array(1) { [0]=> object(stdClass)#13901 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 211

التحدي في قدرة دول الخليج للحفاظ على الاستقرار ومواصلة التنمية دون التورط في صراعات إقليمية

الأحد، 29 حزيران/يونيو 2025

تشهد منطقة الشرق الأوسط حالة من التوتر المستمر منذ عقود، بسبب تداخلات جيوسياسية معقدة، وتنافسات استراتيجية بين قوى إقليمية ودولية، ومن أبرز بؤر التوتر في المنطقة (الصراع المتصاعد بين إسرائيل وإيران) لا سيما في ظل سعي إيران لتطوير برنامجها النووي، وتصاعد المخاوف الإسرائيلية من الوصول الإيراني إلى قدرات تسليحية نووية. ومع تصاعد هذا التهديد، شنت إسرائيل ضربة عسكرية استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية، على غرار ما فعلته مع العراق عام 1981 وسوريا عام 2007م.

في هذا السياق، تبرز منطقة الخليج العربي كطرف رئيسي في المعادلة، نظرًا لقربها الجغرافي من إيران، وارتباطها الوثيق بأمن الطاقة العالمي، وتحالفاتها المتنوعة مع القوى الكبرى، كما أن دول الخليج باتت تُعد ساحة محتملة لانعكاسات أي تصعيد عسكري بين إسرائيل وإيران، سواء من الناحية الأمنية أو الاقتصادية أو السياسية. فإيران تمتلك شبكة من الحلفاء والميليشيات في العراق واليمن وسوريا ولبنان، يمكنها توجيههم نحو استهداف مصالح خليجية كرد فعل انتقامي، وفي المقابل، تتمتع إسرائيل بتقارب متزايد مع بعض الدول الخليجية منذ اتفاقات إبراهام 2020م، وهو ما قد يجعل بعض هذه الدول عرضة لضغوط إيرانية مباشرة أو غير مباشرة.

وسوف أتحدث اليوم إلى تحليل الانعكاسات المحتملة للضربة الإسرائيلية ضد إيران على دول الخليج والمنطقة، في أبعادها الأمنية والسياسية والاقتصادية، مع التركيز على السيناريوهات الممكنة وكيفية تعامل الدول الخليجية معها.

الصراع الإيراني-الإسرائيلي

منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م، سادت علاقات عدائية بين طهران وتل أبيب، حيث تتبنى إيران خطابًا عدائيًا تجاه الكيان الصهيوني وتدعم حركات مقاومة مناهضة له كحزب الله في لبنان وحماس في غزة والحوثي في اليمن. بالمقابل، تعتبر إسرائيل إيران التهديد الاستراتيجي الأول لها في المنطقة، خصوصًا بعد تطور البرنامج النووي الإيراني وتقدم قدراتها الصاروخية.

في 2007م، كشفت المخابرات الإسرائيلية عن نية إيران امتلاك سلاح نووي، وبدأت سلسلة من العمليات السرية والتخريبية (مثل اغتيال علماء نوويين، وهجمات إلكترونية على منشآت مثل نطنز). وعلى الرغم من توقيع الاتفاق النووي الإيراني عام 2015 م، (JCPOA)، فإن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية منه عام 2018م، أعاد التوتر بشكل كبير، وزاد من احتمالية لجوء إسرائيل إلى الخيار العسكري، وساعد إيران على المضي قدماً في عملية التخصيب بدون مراقبة او أي اتفاق يحد من تقدمها.

موقف دول الخليج العربي من الصراع

تنظر دول الخليج بقلق إلى كل من إيران وإسرائيل، وإن كانت تتفاوت في درجات عدائها أو تقاربها مع الطرفين. ولكن أغلب دول الخليج تعتبر إيران مهدداً استراتيجياً لأمنها ، واختلف مستوى العداء مع إسرائيل بعد اتفاقية إبراهام حيث خف حدة العداء مع كل من الإمارات والبحرين ، ولا زالت المملكة العربية السعودية صامدة عند موقفها الذي لم يتغير منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي وهو الانسحاب من المناطق المحتلة والعودة إلى حدود 1967 م، وأن تكون القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين ، وقد استجابت للوساطة الصينية مع إيران في 2023 م، وتم إعادة العلاقات، وتبادل الزيارات على مستويات عالية، في المقابل، تحتفظ دول مثل قطر وعُمان بعلاقات أكثر توازنًا مع إيران، وتلعب أحيانًا دور الوسيط في النزاعات الإقليمية. ورغم تباين المواقف، فإن دول الخليج تتفق على رفض امتلاك إيران للسلاح النووي، وتحذر من أي تصعيد قد يهدد استقرار المنطقة.

الموقع الجيوسياسي للخليج العربي

يُعد الخليج العربي أحد أكثر المناطق حساسية في العالم، كونه يضم أكثر من 30% من احتياطي النفط العالمي، ويعبر منه نحو 20% من تجارة النفط عبر مضيق هرمز فإن أي تهديد عسكري في هذه المنطقة، كضربة إسرائيلية لإيران، ينعكس فورًا على أسواق الطاقة العالمية، وقد يؤدي إلى تغييرات في المعادلات الاستراتيجية الدولية.

تهديد مباشر للأمن الخليجي

من المؤكد أن هذه الضربة العسكرية الإسرائيلية ضد إيران لن تكون حدثًا معزولًا، بل ستُواجه بردود فعل إيرانية قد تشمل توجيه ضربات مباشرة أو غير مباشرة لدول الخليج، إما باعتبارها حليفة للولايات المتحدة وإسرائيل، أو بسبب استضافت بعض الدول لقواعد عسكرية أجنبية. ومن المرجح أن تشمل الأهداف المحتملة منشآت الطاقة، المطارات، أو المراكز الاقتصادية الحيوية.

استخدام الوكلاء والميليشيات

تملك إيران شبكة واسعة من الحلفاء في المنطقة يمكن استخدامها في الرد على الضربة. فالميليشيات التابعة للحشد الشعبي في العراق، والحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، كلها أدوات بيد طهران للقيام بعمليات استنزاف ضد المصالح الخليجية. في حال وقوع الضربة، قد نشهد تصعيدًا في الهجمات الحوثية بالصواريخ والطائرات المسيّرة ضد السعودية والإمارات وعمليات تخريب ضد المنشآت النفطية في الخليج وهجمات على القواعد الأمريكية في العراق أو سوريا، مما يجرّ المنطقة إلى دوامة تصعيد واسعة، وقد تلجأ إيران إلى تهديد الملاحة في مضيق هرمز، سواء بإغلاقه جزئيًا أو كليًا أو عبر هجمات على السفن. هذا السيناريو سيؤدي إلى أزمة طاقة عالمية مباشرة، ويزيد من التهديدات الأمنية لدول الخليج. وتُعد دولة مثل عُمان في موقف حساس للغاية، بحكم إشرافها على جانب من المضيق، وقد تلعب دورًا محوريًا في محاولة نزع فتيل الأزمة.

الانعكاسات السياسية

ضغوط لاتخاذ مواقف حاسمة: في ظل أي تصعيد كبير، ستُجبر دول الخليج على اتخاذ مواقف واضحة من النزاع. وقد يواجه بعضها ضغوطًا من الولايات المتحدة لدعم إسرائيل سياسيًا أو لوجستيًا، بينما ستتعرض لضغوط مضادة من إيران. وسيكون من الصعب الحفاظ على سياسة عدم الانحياز أو المواقف الرمادية، خصوصًا للدول التي استضافت مؤخرًا زيارات دبلوماسية أو أمنية إسرائيلية علنية.

تغير في طبيعة التحالفات الإقليمية: في حال تكرّس الصراع الإيراني-الإسرائيلي عسكريًا، قد تعيد دول الخليج النظر في تحالفاتها، وقد تتبنى دول مثل قطر أو الكويت مواقف أكثر حيادية أو حتى متحفظة، حرصًا على أمنها الداخلي.

الوساطة الخليجية المحتملة: تملك بعض الدول الخليجية تاريخًا في لعب أدوار الوساطة (سلطنة عمان وقطر)، وقد تسعى لتقديم مبادرات لاحتواء التصعيد. نجاح مثل هذه المبادرات سيكون مرهونًا بطبيعة الرد الإيراني ودرجة التنسيق الإسرائيلي الأمريكي في الضربة.

الانعكاسات الاقتصادية

تقلبات حادة في أسعار النفط: من المتوقع أن تؤدي هذه الضربة على إيران إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط، خصوصًا إذا تم تهديد أو تعطيل الملاحة في مضيق هرمز. وقد يتجاوز سعر البرميل حاجز 100 دولار بسهولة، مما يخلق مكاسب مؤقتة لدول الخليج المصدّرة للنفط، لكنه يهدد الاقتصاد العالمي برمته، ويؤثر سلبًا على الاقتصاد الخليجي غير النفطي.

تراجع الثقة بالبيئة الاستثمارية: ستنعكس أجواء الحرب المحتملة على صورة الخليج كمركز استثماري آمن، خصوصًا في الإمارات والسعودية، اللتين تضخان استثمارات ضخمة في قطاعات غير نفطية مثل السياحة والتقنية. أي تهديد أمني أو عسكري واسع النطاق قد يؤدي إلى سحب استثمارات أو تأجيل مشاريع كبرى مما يؤثر على مستقبل التخطيط الاستراتيجي للتنمية في دول الخليج.

تأثيرات على سلاسل الإمداد: الخليج العربي يُعد مركزًا لوجستيًا عالميًا، وأي اضطراب عسكري قد يؤثر على حركة البضائع، والطيران، وسلاسل الإمداد التي تربط آسيا بأوروبا عبر موانئ الخليج، ومن المحتمل أن تتضرر موانئ مثل جبل علي في الإمارات أو ميناء الدمام في السعودية في حال استمرار التصعيد.

الانعكاسات الاستراتيجية

اختبار للتحالفات والدفاعات الخليجية: ستُختبر فعالية التعاون العسكري بين دول الخليج، سواء على مستوى مجلس التعاون أو من خلال منظومات الدفاع الجوي المشتركة، مثل درع الجزيرة. وسيكون هناك تساؤلات حول مدى التنسيق بين الدول، خصوصًا فيما يتعلق برصد واعتراض الصواريخ والطائرات المسيّرة.

تسارع سباق التسلح: أي تصعيد سيُقنع بعض الدول الخليجية بالحاجة إلى تعزيز قدراتها الدفاعية. وقد نشهد زيادة الاعتماد على نظم الدفاع الجوي المتقدمة مثل ثاد وباتريوت وتسارع مشاريع التسلح، والتوجه المحتمل نحو التصنيع العسكري المحلي للحد من الاعتماد على الخارج.

تعزيز الدور الصيني والروسي: في حال شعرت دول الخليج بأن الضمانات الأمريكية غير كافية، قد تتجه نحو تنويع شراكاتها الاستراتيجية مع الصين وروسيا التي تعتبر هذه الضربة والأحداث فرصة قد تستغلان هذا الفراغ للتمدد السياسي والاقتصادي في الخليج، خصوصًا في ظل علاقات متنامية بين بكين وطهران من جهة، وبكين وبعض العواصم الخليجية من جهة أخرى.

السيناريوهات المستقبلية

  • سيناريو التصعيد الشامل

في هذا السيناريو، تؤدي الضربة الإسرائيلية إلى رد إيراني قوي يشمل هجمات صاروخية مباشرة على إسرائيل، وتصعيد عبر وكلاء إيران في لبنان والعراق واليمن. هذا التصعيد قد يدفع الولايات المتحدة للتدخل عسكريًا بشكل مباشر إلى جانب إسرائيل، مما يُفضي إلى اندلاع حرب إقليمية شاملة وسوف تكون انعكاسات هذا السيناريو على الخليج احتمالية اغلاق مضيق هرمز وما ينتج عن ذلك الفعل، ويؤدي ذلك إلى خطر الاستهداف المباشر وتراجع الاستثمارات الأجنبية، وتأثر قطاع السياحة والتجارة.

سيناريو الرد المحدود

في هذا السيناريو، تكتفي إيران بالرد عبر ميليشياتها أو عبر ضربات موضعية تُبقي النزاع تحت سقف الحرب المفتوحة، لتفادي ردّ فعل دولي أوسع أو تدخل أمريكي مباشر وسوف تكون الانعكاسات المتوقعة، تذبذب أسعار النفط واستمرار حالة عدم اليقين الأمني الخليجي مع تصاعد الهجمات غير النظامية

سيناريو الاحتواء والتهدئة

يعتمد هذا السيناريو على نجاح جهود الوساطة الإقليمية والدولية في احتواء الأزمة بعد الضربة، عبر ضغوط أمريكية على إسرائيل، وضغوط صينية وروسية على إيران، للعودة إلى المسار الدبلوماسي، وسوف تكون انعكاسات هذا السيناريو أفضل بكثير عن السيناريوهات السابقة، فسوف يكون هناك تجنب لحرب شاملة وموسعة وتجنب أزمة نفطية مما يحافظ على استقرار الأسواق العالمية، ويكون هناك استعادة نسبية للاستقرار مع وجود التهديد، وهناك فرصة لدول الخليج للعب دور الوسيط وتعزيز مكانتها الدبلوماسية

لذلك أرى استناداً إلى التحليل السابق والسيناريوهات المطروحة ما يلي:

  • تعزيز منظومات الدفاع الجوي والصاروخي في دول الخليج، من خلال التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف، لاسيما في ظل تنامي التهديدات الإيرانية غير التقليدية.
  • تفعيل الآليات الجماعية للأمن الإقليمي في إطار مجلس التعاون الخليجي، وتطوير استراتيجيات مشتركة للتعامل مع أزمات إقليمية كبرى.
  • الحفاظ على سياسة تنويع التحالفات الدولية، بحيث لا تظل دول الخليج مرتهنة فقط للضمانات الأمريكية، وإنما تبني أيضًا علاقات استراتيجية متوازنة مع الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي.
  • دعم القنوات الدبلوماسية والوساطات مع إيران عبر أطراف محايدة كسلطنة عمان أو أطراف دولية، لإبقاء خط الرجعة السياسي متاحًا، وتفادي الدخول في صراعات طويلة الأمد.
  • تأمين المنشآت الحيوية عبر إجراءات احترازية تشمل الأمن السيبراني، والدفاع الجوي، والتدريب المشترك، وتحديث البنية التحتية.
  • رفع مستوى الجاهزية، بما في ذلك خطط الطوارئ، والإخلاء، وحماية المنشآت الحيوية، وتعزيز الأمن الغذائي والدوائي.

وفي الختام تشكل الضربة الإسرائيلية على إيران محطة خطيرة في مسار التوتر الإقليمي، وقد تحمل في طياتها آثارًا تتجاوز حدود الدولتين المعنيتين، لتطال دول الخليج العربي والمنطقة، وتحليل الانعكاسات الأمنية والسياسية والاقتصادية يُظهر حجم التعقيد والتشابك في التوازنات الإقليمية، ويؤكد أن أي عمل عسكري بهذا الحجم لا يمكن أن يتم دون أن يترك تداعيات عميقة.  إن التحدي الأكبر في المرحلة المقبلة سيكون مدى قدرة دول الخليج على امتصاص الصدمة، والحفاظ على الاستقرار الداخلي، ومواصلة مسار التنمية بعيدًا عن التورط في صراعات إقليمية، ولعل في تعزيز التنسيق الخليجي، وتنويع التحالفات، وتكثيف الجهود الدبلوماسية، ما يمكن أن يُشكل درعًا واقيًا أمام تداعيات مثل هذه الضربة، التي قد تُعيد رسم خريطة التوازنات في الشرق الأوسط لعقود قادمة.


مقالات لنفس الكاتب