إن قيام إسرائيل في فلسطين يمثل مشروعًا استعماريًا استيطانيًا لم يشهد له التاريخ الحديث والمعاصر مثيلاً بل وحتى العصور القديمة، أسهمت في هذا المشروع الاستعماري الدول الكبرى والمنظمات الدولية، فقد أعلنت بريطانيا وعد بلفور في الثاني من نوفمبر 1917م، لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وتنافست الدول الأوروبية في ذلك في ظل هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وكان عنوان جريدة New York Herald يوم دخول الجنرال الانجليزي اللينبي القدس يبين البعد الديني في المشروع الاستعماري، يعني إنقاذها وتسليمها لليهود كما أعلن الرئيس الأمريكي ترامب بعد مئة عام. وسهلت بريطانيا للحركة الصهيونية بتعزيز وجودها في فلسطين وتشجيع الهجرة اليهودية حتى أعلنت إسرائيل عام 1948م، ومنذ ذلك الوقت والشعب الفلسطيني يتعرض للاضطهاد وتتعرض المنطقة للحروب التي تشنها إسرائيل منتهكةالقانون الدولي ورافضة للقرارات التي تصدرها المنظمات الدوليةوتجد دعمًا من الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة.
عنوان جريدة New York Herald تاريخ 11 ديسمبر 1917م، يوم دخول الجنرال اللينبي
القدس" بريطانيا تنقذ القدس بعد 673 عامًا من حكم المسلمين"
عصبة الأمم والانتداب على فلسطين
أُنشئت عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الاأولى (1914-1918م) ، تلبية لدعوة الرئيس الأمريكي ولسون لحفظ الأمن والسلام الدوليين بالطرق السلمية في مبادئه الأربعة عشر، وفي مؤتمر الصلح 1919م، تم الاتفاق عليها وباشرت عملها عام 1920م، وفي السادس من يوليو 1921م، أعلنت عصبة الأمم مشروع الانتداب البريطاني على فلسطين، وتمت المصادقة على المشروع في 24 يوليو 1922م، ووضع موضع التنفيذ في 29 ديسمبر 1922م، وقد جاء في المادة الرابعة من صك الانتداب " يعترف بوكالة يهودية ملائمة كهيأة عمومية لإسداء المشورة إلى إدارة فلسطين والتعاون معها في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك من الأمور التي قد تؤثر في إنشاء الوطن القومي اليهودي ومصالح السكان اليهود في فلسطين "؟ إن عصبة الأمم منذ بداية عملها، تتحكم فيها الدول الكبرى كانت ضد حقوق الشعب الفلسطيني وتمهد لإنشاء الدولة اليهودية في فلسطين رغم ما نص عليه ميثاقها بالتـأكيد على حق تقرير المصير وتحقيق الأمن والسلام الدوليين.
هيأة الأمم المتحدة وقرار التقسيم 181
وبعد فشل العصبة وإعلان الحرب العالمية الثانية (1939-1945م)، تم إنشاء هيأة الأمم المتحدة كوريث لعصبة الأمم المتحدة عام 1945م، وقد نقلت بريطانيا الدولة المنتدبة القضية الفلسطينية إلى هيأة الأمم المتحدة، فكانت الهيأة مجحفة في حقوق الشعب الفلسطيني منذ بداية عهدها، فقد قررت الأمم المتحدة تقسيم فلسطين إلى دولة عربية وأخرى يهودية في قرارها 181 بتاريخ 29 نوفمبر 1947م، في الوقت الذي كان العرب يشكلون أكثر من ثلثي سكان فلسطين ومنحت لليهود وهم أقلية 55% من مساحة فلسطين، ولم يكن اليهود في ذلك الوقت يملكون سوى 7% من أراضي فلسطين، وخصص إلى أهل فلسطين العرب 45% من أراضي فلسطين، ولذلك كانت الأمم المتحدة منذ بداية عهدها تتجاهل انتهاكات حقوق الشعب الفلسطيني، وقد رفضت الدول العربية قرار التقسيم. وعندما أعلنت إسرائيل في الرابع عشر من مايو 1948م، اعترفت بها الولايات المتحدة في نفس اليوم، أما الاتحاد السوفيتي فقد اعترف بها أيضًا في 17 مايو 1948م، ولذلك نجد أنه رغم الحرب الباردة بينهما إلا أنهما السوفييت والولايات المتحدة كانتا متفقتين على إنشاء إسرائيل انتهاكًا للقوانين الدولية ومتآمرة على العرب والمسلمين الذين كانت دولهم ما زالت تحت الهيمنة الاستعمارية، فقد كانت الجامعة العربية تضم آنذاك سبعة دول عربية فقط.
قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194 وعودة اللاجئين الفلسطينيين
وإثر الحرب بين العرب وإسرائيل عام 1948م، وقيام إسرائيل بطرد الفلسطينيين من أراضيهم وقراهم ومدنهم، وبعد الهدنة، فقد قررت الجمعية العامة في قرارها 194 بتاريخ 11 ديسمبر 1948م، بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي طردوا منها ، وعندما قدمت إسرائيل طلب الانضمام للأمم المتحدة في 15 مايو 1948م، فقد وافقت كل من الولايات المتحدة، الأرجنتين، كولومبيا والاتحاد السوفيتي وأوكرانيا على طلب الانضمام إلا أن مجلس الأمن رفض طلب الانضمام، وعندما عادت إسرائيل بتقديم طلب الانضمام في ربيع 1949م، وافقت الجمعية العامة في قرارها رقم 273 بتاريخ 11 مايو 1949م، على قبول إسرائيل بالمنظمة الدولية بعد إعلانها بأنها " تقبل بدون تحفظ الإلتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة وتتعهد بتطبيقها من اليوم الذي تصبح فيه عضوًا في الأمم المتحدة "، وبأنها تتعهد بتطبيق قرار الجمعية الصادر 29 نوفمبر 1947م، أي قرار التقسيم وقرار جق العودة للاجئين الفلسطينيين 194، ورغم تعهد إسرائيل، فإنها لم تنفذ هذ القرارات حتى الآن بل أنها تسعى لإنهاء عمل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وترفض حق العودة .
اغتيال وسيط الأمم المتحدة الكونت برنادوت
اختارت الأمم المتحدة عام 1948م، الكونت برنادوت وسيطًا بين العرب وإسرائيل، وقد ساهم في تحقيق الهدنة الأولى بين العرب وإسرائيل 11 يونيو 1948 م، وأعد خطة لحل الصراع لم يرضى عنها اليهود، وكانت تتضمن عودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم ووقف الهجرة اليهودية وأن تبقى القدس تحت السيادة العربية، وقد أثارت المقترحات في خطته غضب اليهود، فقامت منظمة الأرغون التي كان يرأسها مناحيم بيغن ومنظمة شتيرن التي ترأسها إسحق شامير باغتيال الوسيط الدولي برنادوت 17 سبتمبر 1948م، وقد تم الاغتيال قبل أن يقدم برنادوت خطته للامم المتحدة، حيث استطاعت المنظمات اليهودية اختراق مكتب المبعوث الدولي والاطلاع على الخطة التي رأت أنها ليست في صالح إسرائيل التي أعلنت حديثًا، ولذلك تم إجهاض دور الأمم المتحدة في إيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي وعودة اللاجئين ودفنته في مهده .
الانقسامات السياسية العربية وعدم وجود استراتيجية
قامت كل من بريطانيا وفرنسا بتنفيذ اتفاقية سايكس –بيكو 1916 م، بينهما، فأصبحت العراق وشرق الأردن وفلسطين تحت الانتداب، وفرنسا فرضت انتدابها على سوريا ولبنان، ولذلك كان المشرق العربي تحت السيطرة الأجنبية، بل فرضت كل من بريطانيا وفرنسا من يحكم في هذه الدول آنذاك، وساهمت عصبة الأمم بشرعنة الانتداب. استقلت مصر عام 1922م، والعراق عام 1932م، وأعلنت المملكة العربية السعودية عام 1932م، وكانت بقية دول الخليج تحت الانتداب البريطاني، وكان الوجود البريطاني في مصر رغم الاستقلال حتى الجلاء 1956م، ولذلك كانت أيضًا الإرادة السياسية في أغلبها لبريطانيا وفرنسا، ولم تكن هذه الدول فعالة في عصبة الأمم أو حتى هيأة الأمم المتحدة عندما أعلنت إسرائيل .وحتى الجامعة العربية التي وقع ميثاقها عام 1945م، فكانت بالأساس فكرة بريطانيا وهو ما عرف بتصريح أيدن وزير الخارجية البريطاني في مجلس العموم البريطاني 24 فبراير1943 م، لكسب تعاطف الشعوب العربية في الحرب العالمية الثانية .
وعندما نشبت حرب 1948م، بين العرب واليهود ودخلت الجيوش العربية، لم تكن هناك استراتيجية للقيادة الموحدة أو حتى استراتيجية لكل دولة، وكانت الخلافات بين الدول العربية وعدم الثقة في أشدها ويصف الخبير الاستراتيجي هيثم الكيلاني الواقع وعدم التعاون والثقة في كتابه الاستراتيجيات العسكرية للحروب العربية –الإسرائيلية 1991م، بقوله " كان لدى العراق 8 طائرات ذوات قنابل بمواصفات خاصة، وكان لدى مصر قنابل تصلح للاستعمال على هذه الطائرات. فعرضت مصر أن تأخذ الطائرات، ورأى العراق أن تقدم مصر القنابل . وتشبث كل برأيه، حتى إذا انتهت الحرب، أعطت العراق مصر أربع طائرات، وسوريا ثلاثًا، وسقطت الثامنة في الطريق. (هيثم كيلاني ص137 ).
فإذا كانت الدول في حالة خلافات سياسية وتحت السيطرة الأجنبية واستقلالاً شكليًا، فتكون فعاليتها الدولية ضعيفة لأنها في حالة تبعية سياسية وبالتالي ينعدم تأثيرها في المنظمات الدولية والإقليمية التي تتحكم فيها عادة الدول الكبرى كما هو الحال في هيأة الأمم المتحدة التي يتحكم فيها منذ إنشائها الدول الخمس الكبار الدائمة العضوية التي تملك حق النقض (الفيتو).
قرارات مجلس الأمن الدولي 242، 338، 487، 497
تنص الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة بأن " تمتنع الدول الأعضاء في المنظمة، في علاقاتها الدولية، عن اللجوء بالقوة أو استعمالها سواء ضد سلامة أراضي جميع الدول أو استقلالها السياسي، أو بأي شكل آخر لا يتلاءم وأهداف الأمم المتحدة". ولكن نلاحظ أن إسرائيل والدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية لم تلتزم بالميثاق. فإسرائيل شنت حربها على الدول العربية المجاورة في الخامس من يونيو/ حزيران 1967م، واحتلت أراضي كل من الضفة الغربية وسيناء وهضبة الجولان، وفشلت الأمم المتحدة في حل الأزمة آنذاك بل أسهمت بشكل أو بآخر في منع العدوان عندما سحبت القوات الدولية من سيناء، كما أنها أيضًا فشلت في منع احتلال الولايات المتحدة للعراق عام 2003م، وتدخلت روسيا في سوريا وقتلت الطائرات الروسية مئات المدنيين السوريين وفشلت هيأة الأمم المتحدة في اتخاذ موقف حاسم لوقف التدخل الروسي. لذلك نحن نشهد فشلا متواصلاً لهيأة الأمم المتحدة لمنع العدوان على الدول العربية، وأن قراراتها لا تنفذ في ظل هيمنة الدول الكبرى وتأييد هذه الدول للعدوان بأشكال مختلفة وحماية الدول المعتدية من خلال استعمال حق الفيتو.
أصدر مجلس الأمن الدولي قراره 242 في 22 نوفمبر 1967م، يطالب فيها إسرائيل من الأراضي التي احتلتها بالقوة ورغم مرور خمسين عامًا إلا أن إسرائيل لم تنفذه بل تحاول إجهاضه والالتفاف عليه بكل الوسائل وقامت ببناء المستوطنات في الضفة الغربية رغم الإدانات الدولية. بل إن لغة القرار الدولي الذي صاغة المندوب البريطاني اللورد كرادون جعله غامضًا وخاصة الفقرة الخاصة بالانسحاب من الأراضي المتحدة عندما أسقط "ال" التعرف، علمًا بأن النص واضح في النص الفرنسي والروسي والصيني بالانسحاب من كافة الأراضي المحتلة، وكأن المجلس كان متواطئًا في أن يكون غامضًا ليفسح لإسرائيل بعدم الانسحاب الكامل وهي تسيطر على الضفة والجولان.
كما أصدر مجلس الأمن الدولي قراره 338 في 22 اكتوبر 1973م، أثناء حرب العاشر من رمضان ( السادس من أكتوبر ) 1973م، يطالب فيه إسرائيل من الانسحاب من الأراضي المحتلة وتنفيذ القرار 242، ولكن على أرض الواقع، فإن القوة العسكرية أكثر فعالية من قرارات هيأة الأمم المتحدة، فعبور القوات المصرية لقناة السويس في حرب 1973 م، وانهيار رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير هو الحاسم في استرجاع سيناء ونهاية أسطورة الجيش الذي لا يقهر ، كما أن الجيش السوري في حرب أكتوبر استرجع بعض الأراضي السورية في الجولان، ولذلك فالقوة كما يقول هانس مورجنثاو هي التي تحمي مصالح الدولة وحقوقها وليست قرارات مجلس الأمن الدولي .
وقد أصدر مجلس الأمن الدولي قراره 487 بتاريخ 19 يونيو 1981م، بإدانته للعدوان الإسرائيلي لقصف المفاعل النووي العراقي، وطالب المجلس في قراره أن تضع إسرائيل فورًا منشآتها النووية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما اعتبر الحق للعراق بطلب التعويضات عن الأضرار عن الدمار، ولكن لم ينفذ مجلس الأمن قراره، وأصدر قرارات يتهم العراق بمحاولة امتلاك السلاح النووي وكانت النتيجة فيما بعد احتلال العراق، وأثبت الاحتلال أن هدفه تدمير القوة العسكرية العراقية والسيطرة على بتروله وتفكيك العراق خدمة لإسرائيل، ولا زالت إسرائيل ترفض إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 497 في 17 ديسمبر 1981م، بإدانة إعلان إسرائيل بضم الأراضي المحتلة لهضبة الجولان السورية، ولم تنفذ إسرائيل قرارها ولا زالت الجولان محتلة وتعتبر الجولان ضمن إسرائيل وقامت ببناء المستوطنات في الجولان، ولذلك تبقى قرارات مجلس الأمن أو الجمعية العامة بالنسبة لإسرائيل حبرًا على ورق بسبب حماية الدول الكبرى لاحتلالها وخاصة الولايات المتحدة باستعمال حق النقض ضد أي قرار يدين إسرائيل.
الأمم المتحدة والقدس
لقد صدرت عشرات القرارات من أجهزة الأمم المتحدة بشأن القدس سواء من مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العامة أو منظمة اليونسكو، ففي اتفاقية سايكس بيكو 1916 م، اتفق أن تكون القدس دولية، وتجاهلت بريطانيا ذلك وشجعت الهجرة اليهودية لفلسطين والقدس خاصة. ونص قرار التقسيم 181 لسنة 1947م، على أن تكون القدس تحت الوصاية الدولية، وفي عام 1949م، صدر قرار للجمعية العام رقم 303 والذي لا تعترف فيه بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل. كما صدرت عدة قرارات للجمعية العامة على سنوات مختلفة تدين الاستيطان والحفريات وتغيير معالم القدس الشرقية.
أما بالنسبة لمجلس الأمن الدولي فقد صدرت قرارات متعددة حول القدس على أنها أرض محتلة مثل قرار 242 وغيرها، ولكن إسرائيل لم تلتزم بذلك، ويتعزز دورها في القدس بالموقف الأمريكي، فإعلان الرئيس الأمريكي ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس باعتبارها عاصمة إسرائيل في 21 ديسمبر 2017 م، فقد رفض أربعة عشر من أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر القرار على اعتبار القدس أرض محتلة ولها وضع خاص ، وبقيت الولايات المتحدة وحيدة في موقفها، كما أن 128 عضوًا من الجمعية العامة ضد القرار ، ومع ذلك تبقى الولايات المتحدة كقوة عالمية ولها حق الفيتو وتجهض أي قرار يدين إسرائيل وسياستها في فلسطين .
فقدان المصداقية للأمم المتحدة
إن قرارات الأمم المتحدة وبمختلف أجهزتها رغم تعددها إلا أنها لا تتمتع بالمصداقية، فالقرارات بالنسبة للاحتلال لم تنفذ، وكذلك كل القرارات بالنسبة للقدس تجاهلتها إسرائيل، وقد لا تتحمل المنظمة الدولية كل المسؤولية ، ولكن الميثاق للأمم المتحدة منذ إنشائها لم يتغير رغم تغير الظروف الدولية وهناك 193 دولة في المنظمة ورغم ذلك لا زالت الخمس الدائمة العضوية تتحكم في القرارات، علمًا بأن هناك دول صاعدة وأخرى قوية ليس لها دور فعال في الأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي مثل ألمانيا، والهند، واليابان، فالنظام الدولي عام 1945م، عند توقيع الميثاق يختلف عن النظام الدولي في القرن الحادي والعشرين الذي يتجه نحو التعددية القطبية، وعند توقيع الاتفاق لم تكن معظم الدول العربية مستقلة، ولذلك إن ميثاق الأمم المتحدة بحاجة للاصلاح سواء بالنسبة لعضوية مجلس الأمن الدولي أو الدول الدائمة فيه.
وانعدام المصداقية لا يتوقف على القضية الفلسطينية، فالأمم المتحدة لم تمنع الاحتلال الأمريكي للعراق، بل صرح كوفي أنان الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك أن الاحتلال الأمريكي كان خارج نطاق الأمم المتحدة ودون موافقة مجلس الأمن الدولي، كما أعطت الأمم المتحدة غطاء شرعيًا للتدخل العسكري في سوريا وليبيا مما أوجد مآس على المدنيين، كما أن موقف الأمم المتحدة من مذابح وانتهاك حقوق المسلمين في ماينمار وسيرلانكا يعطي مؤشرًا أن الأمم المتحدة مجحفة في حقوق الشعوب العربية والإسلامية!
تستطيع الدول العربية والإسلامية أن تكون مؤثرة في الأمم المتحدة
إن الدول العربية والإسلامية تملك كل أسباب القوة سواء الاقتصادية والموقع الاستراتيجي وغيرها من عناصر القوة، ومنظمة التعاون الإسلامي عددها 57 دولة، والتأثير في هيأة الأمم المتحدة من خلال العلاقات العربية مع الدول الأعضاء في هيأة الأمم المتحدة وخاصة الدول الخمس الدائمة العضوية، فالصين لها علاقات اقتصادية مع الدول العربية والإسلامية وكذلك بريطانيا وفرنسا وغيرها، والدول تبني علاقاتها على المصالح.
وكما نشرت مجلة Foreign Policy في 15 مارس 2017م، فإن السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هيلي قدمت مذكرة للبيت الأبيض من ثلاثة وخمسين صفحة، تطالب فيها بقطع المساعدات عن 40 دولة صوتت ضد الولايات المتحدة وإسرائيل في 21 ديسمبر 2017م، بمعنى صوَت مع الولايات المتحدة في الأمم المتحدة وإلا سنقطع المساعدات عنك. فإذا دولة تعتبر نفسها رائدة الديمقراطية في العالم وترفع علم الحرية تربط المساعدات بالتصويت، فإن ذلك يدفع الدول للمساومة في عملية التصويت؟
إذا استطاعت الدول العربية توحيد استراتيجيتها في التعامل مع هيأة الأمم المتحدة من خلال علاقاتها مع الدول الأعضاء يمكن تحقيق التأثير، فمثلاً عندما تم استعمال البترول كورقة ضغط في حرب أكتوبر 1973م، غيرت بعض الدول الغربية من سياستها من إسرائيل، وكذلك قطعت بعض الدول الإفريقية علاقاتها مع إسرائيل، وبعضها رفض إقامة علاقاتها، وبالتالي أثر ذلك على التصويت في الجمعية العامة أو مجلس الأمن الدولي. ونجد أن الدول العربية استطاعت تمرير القرار 3379 في العاشر من نوفمبر 1975م، والذي نص " أن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري"، وطالب القرار جميع دول العالم بمقاومة الأيديولوجية الصهيونية التي حسب القرار تشكل خطرًا على الأمن والسلم العالميين، وقد صوت للقرار 72 دولة مقابل 35 دولة، ولكن عندما اختلفت الدول العربية في سياساتها وحدث الانقسام بينها، الغي القرار في 16 ديسمبر 1991م، بعد عاصفة الصحراء. وتستطيع الدول العربية أن تحشد إلى جانبها دول عدم الانحياز في التصويت بالأمم المتحدة، ونلاحظ أن تضامن الدول العربية والإسلامية بشأن القدس قد أدى إلى تصويت أربعة عشر عضوًا في مجلس الأمن الدولي و128 عضوًا في الجمعية العالم للتصويت ضد قرار ترامب بشأن القدس. والخلاصة أن الدول العربية يمكن أن تكون فعالة في هيأة الأمم المتحدة إذا تضامن وأقامت علاقات قوية مبنية على المصالح المتبادلة من الدول الأعضاء والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لصالح القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا العربية .
ورغم أن الأمم المتحدة لا تملك قوة تفرض قراراتها بالقوة العسكرية، وإنما تحقق قوتها من خلال الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بالعقوبات الاقتصادية واستعمال الفصل السابع من الميثاق للأمم المتحدة، وهذا يأتي في حالة إجماع الدول الخمس أو عدم استعمل حق الفيتو، والقضية الفلسطينية قضية عادلة، ولكنها تحتاج إلى موقف عربي وإسلامي موحد من خلال الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ العلوم السياسية في جامعتي الحسين بن طلال والملك عبد العزيز سابقًا