تأسست منظمة الأمم المتحدة سنة 1945م، بتوافق بين إحدى وخمسين دولة عقب نهايةالحربالعالمیة الثانیة أملاً في عدم تكرار فظائع ومآسي النزاعات المسلحة من جديد. وعلى مدار ما يربو على السبعین عامًا، تزايد عدد أعضائها إلى 193 دولة، وبذلكأصبحت أضخمالمنظمات الدولیة وأكثرها أھمیة في عالم الیوم. والأمم المتحدة منظمة عالمیة مستقلة، وهي بمثابةالمنتدىالوحید في العالم الذي تُناقَش فیه قضايا السلام، وحقوق الإنسان، والتنمیة، من قِبَل جمیع دول العالم.
مجلس الأمن
يُعتبر مجلس الأمن أكثر هيآت الأمم المتحدة نفوذا، إذ يخوّله میثاق الأمم المتحدة في تحمل المسؤولیة الرئیسیة عن حفظ السلم والأمن الدولیین. ويضم المجلس 15 عضوًا، بينهم خمسة أعضاء لهم عضوية دائمة، فیما يتم اختیار الأعضاء العشرة الآخرين بالانتخاب. ومن بين مهام مجلس الأمن:
- المحافظة على السلام والأمن الدوليين وفقا لمبادئ الأمم المتحدة ومقاصدها.
- التحقيق في أي نزاع أو حالة قد تفضي إلى خلاف دولي؛ وتقديم توصيات أو شروط للتسوية.
- وضع خطط لتنظيم التسلح، وتحديد أي خطر أو عمل عدواني يهدد السلام، وتقديم توصيات بالإجراءات التي ينبغي اتخاذها، والدعوة إلى تطبيق العقوبات الاقتصادية وغيرها من التدابير التي لا تستتبع استخدام القوة لمنع أو وقف العدوان.
- اتخاذ إجراءات عسكرية ضد المعتدي.
ويمكن للمجلس في هذا الإطار أن ينشئ قوات لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة. ويتم نشرها بناء على قرارات يصدرها المجلس. وتتفاوت مهام تلكالقوات من حالة إلى أخرى، حسب طبیعة النزاع والتحديات التي يعبِّر عنها میثاق الأمم المتحدة،وتُعتَبَربعضقراراتهملزمةلجمیع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
يحتوي الفصل السادس على نظام الأمم المتحدة الخاص بالتسوية السلمية للنزاعات الدولية، فلمجلس الأمن أن يدعو أطراف النزاع كي يُسَوُّوا ما بينهم بالوسائل السلمية، وأن يوصي بما يراه ملائمًا من الإجراءات لِحلِّ النزاع سلميًا.
ويتناول الفصل السابع ما يُتخذ من التدابير في حالات تهديد السلموالإخلالبهووقوعالعدوان. وفيالسنواتالأخیرة قام المجلس بنشر قوات لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة في مناطق التوتر. ومن الحالات التي تدخل في هذا النطاق استنادًا إلى الفصل السابع من المیثاق: (1) انتشار القوات لمنع نشوب نزاع أو امتداده عبر الحدود، (2) المعاونة في حفظ الأمن والنظام وتهیئة الجو بين الأطراف إثر انتهاء الصراع للتوصل إلى اتفاق سلام دائم، (3) المساعدة في تنفیذ اتفاقيات السلام الشاملة، (4) معاونة الدول والأقالیم لإدارة مرحلة الانتقال إلى حكم مستقر، استنادًا إلى المبادئ الديمقراطیة والحكم الرشید والتنمیة الاقتصادية.
وقد تُكلف قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بالاضطلاع بأنشطة ذات طبيعة خاصة من قبيل: نزع سلاح المحاربین السابقین وتسريحهموإعادةدمجهم في المجتمع، وإجراءات التطهير من الألغام، وإصلاح قطاع الأمن وتحقيق سیادة القانون، وحماية وتعزيز حقوق الإنسان، ومراقبة الانتخابات، وتقديم الدعم لاستعادة سلطة الدولة، وتعزيز سبل التنمیة الاجتماعیة والاقتصادية.
جهود تحقيق الأمن والسلم
استطاعت الأمم المتحدة، من خلال إيفاد بعثات حفظ السلام والمراقبة إلى مناطق التوتر في العالم أن تستعيد الأمن الكافي لدول عديدة في أعقاب النزاعات. وقد أتمت 56 بعثة عملها على مدى ما يربو على الستين عاما، وهناك حالياً 16 عملية لحفظ السلام في أنحاء العالم، يضطلع بها أكثر من مئة ألف من الرجال والنساء الشجعان من 124 دولة.
صنع السلام: أمكن وضع حد لكثير من النزاعات، إما من خلال وساطة الأمم المتحدة، أو من خلال جهود أطراف أخرى تعمل بدعم من الأمم المتحدة. أدت الدبلوماسية الوقائية وغيرها من أشكال الإجراءات الوقائية إلى نزع فتيل العديد من النزاعات المحتملة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن بعثات الأمم المتحدة للسلام في الميدان تعالج حالات ما بعد انتهاء النزاع وتؤسس لتدابير بناء السلام.
منع الانتشار النووي: تقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEAبعمليات التفتيش النووي في العالم. ويعمل خبراء الوكالة للتحقق من أن المواد النووية الخاضعة للضمانات لا تستخدم إلا للأغراض السلمية. وحتى الآن، أبرمت الوكالة اتفاقات ضمانات مع أكثر من 180 دولة.
إزالة الألغام الأرضية: تقود الأمم المتحدة جهدًا دوليًا لإزالة الألغام الأرضية في 30 من الدول والأقاليم، وتعمل على توعية الناس لتجنب خطر الألغام، ورعاية ضحاياها.
محاربة الإرهاب: تعمل وكالات وصناديق الأمم المتحدة على مساعدة الدول في تنفيذ استراتيجية مشتركة، وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب. كما وضعت الأمم المتحدة إطارًا قانونيًا لمحاربة الإرهاب الدولي يتناول حظر احتجاز الرهائن وخطف الطائرات والتفجيرات الإرهابية وتمويل الإرهاب، والإرهاب النووي.
مجلس الأمن الدولي وقضايا الشرق الأوسط الساخنة
فلسطين: تُعَدالقضية الفلسطينية من أولى القضايا الشائكة التي تواجه الأمم المتحدة منذ إنشائها، وما زالت المنظمة عاجزة حتى الآن عن إيجاد حل لها. إنها القضية المركزية للعالم العربي، وهي وراء كل الأحداث التي تجري في الشرق الأوسط والقضايا المرتبطة بها. صدر قرار التقسيم)181/1948م) وقرار عودة اللاجئين الفلسطينيين (194/1948م) عن الجمعية العامة وليس عن مجلس الأمن. وكل ما صدر عن مجلس الأمن ما بين عامي 1948 و1967م، قرارات تدعو لوقف إطلاق النار وقرار بتشكيل هيئة مراقبة الهدنة. القرار الوحيد المتعلق بتسوية الصراع العربي الإسرائيلي (242) صدر عن مجلس الأمن بعد عدوان 1967م، متضمنًا مبادئ التسوية السلمية في الشرق الأوسط، ولم تفلح الأمم المتحدة في إجبار إسرائيل على تنفيذ هذه القرارات وتسوية القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي. إسرائيل ماضية في بناء المستوطنات وفرض الأمر الواقع. إن 182 دولة عضوًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة صوتت لصالح قرار يؤكد حق الفلسطينيين في تقرير المصير مقابل أمريكا وإسرائيل. وكانت الولايات المتحدة قد استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد القرار المصري بمجلس الأمن الذي يدعو لسحب قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، في حين أيَّد الأعضاء الأربعة عشر الباقون القرار المصري.
وفي الوقت الذي يسعى فيه المجتمع العالمي إلى إقرار سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ظلت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) UNRWA، ترعى أربعة أجيال من اللاجئين الفلسطينيين بالتعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والقروض الصغيرة والمساعدات الطارئة. وهي اليوم تقدم المساعدة والحماية لما يقارب 5 مليون لاجئ فلسطيني مسجل في الشرق الأوسط.
في أفغانستان حشدت الولايات المتحدة قوات هائلة للتخلص من طالبان، وبقيت زمنًا طويلًا لتساهم في إعادة الإعمار، ولكن 14 سنة من الحرب، و 685.6 بليون دولار من الإنفاق لم تحل المشكلات المستعصية في أفغانستان. ومازالت تعتمد على الهبات الخارجية لتغطية ثلثي الإنفاق الحكومي تقريبًا، ويمثل الناتج المحلي نحو 21% من موازنة الدولة.
في ليبيا أزيح القذافي عن السلطة، ولكن لم توجد قوة مستقرة لتحل محله. هناك أكثر من سلطة تتنافس، وعسكريون من داعش يطرقون الأبواب. كثيرون أجبروا على مغادرة بيوتهم، البطالة نحو 20% وللشباب 50%. النمو في الناتج المحلي الإجمالي بالسالب (-24% في 2014)، ناهيك عن الرشوة والفساد.
وفي حالة غزو العراق للكويت في عام 1990م، كان تدخل المجلس سريعًا وحاسمًا، وتصرف وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وأصدر سلسلة من القرارات، كان أولها القرار رقم 660/1990 الذي اعتبر فيه الغزو خرقًا للسلم والأمن الدوليين، وطلب من العراق سحب قواته فورًا من الكويت. وأصدر القرار 661/1990 والقرار 665/1990 بفرض عقوبات اقتصادية ومالية ودبلوماسية وحصار بحري على العراق. ثم أصدر القرار 678/1990 وفيه أذن للدول باستخدام القوة ضد العراق، وانتهت الأزمة بتحرير الكويت.
وزعمت الولايات المتحدة الأمريكية أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، ولم تُتِح الفرصة لمجلس الأمن لحل الأزمة سلمياً، وبعد أن فشلت في إقناع أعضاء مجلس الأمن بتأييد مشروعات قرارات استخدام القوة ضد العراق، سارعت مع حلفائها دون إذن من المجلس بغزو العراق واحتلاله عام 2003. وهكذا حرمت مجلس الأمن الدولي من ممارسة دوره وتحمل مسؤوليته في حفظ الأمن والسلم الدوليين.
ما هو حال العراق الآن؟ لقد انهار المشروع الأمريكي لإعادة بناء الدولة، وعلا نجم العسكريين، وأزيح السُّنيون، وأجبرت القوات الأمريكية على الرحيل. هناك مناطق تسيطر عليها المجموعات الإرهابية، وأسعار النفط تتهاوى، نسبة البطالة العامة 16%، وللشباب 34.1%، ومؤشر الفساد مخيف.
في اليمن كانت الولايات المتحدة أكثر سعادة بقيام السعوديين بقيادة الحرب ضد الإرهابيين والجهاديين. في 2012م، كان 45.5% من اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر. من بين 25 مليون نسمة أكثر من مليون أرغموا عل ترك ديارهم. القرار الذي اتخذه مجلس الأمن في 26 فبراير/شباط 2018م، بشأن اليمن، يؤكد التزامه القوي بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته الإقليمية، ويعرب عن القلق من المصاعب السياسية والأمنية والاقتصادية والإنسانية المستمرة في اليمن، بما في ذلك أعمال العنف المستمرة، والتهديدات الناشئة عن النقل غير المشروع للأسلحة وعن تكديسها وإساءة استعمالها بما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار، ويناشد جميع الأطراف في اليمن أن تلتزم بحل خلافاتها عن طريق الحوار والتشاور، وأن تنبذ اتخاذ أعمال العنف وسيلة لبلوغ أهداف سياسية، وتمتنع عن الأعمال الاستفزازية. كما يعرب عن بالغ القلق لوجود مناطق من اليمن تحت سيطرة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والوجود المتزايد للجماعات المنتسبة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) واحتمال نموها في المستقبل
ويقرر أن الحالة في اليمن لا تزال تشكل خطرا يهدد السلام والأمن الدوليين، وإذ يتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، يؤكد الحاجة إلى تنفيذ عملية الانتقال السياسي بشكل كامل وفي الوقت المناسب في أعقاب مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وذلك تمشيًا مع مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذها، ووفق قرارات الأمم المتحدة مع مراعاة تطلعات الشعب اليمني.
في سوريا أكثر من 200 ألف سوري قتلوا منذ بداية الحرب، وأكثر من 4 ملايين غادروا سوريا نهائيًا، وأكثر من 7.6 مليون أرغموا على الهجرة داخليًا. وبعبارة أخرى أكثر من نصف سكان سوريا أزيحوا من أماكنهم منذ بداية العنف. محادثات السلام تتعثر ولا تصل إلى حل.
يحتدم الصراع في سوريا ويتجه ليصبح أكثر دموية، تدخل الحرب السورية عامها الثامن، ولا يزال القتال مستمرًا دون توقف. أما الدول المتحاربة داخل هذا البلد - روسيا والولايات المتحدة وسوريا وتركيا – فإنها تتبادل التُّهَم بشأن التصعيد حول الوضع في سوريا، خلال جلسات مجلس الأمن الدولي.
مع القضاء على تنظيم داعش انكشف النفاق العالمي المُسَمَّى بالتحالف الدولي على حقيقته، ولهذا ظهر إلى الواجهة الصراع الجيوسياسي الذي خاضته القوى العالمية في الخفاء. وثمة فرص ماثلة لموجات أكبر وأوسع من المواجهة المباشرة بين اللاعبين الكبار في سوريا. ولا يستبعد المراقبون انتقال (حروب الوكالة) إلى حروب مباشرة، لا سيما بعد سقوط طائرة روسية، ومروحية تركية، وطائرة إسرائيلية وطائرة إيرانية بدون طيار. لقد تحولت سوريا إلى ساحة تسوية حسابات إقليمية ودولية، وتُلقِي القوى الإقليمية والدولية بثقلها مباشرة في الميدان. هناك خمسة جيوش أجنبية فوق أراضيها: روسي، أمريكي، إيراني، تركي، إسرائيلي، ولكلٍّ منها أهدافه الخاصة التي لا علاقة للسوريين بها.
وكان أخر قرار اتخذه مجلس الأمن في 24 فبراير/شباط 2018م، يؤكد التزامه القوي بسيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، وبمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ويعرب عن أساه العميق لاستمرار الوضع الإنساني الأليم في سوريا، إذ أن أكثر من 13.1 مليون شخص بحاجة إلى المســاعدة الإنســانية العاجلة من بينهم 6.1 ملايين شُرِّدوا في الداخل، ومليونان ونصف يعيشــــون في مناطق يصعب الوصــــول إليها، بمن فيهم اللاجئون الفلسطينيون ومئات الآلاف من المدنيين المحاصَرين. وأعرب المجلس عن انزعاجه إزاء عدم قدرة الأمم المتحدة على إيصـال المسـاعدة الإنسـانية إلى السكان المحاصَرين، وعن استنكاره لعدم تنفيذ قراراته منذ 2014 تنفيذًا كافيًا مما يهدد السلام والأمن في المنطقة.
لبنان: وبالنسبة للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان، فلم يفلح مجلس الأمن في منعها، وكانت قراراته (425/1978، ثم 1701/2006) تأتي دائمًا متأخرة وغير منصفة للبنان، ولم يتمكن من إلزام إسرائيل على تنفيذها، وتم تحرير جنوب لبنان، باستثناء مزارع شبعا وغيرها، ليس بجهود الأمم المتحدة ولكن بفضل المقاومة في 2000، أي بعد أكثر من اثنين وعشرين عامًا منذ صدور القرار 425.
بقي الحديث عن البرنامج النووي الإيراني، ويلاحظ أن موقف الأمم المتحدة من البرنامج النووي الإيراني لا يتناسب مع موقفها من السلاح النووي الذي تملكه إسرائيل. فمع حيازة إسرائيل للسلاح النووي، وامتناعها عن التوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، لم تجد قرارات الأمم المتحدة بجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل أي صدى أو استجابة. يشير قرار الجمعية العامة رقم 89/34 لسنة 1979، إلى معلومات عن سلاح إسرائيل النووي وخطورته على أمن المنطقة والأمن الدولي، ويطالب الدول بالتوقف عن دعم إسرائيل في هذا المجال، ويشجب القرار رقم 93/41 لعام 1986 سياسة إسرائيل ودأبها على حيازة الأسلحة النووية. أما مجلس الأمن فقد تجاهل الأمر، ولم يصدر عنه أي موقف بهذا الشأن.
ولم يتوان مجلس الأمن عن ملاحقة البرنامج النووي الإيراني وفرض العقوبات على إيران. ققد أصدر عدة قرارات يطالب فيها إيران بأن تعلق جميع أنشطتها المتصلة بالتخصيب وإعادة التجهيز، بموجب المادة 40 من الفصل السابع من الميثاق، وأن يخضع كل ذلك إلى التحقق من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأنه سيتخذ التدابير الملائمة بموجب المادة 41 من الفصل السابع من الميثاق. كما يطالب إيران بالتصديق فوراً على البروتوكول الإضافي على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، ويهيب بجميع الدول والمؤسسات المالية الدولية أن تمتنع عن تقديم منح وقروض ومساعدات مالية إلى حكومة إيران إلا إذا كان ذلك لأغراض إنسانية وإنمائية.
فشل الأمم المتحدة في الشرق الأوسط
لم يتمكن مجلس الأمن إذن من التوصل إلى حل ناجع للقضايا الساخنة في الشرق الأوسط، ومازالت هذه المنطقة عائمة على فوهة بركان. ويمكن تفسير ذلك الفشل بالاعتبارات التالية:
- طبيعة منظمة الأمم المتحدة إذ تستمد قوتها وصلاحياتها من الدول الأعضاء، فتبقى المنظمة عرضة لأهواء ومصالح هذه الدول. من شأن ذلك أن يقيد المنظمة ويحد من نزاهتها واستقلالها عن إرادة أعضائها.
- حق النقض المقصور على الدول الكبرى، إذ يفضي انقسامها وخلافاتها وتضارب مصالحها إلى استخدامها لهذا الحق، وذلك سبب رئيسي يكبِّل عمل الأمم المتحدة، ويؤدي إلى فشلها في تحقيق السلم والأمن الدوليين وتجاهلها لاعتبارات العدالة والحياد.
- انحياز الولايات المتحدة الكامل لإسرائيل، فهي تمارس سياسة الكيل بمكيالين في تناولها لقضايا الشرق الأوسط. فبينما تمنع مجلس الأمن من إصدار أي قرار يدين إسرائيل، تسهل صدور القرارات التي تصب في مصلحة إسرائيل، ولعل القرار الجائر الأخير بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل متحدية الإجماع الدولي أكبر برهان على هذه السياسة المتحيزة.
والنتيجة أن معالجة مجلس الأمن الدولي لقضايا الشرق الأوسط لا تتسم بالموضوعية وتحكمها اعتبارات مصالح الدول الكبرى. هذا هو عهدنا مع الأمم المتحدة وبخاصة مع مجلس الأمن.
الحرب الباردة الجديدة
تحولت العلاقات بين الغرب وروسيا لتكون أشبه بحرب باردة جديدة، رغم زوال خطر الشيوعيّة، وسقوط الاتحاد السوفييتي، وتحوّل روسيا إلى دولة رأسماليّة ذات نظام على النمط الغربيّ.
والمُلفت أن السياسات الغربيّة مستمرة في عدوانيتها تجاه روسيا ولا تُثمر إلا مزيدًا من استعداء الأمة الروسيّة، وتسهم العقوبات الاقتصاديّة التي فرضت عليها بعد ضم القرم، والجدل اللاحق بتدخل مفترض لها في الانتخابات الأمريكيّة، في تزايد شعبيّة السياسات الروسية المعادية للغرب. لقد أضاعت حكومات الغرب المتعاقبة فرصة استيعاب روسيا إيجابيًا بسبب سوء التقدير والعمى الأيديولوجي، وهي لا تبدو عازمة على تغيير ذلك النهج في المستقبل المنظور. ولم تُفلح المواقف العقابية الأمريكية والبريطانية ضد روسيا مؤخرًا إلا في تصاعد شعبية بوتين وتقدمه الكاسح في الانتخابات الأخيرة.
تطمح روسيا إلى العودة إلى الشرق الأوسط من بوابة سوريا، وتسعى لاستعادة معاقلها القديمة، كما هو الحال في ليبيا، والحفاظ على علاقات مميزة مع الجزائر، وتتطلع إلى علاقات استراتيجية مع مصر ودول الخليج، وقد أثمر ذلك بالفعل في صفقات السلاح المتميزة مع دولة الإمارات والسعودية وقطر. إن القوى الكبرى المتمثلة في الولايات المتحدة وروسيا والصين والغرب تتنافس على المستوى الاقتصادي والسياسي والعسكري لتحقيق أكبر عائد لها من دول النفط، ونظرة إلى الإنفاق العسكري واتفاقيات الاستثمار مع دول المنطقة تؤيد هذه الرؤية. وحتى تطور برنامج إيران الصاروخي والنووي (الذي يعترض عليه الكبار) يُحَفِّز الآخرين على الشاطئ المقابل لمزيد من الإنفاق (الذي يصُبُّ في مصلحة الكبار) لتحقيق التوازن الاستراتيجي بين إيران والخليج.
ويبدو أن تدمير المنطقة العربية وتفتيتها لصالح إسرائيل هو استراتيجة ثابتة للولايات المتحدة الأمريكية لم تتغيرإلامنحيث وسائل تحقيق هذا الهدف، منذ التحريض على حرب الخليج وغزو العراق، مرورًا بخلق الثورات العربية، ودعم التيار الديني السياسي للإخوان المسلمين، وإشعال المنطقة باقتتال طائفي ومذهبي، وجعلها على فوهة بركان تمثله الأزمات الخليجية الراهنة.
تحديات أمنية
تواجه منطقة الخليج قضايا أمنية وعليها أن تتعامل مع تحديات أمنية حقيقية. ومنها:
- خطر المتطرفين الداعمين لداعش، وقد تعرضت السعودية لسلسلة من هجمات لعناصر القاعدة في الخليج العربي.
- تأثر الاستقرار الداخلي بفعل التوتر الطائفي بين السنة والشيعة، ويتصل ذلك بمظاهر العنف في البحرين والعراق واليمن.
- خطر الحوثيين في اليمن الذي يعاني من انقسامات عميقة، وقد وصلتهم أنظمة صاروخية بالستية من إيران. ومنذ مارس 2015 م، تواصل السعودية والإمارات الحرب على الحوثيين.
- تسعى إيران للحصول على أسلحة نووية، وقد أعلنت امتلاكها لأسلحة كيماوية. تمتلك إيران صواريخ بالستية وصواريخ كروز وطائرات مسلحة بدون طيار، وتسعى لتحقيق مستويات فائقة من الدقة والاعتمادية، وصولا إلى (أسلحة تأثير شامل)، حتى وإن لم تتوفر لها الرؤوس النووية التي تجعل منها (أسلحة تدمير شامل).
- تهديد السفن العابرة في الخليج والمحيط الهندي بصواريخ مضادة للسفن تنطلق من الأرض والبحر والجو.
- يتزايد تأثير إيران في المنطقة، من خلال علاقتها بحزب الله اللبناني، ونظام الأسد في سوريا، والحوثيين في اليمن، وعناصر في العراق وأفغانستان والبحرين.
القوات العربية المشتركة
اتخذ مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة القرار رقم ٦٢٨ بتاريخ ٢٩/٣/٢٠١٥م، بإنشاء قوة عربية مشتركة لصيانة الأمن القومي العربي. ونص البروتوكول المقترح على أن تُنشأ قوة عربية عسكرية مشتركة للتدخل السريع، تشارك فيها الدول الأطراف اختياريًا، هدفها مواجهة التهديدات والتحديات بما في ذلك تهديدات التنظيمات الإرهابية، والتي تمس أمن وسلامة واستقرار أي من الدول الأطراف وتشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي العربي. وتضطلع القوة بالمهام التالية:
(1) التدخل العسكري السريع لمواجهة التحديات والتهديدات الإرهابية التي تشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي العربي، (2) المشاركة في عمليات حفظ السلم والأمن في الدول الأطراف، سواء لمنع نشوب النزاعات المسلحة أو لتثبيت سريان وقف إطلاق النار واتفاقيات السلام أو لمساعدة هذه الدول على استعادة وبناء وتجهيز قدراتها العسكرية والأمنية، (3) المشاركة في تأمين عمليات الإغاثة والمساعدات الإنسانية، وحماية المدنيين في حالات الطوارئ الناجمة عن اندلاع نزاعات مسلحة، أو في حالة وقوع كوارث طبيعية تستدعي ذلك، (4) حماية وتأمين خطوط المواصلات البحرية والبرية والجوية بغرض صيانة الأمن القومي العربي ومكافحة أعمال القرصنة والإرهاب، (5) عمليات البحث والإنقاذ، (6) أي مهام أخري يقررها مجلس الدفاع.
تمثل هذه القوة خطوة متقدمة نحو تمكين جامعة الدول العربية، ولأول مرة منذ تأسيسها، من التحرك المؤثر لتسوية النزاعات بل والحيلولة دون نشوبها عبر أربع آليات رئيسية هي: نظام الإنذار المبكر، وهيأة الحكماء، وقوات حفظ السلام، وبعثات المراقبين العسكريين والمدنيين. لقد ظلت فكرة إنشاء قوات حفظ سلام عربية حلمًا كبيرًا طالما راود العرب لعقود طويلة، ومن شأن هذه الآليات أن تتيح التعامل الحاسم مع الأزمات والنزاعات بعمل عربي جماعي. ولكن هل يمكن تحقيق ذلك الحلم مع وجود دول عربية لها مصالح خاصة تتعارض مع الأمن القومي العربي، أو وجود قوى محلية تعمل لحساب قوى إقليمية غير عربية؟
خاتمة
لا تزال هناك قضايا عالقة أمام الأمم المتحدة يَستَعِر أُوَارُها، مثل الصراعات في سوريا واليمن وليبيا والعراق، والبرنامج النووي الإيراني، والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على دول الجوار. هل يمكن انتشال هذه الدول التي طحنتها الحروب من أزمتها؟ ومتى يتحقق لها الاستقرار الحقيقي الذي يعني إتاحة فرص التعلم والوظائف والقضاء على الفساد؟ لقد آن الآوان لتحقيق حلم تأسيس القوة العربية المشتركة، ودعمها بالتكامل في الصناعات العسكرية، والتدريبات الدورية المشتركة، لتكون أداة حاسمة لحل النزاعات ورعاية الأمن والسلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أكاديمي ــ جمهورية مصر العربية