array(1) { [0]=> object(stdClass)#14121 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 215

اتفاقية الدفاع المشترك بين المملكة وباكستان ليست دعوة للحرب أو التراشق النووي بل فرصة للسلام

الأربعاء، 29 تشرين1/أكتوير 2025

يوم الأربعاء ١٧ سبتمبر ٢٠٢٥م، وُقعت في الرياض معاهدة للدفاع المشترك بين المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية. ليس في صياغة نص الاتفاقية (المعاهدة) ولا في بنود متنها، ما يجعلها تختلف، من الناحية القانونية، في نصوص صياغة بنودها، ولا فيما تفرضه من التزامات أطرافها، تجاه بعضهم البعض، ما يجعلها تختلف عن أي معاهدة عقدت بين طرفين دوليين لتعزيز عرى الروابط الخاصة بينهما، بالذات: تلك التي لها علاقة مباشرة بأمن أطرافها. تاريخياً: لا تُثار الحاجة للدفاع المشترك، سواء على المستوى الثنائي أو الجماعي، إلا في حالة الشعور بدقة وحساسية الأوضاع الأمنية، سواء على المستوى الإقليمي أو على المستوى الدولي، بما يتجاوز إمكانات طرف دولي بعينه، مواجهة تلك التحديات الأمنية، لوحده.

الحاجة المشتركة لمعاهدات الدفاع المشترك

تلجأ الدول، أحياناً، لصيغة الدفاع الجماعي المشترك، مع أطراف إقليمية أو دولية، في حالتين اثنتين. أولاً: الرغبة في تعزيز أمنها القومي تجاه تحديات أمنية من البيئتين الإقليمية والدولية، تتجاوز إمكانات الطرف الدولي الذاتية، التصدي لها ومواجهتها. ثانياً: قد تلتقي إرادات دولتين أو أكثر لصياغة اتفاقية أو معاهدة أمنية بينها، لتوزيع تكلفة الأعباء الأمنية بينها، لضمان رفع كفاءة دفاعاتها الأمنية، بأقل تكلفة اقتصادية أو استراتيجية أو سياسية، ممكنة. أحياناً يمكن أن تُضاف عبارة عدم اعتداء، قبل عبارة دفاع مشترك أو بعدها، لا من أجل خفض درجة توتر مزمنة بينهما، فقط، بل من أجل مواجهة تهديد مشترك لكليهما، يتجاوز ما كان يحكم علاقات أمنية متوترة وغير مستقرة بينهما.

في كل الأحوال تجد اتفاقات الدفاع المشترك بين طرفين دوليين أو أكثر، تبريرها، في وجود عدو مشترك متربص بأطراف أي اتفاقات دفاعية، تحتاج إلى استراتيجية ردع فعالة لإثناء هذا العدو عما يفكر فيه من الإضرار بأمن أحد أطراف معاهدة الدفاع المشترك، أو جميعهم.

اتفاقيات الدفاع المشترك، استراتيجياً، ليست دعوة للحرب، بل لتفادي الوقوع في أتون حرب محتملة. من أهم مبررات عقد اتفاقيات الدفاع المشترك، ليس استبعاد خيار الحرب بين أطرافها، بما قد يوحي من عنوانها العريض.. ولا من مواجهة عدو قد يغريه خيار الحرب، بأن يجازف بشنها، عند سيادة وضع فيه إخلال شديد في ميزان القوى. باختصار: اتفاقات الدفاع المشترك استراتيجياً، تجد تبريرها وتفسيرها في منع الحرب، وليس الوقوع في براثنها. اتفاقيات الدفاع المشترك، لها نصيب من اسمها، أكثر مما يوحي به الاسم من تحريض على الحرب، في حالة نجاح صيغتها في تحقيق التوازن المطلوب بين أطراف معادلة اتفاقيات الدفاع المشترك، والطرف الآخر في حركة الصراع، سواء كان هذا الطرف إقليمياً أم أممياً. بعبارة أخرى، لا ينتج عن اتفاقيات الدفاع المشترك، فائض قوة قد يحول حالة الحلف بين أطرافها إلى اتباع استراتيجية قتالية محتملة، ضد بعضهم البعض.

كما أن اتفاقيات الدفاع المشترك، لا تقتصر على الأطراف الضعيفة في أي معادلة لتوازن القوة، سواء كانت إقليمية أو دولية. القوى العظمى، أيضاً، قد تلجأ إلى علاقات تحالف، إما لردع أطراف خارجية عن التفكير في خيار الحرب لتسوية مشاكلها مع الجانب الآخر في معادلة توازن القوى القائم، أو تشكيل تحالف مشترك لمواجهة عدو والحرب معه محتدمة، ومن هنا جاء مصطلحي الحلفاء ودول المحور، في الحرب العالمية الثانية، أو من أجل تعزيز إمكانات الردع الخاصة بهم، لمواجهة أي تطور محتمل على الساحتين الإقليمية والدولية، بعد أن تضع الحرب أوزارها.

الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، لم يفكروا في قطع عرى التحالف بينهم، بعد انتصارهم في الحرب، بل زادوا من تحالفهم الاستراتيجي، بالإبقاء على تحالفهم القديم قبل الحرب، خاصةً بعد أن أقدم الاتحاد السوفيتي (حليف رئيس في صفوف حلفاء الحرب الغربيين) على التخلص من التزامه مع الحلفاء أثناء الحرب ليشكل بنفسه، طرفاً جديداً مبرراً لاستمرار التحالف الغربي في شكل معاهدة تحالف جديدة (معاهدة حلف شمال الأطلسي (٤ إبريل ١٩٤٩م) سميت اختصاراً بـ النِاتو) في المقابل، جعل الاتحاد السوفيتي من نفسه، قطباً مناوئاً، في مواجهة الناِتو، بأن أنشأ ما عرف بحلف وارسو (١٤ مايو ١٩٥٥م).

تجربة التحالف في منطقة الشرق الأوسط

لم تدخل منطقة الشرق الأوسط في تحالفات بين دوله لها إمكانات ردع حقيقية وفعالة.  العرب، وقبل قيام إسرائيل، شعروا بتهديد أمني حقيقي من احتمال قيام دولة يهودية في فلسطين التاريخية. كان استشعار العرب بخطورة قيام إسرائيل قبل قيام الأمم المتحدة، التي أعطت شهادة ميلاد الدولة العبرية من الجمعية العامة للأمم المتحدة، بموجب القرار: ١٨١ (٢٩ نوفمبر ١٩٤٧م).  بل أن العرب، من أهم دوافعهم الاستراتيجية في استشعار الخطر الآنيّ في قيام إسرائيل، اتفاقهم على إقامة الجامعة العربية، في قمة أنشاص (٢٩ مايو ١٩٤٦م).

 أهم قرارات أول مؤتمر قمة عربي في أنشاص، كان استراتيجي بامتياز حيث ربط مصير فلسطين بمصير الدول العربية، والهاجس العربي الأمني تجاه احتمال قيام إسرائيل سبق به العالم، حتى قبل أن تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها. في بروتوكول الإسكندرية (٧ أكتوبر ١٩٤٤م) أعلن في أول قمة عربية إقامة الجامعة العربية، ونص ميثاقها، لأول مرة، على قضية الدفاع المشترك، عندما أشارت المادة السادسة من الميثاق، على أن أي اعتداء على عضو بالجامعة يعتبر اعتداء على بقية الأعضاء ومن واجب الجميع أن يهبوا لنجدة العضو العربي، الذي تعرض للاعتداء، سواء من داخل عضوية جامعة الدول العربية، أو من خارجها.

لم تسلم نظرية الأمن القومي العربي، التي نُص عليها في ميثاق جامعة الدول العربية، من تدخلات القوى الاستعمارية، بعد الحرب العالمية الثانية، وحاولت القوى الاستعمارية الجديدة، بالذات أمريكا، أن يمتد نفوذها للمنطقة، بجرها لفلك أحلاف الحرب الباردة، بعيداً عن قضايا الأمن الحساسة والدقيقة، التي استشعر العرب خطورتها على أمنهم، بإعلان قيام، حتى قبل أن تضع الحرب الكونية الثانية أوزارها.. وقبل إنشاء الأمم المتحدة.

كان الغرب، بزعامته الجديدة (أمريكا)، يُسّوق لاستراتيجية توسعية في المنطقة تقوم على ربط دولها بسلسلة أحلاف، لربط مصالح القوى الدولية بأمن المنطقة، لاستعادة النفوذ الاستعماري إليها برموز جديدة ومبررات مبتكرة وبأيدلوجية غربية، ليس للعرب فيها ناقة ولا جمل. حتى بعد أن نجح العرب أواسط الخمسينيات بتطوير تكتل موازٍ بعيداً عن نفوذ القوتين العظميين في ذلك الوقت، فيما عرف بمجموعة عدم الانحياز، بعد مؤتمر باندونج (١٨-٢٤ أبريل ١٩٥٥م)، نرى أمريكا تدخل من الباب الخلفي وتسوق لصيغة أحلاف جديدة الهدف منها حصار الاتحاد السوفيتي من الشرق، خلف جدار حديدي، يمنع المنطقة العربية من التواصل مع العالم، بحجة ملء الفراغ، وكأن الغرب يريد الإبقاء على إرثه الاستعماري في المنطقة، بنفوذ إمبريالي جديد يتمركز حيث ما كان يتواجد نفوذ غربي (استعماري) قديم.

أول محاولة، كانت محاولة جر المنطقة من جديد لصيغة الأحلاف، بدلاً من النهج الاستعماري التقليدي، بالاحتلال المباشر. عن طريق إقامة ما سمي حينها، بحلف بغداد الذي يضم دول غير متجانسة، لا تربطها أي قضايا أمنية مشتركة، اللهم سوى نية مبيتة لاستيعاب إسرائيل في المنطقة، التي كانت ومازالت منذ إنشائها عامل عدم استقرار خطير للمنطقة والعالم.

الغريب أن حلف بغداد (٢٤ فبراير ١٩٥٥م)، كان يضم دولة عربية واحدة (العراق)، بينما يمتد شمالاً من تركيا مروراً بإيران وصولاً لباكستان، ومن بعيد تطل بريطانيا. رفضت كل الدول العربية، الانضمام لهذا الحلف، عدا العراق. عدم التجانس في العضوية بعيداً عن النظام الرسمي العربي، حلف بغداد كان في حقيقته، لعزل العالم العربي عن عمقه الآسيوي الإسلامي، ليحقق مصالح أمنية لا مصلحة للعالم العربي فيها، بل لتشكيل خطورة أمنية حقيقية، بمحاولة ضم إسرائيل للحلف. الحلف، على أي حال، لم يتفاعل لا مؤسساتياً ولا عسكرياً، وما لبث أن انهار من الداخل بخروج دولة مقره (العراق)، بعد نجاح ثورة ١٤ يوليو ١٩٥٨م، في العراق. حتى بعد تحويل مقره إلى أنقرة تحت مسمى الحلف المركزي، لم تقم للحلف قائمة، حتى حُل رسمياً (١٦ مارس ١٩٧٨م).

البعد عن الأحلاف، وترتيبات الأمن الجماعي العربي

العرب، كانت لهم حساسية مفرطة من الأحلاف الأجنبية، لتجربة معظم دولهم الرئيسية مع حقبة الاستعمار التقليدي، وتوجه الدول الرئيسية الفاعلة في النظام العربي، لمحاربة رموز وقوى الاستعمار التقليدي، حيث نجح هذا التوجه المعادي للاستعمار لتحرير دول كثيرة من داخل وخارج العالم العربي وإفريقيا وآسيا، من رقبة الاستعمار.

لكن مشكلة نظرية الأمن القومي العربية، تعاني من معضلة استراتيجية كبيرة، بسبب تشتت قواها، بعيداً عن الخطر الحقيقي، داخل حمى نفوذها الاستراتيجي القريب. العرب، رغم أنهم وعوا واستشعروا الخطر الاستراتيجي، الذي يكمن في عمق حماهم الاستراتيجي (إسرائيل)، لم يفطنوا حقيقةً للخطر الوجودي، بوجود أخطر مصدر استراتيجي لوجودهم، نفسه (إسرائيل). إسرائيل، بالتأكيد كانت منتشيه في تشتت إمكانات العرب الاستراتيجية بعيداً عنها، مما حدا بالدولة العبرية، أن تركز على إمكانات العرب الاستراتيجية، لإبعاد الخطر العربي الاستراتيجي عن وجودها، بل عن استراتيجيتها التوسعية، على حساب أمن العرب القومي.

العرب منذ إنشاء نظامهم الإقليمي الرسمي فشلوا في إقامة نظام أمني إقليمي متكامل، جدير بأن يلبي متطلبات أمنهم القومي، بصورة جماعية أن العرب انشغلوا بأمن دولهم (فرادى)، بعيداً عن قيمة وجدوى أمنهم الجماعي، في إطار نظرية شاملة كفوء وفعالة للأمن القومي العربي. هذا فعلياً قاد لهزيمة العرب في ثلاث حروب قاسية، من قبل إسرائيل (١٩٤٨،١٩٥٦،١٩٦٧م) وكانت الحرب الرابعة (١٩٧٣م)، فاصلة في انهيار نظرية الأمن القومي العربي الجماعي، عندما رأت أكبر دولة عربية أن تجد أمنها القومي، بعيداً عن ترتيب جماعي مع العرب، تحت ظل ومظلة نظرية شاملة للأمن القومي العربي. من يومها أخذ معظم العرب (فرادى)، بعيداً عن أي جهد أمني موحد (جماعي)، يأخذ على عاتقه مسؤولية أمنه القطري وحده. لم تعد إسرائيل هي بؤرة الخطر الاستراتيجي الوجودي للعرب.. ولم تعد كل دولة عربية تنظر لأمنها القومي من منظور نظرية شاملة للأمن القومي العربي، ترتكز بصورة أساسية، على الخطر الاستراتيجي الأول (إسرائيل). حتى أن بعض العرب، مؤخراً فقدوا بوصلة أمنهم القومي، ليروا أن أمنهم القومي يرتبط بوجود إسرائيل، لا بزوال الدولة العبرية، كما كان الملك فيصل بن عبد العزيز يردد.

البحث عن آلية ردع استراتيجي فعالة

مشكلة العرب الرئيسية في بناء نظرية أمن قومي عربي جماعي، فعالة وشاملة، تكمن في غياب آلية فعالة، تتعامل مع هاجس الأمن عند العرب، بجدارة استراتيجية فائقة. العرب يعانون من قصور مزمن وخطير في مواردهم الأمنية المحدودة. قد لا يبدو هذا الأمر، للوهلة الأولى، أنه أمرٌ خطيرٌ من الناحية الاستراتيجية، خاص بالعرب وحدهم. هذه في حقيقة الأمر يشترك عدوهم الاستراتيجي الأول في معاناته منها، تمامًا كما هو عند العرب.

إسرائيل ليست العدو الذي لا يقهر، كما يُتصوره أو يصوره بعض العرب. إسرائيل كونها كيان وظيفي، في الدرجة الأولى.  إسرائيل استثمرت كثيرًا، في الإيحاء للغرب أن وجودها في المنطقة يخدم أجندة دوله وخدمة مصالحه في المنطقة، ربما أكثر من دعاوى "التبشير"، التي تحاول إسرائيل تسويقها في مجتمعات الغرب المسيحية، وتلك التي تبتزّ بها مجتمعات الغرب بدعاوى اضطهاد مجتمعات الغرب لليهود وتحملهم وزر معاداة السامية، بفعل ممارسات الهولوكوست، كما هو حال اضطهاد اليهود من قبل النازيين في ألمانيا، قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية.

إسرائيل، إذاً استخدمت الغرب في التغلب على عجز إمكاناتها الذاتية، في إقامة رادع غير تقليدي كان وراء انتصاراتها على العرب.. والأخطر استسلام العرب للصورة النمطية، التي طورها الصهاينة، بأن الدولة العبرية عسكرياً واستراتيجياً قوة لا يمكن قهرها، لأنها ببساطة باستطاعتها أن تشن حرباً إقليمية، في عدة جبهات في آن واحد وتنتصر فيها. خرافة استراتيجية هزمتها وكشفت حقيقتها الاستراتيجية فصائل فلسطينية، لم يستطع الجيش الإسرائيلي، في حربٍ طويلة، كما هو حال حرب عدوانها على غَزّةَ، التي دخلت عامها الثالث ولم تحسمها. إسرائيل لولا مساندة واشنطن لها، لما استطاعت أن تصمد أيام، في معركة طوفان الأقصى.

الردع الاستراتيجي المضاد

استراتيجياً مع هذا الخلل الخطير في توازن القوى بين العرب وإسرائيل ظهرت هناك ضرورة استراتيجية، لانتقال حالة الصراع بين العرب وإسرائيل إلى مرحلة متقدمة غير تقليدية، يكسر فيها العرب وضعية حالة الصراع من مستواه التقليدي إلى مستوىً أكثر رفعةً وتعقيدًا وخطورة، يقوم على احتمال استعمال السلاح النووي، بصورة جدية، لم يبقَ سوى إزالة ذلك الحاجز الاستراتيجي النفسي الذي عملت إسرائيل على إقامته وترسيخه، طوال سبعة عقود في وجدان وعقل النخب السياسية والعسكرية العربية.

إذا كانت إسرائيل لا تستطيع حسم حربٍ تقليدية محدودة، مع فصائل مقاومة فلسطينية لا تملك من عناصر القوة سوى الجرأة على تحدي إمكانات الدولة العبرية الاستراتيجية، بوجهيها التقليدي وغير التقليدي (النووي)، فإنه حان الوقت للعرب أن يتخلوا عن فوبيا القوة الإسرائيلية ويجربوا تصعيد مستوى الردع إلى إمكانات غير تقليدية، من الناحية الاستراتيجية. التصعيد لمستوى المواجهة غير التقليدية، بامتلاك السلاح النووي، أو البحث عن حليف نووي مستعد للمواجهة مع إسرائيل نووياً، لو حدث أن تمادت إسرائيل في عبثها بأمن المنطقة واستقرارها، وقامت بمغامرة غير محسوبة لتكرار عدوانها على قطر.. وتهديدها بأن استراتيجية ردعها غير التقليدي، لا يمكن مواجهته أو تحييده، والحؤول دون يدها الطولي الوصول إلى أي بقعة في العالم، بل ما وراء الوطن العربي.

اتفاقية الدفاع المشترك بين المملكة العربية السعودية وباكستان

لا يمكن تحقيق توازن للقوى بين العرب وإسرائيل خارج احتمال تطوير العرب لرادع استراتيجي غير تقليدي، مع توفر إرادة سياسية لاستخدامه، عند الحاجة إليه. وإذا لم يتوفر هذا الرادع، فإنه يمكن الحصول عليه من حليف، تتقارب مصالحه الأمنية، مع مصالح العرب، في مواجهة عدو مشترك ينظر للعرب ولهذا الحليف المحتمل، بنفس النظرة الاستراتيجية المهددة لأمنه، بل وحتى لوجوده.

يوم الأربعاء السابع عشر من شهر سبتمبر الماضي، فوجئ العرب وإسرائيل والعالم بأسره بتوقيع المملكة العربية السعودية لاتفاقية دفاع مشترك مع باكستان.  هذه الاتفاقية، التي لم تكن بأي شكل من الأشكال وليدة اللحظة. اتفاقية بهذا الشمول والمحتوى الاستراتيجي المتقدم، لا يمكن أبداً إلا وتكون عاكسة لعلاقات استراتيجية راسخة، ربما تعود إلى تاريخ إعلان باكستان عن امتلاكها للقنبلة النووية، بل وقبل ذلك عند بداية المشروع النووي الباكستاني، مواكبةً مع برنامج (الهند).

إذن: مبررات إقليمية، لها علاقة مباشرة بالظروف الأمنية السائدة في شبه القارة الهندية، التي فرضت احتياجات الاستقرار وضرورات التوازن الاستراتيجي، أن يكون هناك توازنًا غير تقليدي في شبه القارة الهندية بين الهند وباكستان، يقوم على دعائم (نووية) ترتكز على توازن فعال للرعب النووي، على المستوى الإقليمي. إلا أن هذا النطاق الإقليمي لإستراتيجية باكستان النووية، لا يمنع أن يمتد، إلى الشرق الأوسط، الذي تشترك فيه باكستان مع العرب إقليمياً. باكستان، يهمها استقرار إقليم الشرق، ليس من حيث إنها جزء منه، بل هناك روابط تاريخية ودينية وعقائدية تربط باكستان بالمنطقة العربية، لا يمكن تجاهل حقيقة وضع جغرافية المنطقة السياسية، بعيداً عن اهتمامات باكستان الأمنية.    

لماذا باكستان.. وبماذا يختلف التحالف مع باكستان عن غيره

في الأصل أي شكل من أشكال التوازن للقوى بين طرفين دوليين، لا يخرج عن نطاق الاحتياجات الأمنية، لكل طرف. بصفة عامة الدولة، التي تطور رادع تقليدي أو غير تقليدي، تفرضه ضرورات أمنية، في المقام الأول، وليس اعتبارات إقليمية أو دولية، يمكن أن تمتد لطرف ثالث بعيد. إلا في حالة الردع العابر للقارات، حيث يكون توازن الرعب النووي، تطال مظلته النووية أطرافاً متحالفة يعتمد أمنها القومي على مظلة أممية غير تقليدية تتكفل بتطويرها والإنفاق عليها زعيمة القطب الدولي المهيمن أو الساعي لفرض هيمنة كونية، تتجاوز احتياجاته الأمنية، إلى الدفاع عن حلفائه الدوليين. لكن، في النهاية تكون استراتيجية الأمن الجماعي، متاحة لجميع أعضاء الحلف الأمني، بما لا يتجاوز احتياجات الدولة الأم الدفاعية.

لكن في حالة باكستان، عندما تتلاشى الحدود الأمنية تجاوزاً للمحيط الإقليمي الأقرب، لتمتد إلى ما بعد الحدود الإقليمية إلى مناطق تحمل مكانة أيدلوجية حساسة ومصيرية، بعيداً عن الحدود الإقليمية للدولة الأم. في مثل هذه العلاقة الأمنية الخاصة بين باكستان والمملكة، لابد أن نشير للبعد الديني، الذي يؤمن به ٢٥٠ مليون باكستاني، يؤسّسون لشرعية امتداد المظلة النووية لباكستان لتشمل أرض الحرمين الشريفين. علاقة لا تتوفر بين دولة نووية وأخرى غير نووية. رئيس وزراء باكستان حذر إسرائيل، عقب الإعلان عن اتفاقية الدفاع المشترك مع السعودية، من مغبة التفكير في تكرار ما حدث مع قطر، أن يحدث للسعودية، عندها على إسرائيل أن تتوقع، خلال دقائق رداً (نووياً) رادعاً (كاسحاً) قد لا تتمكن إسرائيل من تفاديه، دعك من صده أو التمكن من امتصاصه واستيعابه، لتتمكن إسرائيل من الرد عليه بضربة نووية ثانية.  

تاريخياً: كانت السعودية، تعتمد في استراتيجية الدفاع، على أصدقاء غربيين، في مقدمتهم الولايات المتحدة، شأنها شأن بقية دول الخليج العربية، سواء في توريد السلاح أو تدريب الجنود، إلى تغطية المنطقة بمظلة أمنية أمريكية تشمل احتياجات أصدقائها التقليدين في المنطقة.

لكن الهجوم الأخير على قطر في عدوان سافر من قبل إسرائيل انكشفت تماماً أسطورة المظلة الأمريكية الأمنية، عندما فشلت واشنطن في صد الهجوم الإسرائيلي، بل حتى التحذير منه، قبل وقوعه، بوقتٍ كافٍ، مما أشاع إمكانية مشاركة واشنطن في الهجوم، أو على الأقل تواطؤ الإدارة الأمريكية، لاستحالة قيام إسرائيل بمثل هذا الخرق الأمني الخطير ضد دولة تتمتع عند أمريكا بامتيازات الحليف الاستراتيجي.

رغم تمتع قطر بأفضلية أمريكية، أكثر رفعة، لو من الناحية النظرية، من تلك التي تتمتع بها إسرائيل، وتوازي التي تتمتع بها دول معاهدة حلف الناتو، لم تتردد إسرائيل في ضربها، بأسلحة أمريكية. سلوك غريب، من قبل الإدارة الأمريكية، تجاه التقاعس عن حماية حليف لها في المنطقة، رغم علمها المسبق بالغارة، ولم تحذر الدوحة منها إلا بعد شنها، بعشر دقائق.

أمرٌ دفع العرب لعدم الثقة في واشنطن، وكانت ردة فعل الرياض لهذا السلوك الأمريكي السلبي، أن أقدمت على توجيه بوصلتها الأمنية، إلى حليف إقليمي يمتلك الرادع النووي، يتمتع بصدقية مخلصة، للدفاع عن المملكة بدافع ديني عميق يحمل إرادة ماضية للذود عن أراضي الحرمين الشريفين، دون تردد أو مواربة.

ثم أن الرادع غير التقليدي الباكستاني هنا يتوفر له رديف نووي، لا يخفي طموحاته للارتقاء إلى مكانة التنافس على مكانة الهيمنة الكونية في مضمار السباق على هذه المكانة الأممية، التي حفزت تعاقب الأنظمة الدولية الحديثة، منذ نهاية القرن السادس عشر، بدءاً من الاكتشافات الجغرافية للعالم الجديد غرب الأطلسي.  هذا التطور على مستوى حراك النظام الدولي الحالي جعل إمكانات الردع الرادع الباكستاني غير التقليدي (النووي)، يتمتع بخلفية ردع نووية ذات بعد كوني، تتجاوز أي ردع مضاد، قد يترتب عن أي رد فعل محتمل، سواء من إسرائيل أو من أمريكا، على الضربة النووية الأولى (الباكستانية) الموجهة لإسرائيل، في حالة أن قررت إسرائيل الاعتداء على أراضي السعودية، لأي سببٍ كان.  هنا نكتشف صدقية الردع النووي الباكستاني، المرتكز على عقيدة قتالية تأخذ بمبدأ الضربة النووية الأولى، عقيدة نووية قتالية هجومية، لم تأخذ بها إلى الآن أي قوة نووية، من قبل.

التهديد الباكستاني بأن يكون أي عدوان إسرائيلي على أراضي المملكة، سيواجه فوراً بالرد على مصدر العدوان. عقيدة ردع استراتيجي كاسح لا يسمح للعدو بأن يفكر أصلًا في خيار التراشق النووي، حتى على مستوى الحرب المحدودة. استراتيجية الدمار المتبادل النووي الشامل، من البداية تأخذ به العسكرية الباكستانية، ضمن سيناريو الحرب النووية المحتملة على الجبهة الهندية، بينما الأخيرة، تعلن دوماً أنها تأخذ باستراتيجية الضربة النووية الثانية، في محاولة تفادي احتمال نشوب حرب نووية في شبه القارة الهندية.

الخاتمة

اتفاقية الدفاع المشترك بين المملكة وباكستان، هي اتفاقية ردع غير تقليدي مضاد، في مواجهة احتكار إسرائيل للسلاح النووي، مع تفوق كاسح في الأسلحة التقليدية، يتجاوز حقيقة وجود خلل استراتيجي خطير في ميزان القوى التقليدي، مع العرب، بما يزيد عن إمكانات الجيوش العربية مجتمعة، أضعافًا مضاعفة. إسرائيل على مدى سبعة عقود من إنشائها، كانت تعتمد على معادلة لتوازن القوى (التقليدي) كافٍ لتحقيق نصر سريع على عدة جبهات في نفس الوقت، في أي وقت! هذا التفوق الكاسح لإسرائيل في إمكانات الحروب التقليدية (المحدودة)، عززته إسرائيل بامتلاك ترسانة نووية، بوسائل حملها للجهات المستهدفة ضمن حدود الوطن العربي الكبير، من هضبة الأناضول شمالاً إلى بحر العرب والقرن الإفريقي جنوباً.. ومن الخليج العربي شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً.

إسرائيل بهذه القدرات التقليدية وغير التقليدية، في غياب توازن للقوى والرعب النووي مضاد، عند العرب، شكلت إسرائيل طوال سبعة عقود من الهيمنة الإقليمية، ما لم يستطيع العرب مجتمعين، على تحدي قدرات إسرائيل التقليدية وغير التقليدية. لكن إسرائيل مع تفوقها العسكري، كشفت فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة عن سوأة قدراتها العسكرية المحدودة. في وقت كانت إسرائيل تكسب حروبها، مع الجيوش العربية في أيام، وأحياناً، في ساعات، فشلت في حسم حربها مع فصائل مقاومة فلسطينية غير نظامية، في حربٍ شارفت على نهاية عامها الثاني، خسرت فيها أكثر من مجرد تحقيق نصر سياسي، إلى التشكيك في قدراتها القتالية، رغم تفوقها الكاسح في ترسانتها التقليدية وغير التقليدية. فقدت إسرائيل في حربها على غَزّةَ عنصر الردع الفعال، الذي كانت تستخدمه في إخافة وتحييد، جيوش الدول العربية مجتمعة، في محاولة لفرض استسلام مذل.. والإبقاء في كل الأحوال على قوة ردع فعالة، لا يريد، بل كما لا يرغب العرب في تحديها.

العرب الذين وعوا التفوق الإسرائيلي في الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، يتجاوز الاعتراف بها، بل التطبيع معها، تكمن قوة إسرائيل الحقيقية في تمتعها بقوة ردع مزدوجة بتفوقها المزدوج في الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، مكنتها من فرض واقعها، إعياءً لا تسليماً بتفوقها الاستراتيجي في مجال الأسلحة التقليدية وغير التقليدية.

في غياب امتلاك العرب لإمكانات الردع المضاد، فإنهم لن يتمكنوا من كبح جماح التوسع الإسرائيلي في المنطقة، بما هو أبعد من مجرد احتلال كامل فلسطين التاريخية، إلى التوسع في المنطقة لإقامة إسرائيل الكبرى. إذا ما استطاع العرب حل معضلة التفوق الإسرائيلي، فإنهم سيتمكنون من الخروج من بوتقة الانحباس النووي، إلى رحاب البحث عن السلام الحقيقي، في منطقة لم تعرف الاستقرار طوال قرابة الثمانية عقود، بسبب وجود إسرائيل في قلب العالم العربي.

أخيراً: أطل فجر جديد على المنطقة، بإدخال معادلة الردع المضاد، لإحداث التوازن المطلوب لإقامة سلام حقيقي في المنطقة. اتفاقية الدفاع المشترك بين باكستان والمملكة جلبت ما تحتاجه المنطقة لإقامة سلام حقيقي، تنعم فيه شعوب المنطقة ودولها، وفي مقدمة الجميع الشعب الفلسطيني، بقيام دولته المستقلة ذات السيادة، وعاصمتها القدس الشرقية. اتفاقية الدفاع المشترك بين المملكة وباكستان، ليست دعوة للحرب ولا ترتيب ساحة المعركة الفاصلة للتراشق بالأسلحة النووية، بل فرصة أخيرة للسلام في منطقة أعياها البحث عن السلام، طوال ثمانية عقود، كاد أن يضيع السلام فيها، بافتقاد التوازن بها، بفعل أعداء السلام والإنسانية.

مقالات لنفس الكاتب