيسي للولايات المتحدة، تليها روسيا وإيران وكوريا الشمالية والمنظمات المتطرفة العنيفة. وفقاً لاستراتيجية الأمن القومي، تتنافس الصين "عبر الساحات السياسية والاقتصادية والعسكرية" من أجل "إزاحة الولايات المتحدة" و"إعادة ترتيب منطقة [الهند والمحيط الهادئ] لصالحها". وفي مقابل ذلك حولت واشنطن القيادة في المحيط الهادئ إلى القيادة الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وكان المقصود من ذلك رفع مستوى الشركاء المحتملين الآخرين الذين قد يلعبون دورًا مهمًا في المنافسة. علاوة على ذلك، تعتقد واشنطن أن التحديث العسكري الصيني والتوسع الاقتصادي جعل بكين تستفيد من الوصول إلى اقتصاد الابتكار الأمريكي والجامعات الأمريكية، بما يمثل اختراق الصين للولايات المتحدة الأمريكية.

ونتيجة لعدم وجود خطة دبلوماسية أمريكية استراتيجية عادلة في الشرق الأوسط ركزت دول مجلس التعاون الخليجي على الدور الصيني وكان ذلك بمثابة إشارة واضحة إلى أن دول المنطقة تفهمت للاستراتيجية الأمريكية التي تهدف إلى ضمان المصالح الأمريكية في المقام الأول دون مراعاة مصالح دول المنطقة بدقة كما تريد دولها، وفي مقابل ذلك نمت البصمة الاقتصادية الصينية في المنطقة، لكن لا يبدو أن بكين مستعدة للانخراط بشكل أعمق في المنافسة الإقليمية، على الأقل في الوقت الحالي، لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة ستضطر إلى إعادة تقييم علاقاتها في المنطقة والنظر في سبب تحول الشركاء إلى الصين في محاولة لاستمالة الشركاء الخليجيين وعدم إيجاد فرصة التواجد الصيني بأكثر من الازم، وبالعودة إلى لغة الأرقام بلغت قيمة التجارة الثنائية للصين مع دول مجلس التعاون الخليجي وإيران 248 مليار دولار. وكان ذلك أكبر بأربع مرات من تجارتهم مع الولايات المتحدة في عام 2021م، كانت المملكة العربية السعودية أكبر مصدر منفرد للنفط للصين في جميع أنحاء العالم.

والسؤال: ماذا يعني التطور الاقتصادي في العلاقات الخليجية ـ الصينية بالنسبة للنفوذ الأمريكي؟ وجاءت الإجابة الأمريكية، أو الرد الأمريكي في مساعي واشنطن المتعاقبة إلى "التمحور" نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ للتنافس مع الصين. وقد أثار هذا قلقًا بين حلفاء الولايات المتحدة في الخليج من أن مصلحة الولايات المتحدة أصبحت أقل تأكيدًا وأقل موثوقية. كما سعى الرئيس بايدن في البداية إلى إبعاد الولايات المتحدة عن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ومع ذلك، في يوليو 2022م، التقى بايدن بسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان، واقترح إعادة ضبط العلاقات. في حين أن الصين هي أكبر شريك اقتصادي منفرد في المنطقة، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها مثل فرنسا والمملكة المتحدة وكوريا الجنوبية، تظل مصادر الأسلحة المهيمنة. ولا يزال الاستقرار التجاري والإقليمي للصين يعتمد بشكل كبير على الوجود الأمني الأمريكي. لدى كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قوات عسكرية كبيرة منتشرة في منطقة الخليج لأغراض الأمن البحري ومكافحة الإرهاب، وغالبًا ما يرتبط سعر النفط ارتباطًا مباشرًا بآفاق الاقتصاد العالمي، لذا فإن الخلاف الجمركي بين واشنطن وبكين يمكن أن يؤثر على دول المنطقة بشدة.

وفي المقابل أصبحت الصين أكثر طموحًا وحزمًا في سياستها الخارجية. كما استثمرت الصين بكثافة في زيادة قدراتها العسكرية على مدى العقد الماضي ولديها خطط لتحويلها بشكل أكبر.

وخلال عام 2022م، حافظت السعودية على مكانتها كأكبر مورد للنفط إلى الصين حيث بلغت صادرات الرياض إلى بكين 1.75 مليون برميل يوميًا في تكرار للمعدل الذي تحقق عام 2021م.

كما اتفقت شركة النفط السعودية، أرامكو، مع الصين على بناء مصفاة للنفط ومجمع للبتروكيماويات في شمال شرق البلاد في مشروع مشترك بين العملاق السعودي وشركتي "نورينكو" و"بانجين زينتشين" الصينيتين تصل تكلفته إلى 12.2 مليار دولار أمريكي

كما يوضح الشكل السابق أن الدول التي تستعين بها الصين بشكل أكبر هي روسيا وهو حليفها الأساسي، ثم السعودية وأنجولا في إفريقيا والعراق وعمان لذا تعتمد الصين بشكل أساسي على حلفائها في منطقة الخليج وفى إفريقيا

ويهدف المشروع، الذي سوف سيفتتح عام 2026م، إلى تلبية الطلب المتزايد للبلاد على الوقود والبتروكيماويات فيما جاء بعد أيام من تأكيد أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لأرامكو، على دعم الشركة لأمن الطاقة والتنمية في الصين على المدى الطويل

وفي ضوء ذلك، أكدت آنا جاكوبس، كبيرة المحللين في مجموعة الأزمات الدولية، على أن الصين "باتت شريكًا اقتصاديًا مهمًا للغاية للسعودية" ما مهد الطريق أمام قيام البلدين "بتعزيز العلاقات السياسية الثنائية بشكل متزايد."

ووظفت الصين هذا التوسع في النفوذ تحت راية تنفيذ مبادرة الحزام والطريق، وتظهر البيانات الأولية حول المشاركة الصينية من خلال الاستثمارات المالية والتعاون التعاقدي للنصف الأول من عام 2023م، في 148 دولة في مبادرة الحزام والطريق، نحو 102 من الصفقات بقيمة 43.3 مليار دولار أمريكي، بما يعادل نحو 60% من مشاركة الصين في مبادرة الحزام والطريق في عام 2022م، بأكمله (72.6 مليار دولار). وفي أبريل 2023م، أصدرت وزارة التجارة الصينية إحصاءات جديدة حول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق، غطت الفترة من يناير إلى مارس 2023م. ووفقاً لهذه البيانات، استثمرت الشركات الصينية نحو 5.76 مليار دولار في الاستثمارات المباشرة غير المالية في الدول الواقعة على طول "الحزام والطريق" في الربع الأول من عام 2023م، بزيادة سنوية قدرها 9.5%. .

 وعليه فإن القوى الدافعة ومعايير الحرب التجارية هي سياسية أكثر منها اقتصادية. تعلم الولايات المتحدة أن تطوير مبادرة الحزام والطريق (BRI) سيقلل من نفوذها على المستوى العالمي الذي حافظت عليه الولايات المتحدة لأكثر من سبعة عقود، وهو أمر غير مقبول بالنسبة لها. ولهذا السبب تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا ضد الصين على المستوى الإقليمي والعالمي، سواء في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، أو في جنوب آسيا. ومع استمرار صعود الصين الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري والسياسي في المستقبل، فسوف تحاول الولايات المتحدة احتواءه من أجل الحفاظ على هيمنتها العالمية. والنتيجة الواضحة لهذه اللعبة المتأرجحة ستكون اشتداد المنافسة الصينية / الأميركية على الهيمنة العالمية. تبدو الولايات المتحدة والصين، الدولتان الأقوى في العالم، وكأنهما تسيران على مسار تصادمي. ما يعنيه هذا هو أنه طالما استمرت مخاوف الولايات المتحدة بشأن تجاوز الصين للهيمنة الأمريكية، فمن المرجح أن يحدث نوع مماثل من الصراع بين القوتين المهيمنتين في المستقبل حتى لو انتهت الحرب التجارية الحالية.

كما تسعى الصين إلى تأمين مصالحها الاقتصادية في الشرق الأوسط ، وفي مقدمتها توسيع مبادرة الحزام والطريق من خلال الاستثمار واستمرار الوصول إلى موارد الطاقة من المنطقة، والتي تعتمد عليها بشكل كبير. ففي عام 2018م، استوردت الصين من الشرق الأوسط 36% من إجمالي استهلاكها من النفط والمنتجات النفطية و5% من إجمالي استهلاكها من الغاز الطبيعي. وبخلاف هذين المحركين الأساسيين، هناك عدة عوامل أخرى تؤثر على تورط الصين في الشرق الأوسط. الأول هو القلق من احتمال امتداد عدم الاستقرار والإرهاب إلى الصين. أما الثاني، المتعلق بتطلعات بكين إلى مكانة القوة العظمى والخوف من انتشار الإرهاب، فهو العمل كعامل استقرار في المنطقة.

وعلى صعيد توثيق المصالح الاقتصادية إلى المشاركة السياسية والأمنية وحتى الآن، أبرمت الصين اتفاقيات شراكة مع 15 دولة في الشرق الأوسط، و لعل أهم ما يجعل العلاقات تتأرجح بين الصين و الولايات المتحددة هو النوايا المشكوكة من الصين وهو  توجيه الاتهامات للمبادرة باعتبارها "فخ ديون و لعل هذه من أهم الانتقادات الموجهة إلى مبادرة الحزام والطريق اعتبارها مجرد "فخ للديون"؛ حيث تُنتقد آلية الصين في التعامل مع الدول الشريكة، انطلاقاً من قيام الصين بإقراض الأموال للدول النامية لتمويل مشاريع البنية التحتية التي لا تستطيع هذه الدول سدادها؛ ما يدفع – بحسب رأي النقاد – نحو وقوع تلك البلدان في دائرة من الديون، وتنامي الاعتماد على الصين، وهو ما يحتمل أن يؤدي إلى تقويض سيادة هذه الدول، وزيادة تعرضها للعديد من الضغوط الاقتصادية والسياسية من الصين. ذلك الموقف المعارض للمبادرة تكمن خطورته في تشويه صورتها، بالشكل الذي قد يدفع كثيراً من الدول نحو العزوف عن استكمال دورها في المشروع.

فمن ناحية العلاقات التجارية أصبحت الولايات المتحدة دولة عجز في ميزانها التجاري لصالح الصين، وإن كانت نجحت التعريفات الجمركية العقابية من جانب الولايات المتحدة على الواردات الصينية أن تقلل العجز التجاري في عام ٢٠١٩م، فالولايات المتحدة دولة عجز تجاري مع أكثر من ۱۰۰ دولة على مستوى العالم، تعاني أمريكا من عجز تجاري مزمن مع العديد من شركائها التجاريين الذين يتمتعون بميزة نسبية في إنتاج منتجات مختلفة ومتعددة وأهم هؤلاء الشركاء هم الصين وكندا والمكسيك واليابان وألمانيا.


 

مقالات لنفس الكاتب