array(1) { [0]=> object(stdClass)#13901 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 211

صياغة استراتيجية دفاعية وطنية وتعزيز قدرات الجيش والقوى الأمنية و تنفيذ خطة إنمائية

الأحد، 29 حزيران/يونيو 2025

يُعدّ احتكار الدولة للسلاح أحد أبرز مؤشرات السيادة والاستقرار السياسي في أي بلد، وتُشكل قضية احتكار الدولة اللبنانية للسلاح واحدة من أكثر القضايا حساسية وتعقيدًا في المشهد السياسي اللبناني، لما تحمله من أبعاد داخلية وخارجية متشابكة.

فلقد أسهمت الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990م) في نشوء ظاهرة الميليشيات المسلحة التي تحولت إلى أداة رئيسية للصراع، واستمرت تداعياتها حتى بعد توقيع وثيقة الوفاق الوطني اللبناني( اتفاق الطائف) عام 1989م، والاتفاق بين الأطراف اللبنانية على قيام الدولة القوية عبر بسط سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، من خلال الإعلان عن حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية، كما نص في البند 3 الفقرة ج على انه "يجري توحيد وإعداد القوات المسلحة وتدريبها لتكون قادرة على تحمل مسؤولياتها الوطنية في مواجهة العدوان الإسرائيلي" وبالتالي مؤسسات الدولة والقوى الأمنية هي المسؤولة حصريًا عن ذلك.

فامتلاك الدولة وحدها لوسائل القوة المسلحة يُعتبر من أسس السيادة الحديثة وعلامة على استقرار النظام السياسي، ففي لبنان، تواجه الدولة تحديات معقّدة في هذا المجال بفعل ظروفه التاريخية، السياسية، والطائفية، حيث تنتشر ظاهرة السلاح غير الشرعي بأيدي أطراف غير رسمية، تتوزع بين قوى سياسية، جماعات طائفية، عشائرية مناطقية، ومخيمات فلسطينية خارج إطار المؤسسات الأمنية الرسمية. كل ذلك جعل الدولة عاجزة عن بسط سلطتها الكاملة على أراضيها، وأضعف قدرتها على إنفاذ القانون بشكل عادل ومتساوٍ، وبالتالي فإن هذه الظاهرة تهدد وحدة الدولة وهيبتها وتُضعف سلطة القانون، وتنعكس سلبًا على الأمن الوطني والسلم الأهلي.

وبالتالي بات موضوع سحب السلاح غير الشرعي وحصره بيد الدولة اللبنانية من القضايا الجوهرية في بناء دولة القانون والمؤسسات، حيث اكتسب تفكيك ترسانة حزب الله وحصر السلاح بيد الدولة زخماً في الآونة الأخيرة بعد الخسائر التي تكبدها الحزب في مواجهة إسرائيل بالإضافة إلى تصاعد الضغوط الأمريكية على الدولة اللبنانية، وفي هذا السياق أكد الامين العام لحزب الله نعيم قاسم: "بعدم السماح لاحد بنزع سلاح حزب الله، مؤكدا في نفس الوقت عداده على حوار بشأن (الاستراتيجية الدفاعية)شرط انسحاب إسرائيل من الجنوب ومباشرة الدولة إعادة الإعمار بعد الحرب الأخيرة.

وفي المقابل، أعلن الرئيس اللبناني جوزيف عون أن سحب سلاح حزب الله موضع حساس يبقى تحقيقه رهن توافر الظروف الملائمة، وأوضح أن القرار اتخذ لكن الظروف هي التي تسمح لنا بكيفية التنفيذ مشدداً على ضرورة معالجته بروية ومسؤولية، لأن هذا الموضوع حساس ودقيق وأساسي للحفاظ على السلم الأهلي.

وبالتأكيد إن نزع السلاح غير الشرعي في لبنان، سيشمل السلاح الفلسطيني داخل المخيمات أيضاً، في خطوة لحصر السلاح بيد السلطة الشرعية اللبنانية.

تهدف دراستنا إلى استعراض واقع السلاح غير الشرعي في لبنان، وتحليل أسبابه، والتحديات السياسية، الطائفية، والاجتماعية، ودراسة الاستراتيجية الدفاعية الوطنية بوصفها الإطار النظري لحل هذه المعضلة، واستشراف السيناريوهات المستقبلية الممكنة للحل.

المحور الأول-الخلفية التاريخية والسياسية لظاهرة السلاح خارج الدولة:

أولاً-الحرب الأهلية اللبنانية ونشوء الميليشيات المسلحة

شكّلت الحرب الأهلية (1975-1990م) نقطة تحول رئيسية في انتشار السلاح خارج المؤسسات الرسمية، حيث نشأت الميليشيات الطائفية وتسلحت بشكل واسع. وعلى الرغم من توقيع اتفاق الطائف عام 1989، الذي نص على حلّ جميع الميليشيات وتسليم أسلحتها، فإن هذا الاتفاق لم يُطبّق بالكامل، خصوصًا مع بقاء سلاح "حزب الله" بذريعة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

ثانياً-اتفاق الطائف ونصوصه المتعلقة بنزع السلاح

نص اتفاق الطائف 5/11/1989م، في الجزء الثاني منه على بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية وقد جاء في الفقرة 1:"الإعلان عن حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية خلال ستة أشهر بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطني...".

كما اشترط في الفقرتين 2 و3 على تعزيز قدرات قوى الأمن الداخلي والقوات المسلحة للقيام بالمهام الأساسية الموكلة لهم عبر المحافظة على الأمن والدفاع عن الوطن من أي اعتداء خارجي.

ثالثاً-المرحلة ما بعد الطائف: الدمج الجزئي والانتقائي

أعيد بناء الجيش اللبناني بعد الطائف، وتمّ دمج بعض الميليشيات ضمن مؤسسات الدولة، إلا أن القوى المسلحة غير الرسمية استمرت بالعمل، بعضها تحت راية المقاومة، والبعض الآخر ضمن نطاقات عشائرية أو مناطقية أو مذهبية، فوجدت مناطق خارجة عن سيطرة الدولة، مما أضعف احتكار الدولة للسلاح وبسط سلطتها الأمنية والقضائية على كامل الأراضي اللبنانية.

رابعاً-دور العوامل الإقليمية والدولية في استمرار الظاهرة

ساهمت البيئة الإقليمية المتوترة، خاصة الصراع العربي-الإسرائيلي، والحرب السورية لاحقًا، في استمرار تبرير وجود السلاح خارج الدولة، بذريعة الدفاع أو الحماية الذاتية أو مواجهة الإرهاب. ما بعد التحرير (2000) مع انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني، برز جدل داخلي حول استمرار سلاح حزب الله باعتباره "سلاح مقاومة" مقابل اعتباره سلاحًا خارج شرعية الدولة.

المحور الثاني: الواقع الحالي للسلاح غير الشرعي في لبنان

أولاً-سلاح حزب الله:

يُعدّ "حزب الله" أبرز قوة عسكرية خارج إطار الدولة اللبنانية حيث يمتلك ترسانة متقدمة ومتطورة من الأسلحة والصواريخ. ويحتفظ بقدرة عسكرية شبه موازية للدولة أو تفوقها في بعض الأحيان، بدعم مباشر من إيران، ويعتبر سلاحه جزءًا من "المعادلة الدفاعية" في مواجهة التهديدات الإسرائيلية.

ولكن بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة 2024م، التي عملت على ضرب كل البنية التحتية للحزب وقوضت قدرته العسكرية، حيث قامت إسرائيل بتوجيه ضربات موجعة للحزب عبر اغتيال أبرز قيادات الصف الأول ومن بينهم الأمين العام السابق حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، بالإضافة إلى الاستهدافات اليومية المتكررة لعناصر وقيادات عسكرية حزبية، وقد أعلنت إسرائيل صراحة بأنها لن تسمح لحزب الله بتعزيز قوته أو بتهديدها في أي مكان داخل لبنان.

وبعد الاتفاق الأخير، الذي شدد على تنفيذ القرار 1701 الصادر 2006م، من قبل الأمم المتحدة (مجلس الأمن) والذي ينص صراحة في المادة 3 و8 على "نزع سلاح كل الجماعات المسلحة في لبنان حتى لا تكون هناك أي أسلحة أو سلطة في لبنان عدا ما يخص الدولة اللبنانية"، عاد النقاش والجدل حول "سلاح حزب الله" في جميع الأوساط، التي تعتبره يشكل تقويضاً للسيادة اللبنانية وتهديداً داخلياً على السلم الأهلي، من خلال الاستهدافات المتكررة للبنان.

ثانياً-السلاح العشائري والمناطقي:

تنتشر ظاهرة السلاح الفردي والعشائري، في مناطق البقاع، عكار، طرابلس، وبعض الضواحي الجنوبية، حيث تُستخدم لحل النزاعات العائلية والعشائرية، وأحيانًا في أنشطة إجرامية. مما ينعكس سلبًا على الأمن المجتمعي، حيث أصبح كل مواطن يملك السلاح يعمل على تصفية حساباته الشخصية بصورة فردية بعيدة عن حكم القانون والدولة.

ثالثاً-السلاح الفلسطيني داخل المخيمات:

تحتفظ الفصائل الفلسطينية داخل المخيمات بأسلحة خفيفة ومتوسطة وتتوزع بين عدة محافظات أبرزها (عين الحلوة، الرشيدية، البصّ والبرج الشمالي)، وتتمتع بهامش من الاستقلال الأمني ما جعلها مناطق شبه مستقلة أمنيًا، وبالتالي أصبحت مناطق خارجة عن السيطرة الأمنية اللبنانية.

ومن هنا، برز  مؤخراً اجتماع المجلس الأعلى للدفاع في القصر الجمهوري برئاسة الرئيس اللبناني جوزيف عون، وعلى جدول أعماله ملفات مفصلية وأبرزها السلاح الفلسطيني وواقع المخيمات، التي  شكلت المحور الأساسي في المحادثات الأخيرة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس إثر زيارته للبنان في 21 مايو 2025م، والتي أسفرت عن صدور بيان مشترك جاء فيه  التأكيد على أن: "زمن السلاح الخارج عن السلطة اللبنانية قد انتهى"، في سياق الالتزام بمبدأ حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية وإنهاء أي مظاهر خارجة عن منطق الدولة، واتفق الجانبان على تعزيز التعاون والتنسيق في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، وضمان عدم تحول المخيمات الفلسطينية إلى ملاذ آمن للمجموعات المتطرفة، كما أكد الجانب الفلسطيني التزامه بعدم استخدام الأراضي اللبنانية كمنطلق لأي عمليات عسكرية، واحترام سياسة لبنان المعلنة والمتمثلة بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى والابتعاد عن الصراعات الإقليمية".

كما أكد رئيس الجمهورية العماد جوزف عون على أهمية الحوار حول موضوع حصر السلاح بيد الدولة كما جاء في خطاب القسم. حيث لا مكان لأي أسلحة أو مجموعات مسلحة إلا ضمن إطار الدولة، والمسائل تحل بالتواصل والحوار. وأشار إلى السعي والعمل لصياغة استراتيجية الأمن الوطني التي تنبثق منها استراتيجية الدفاع الوطني.

المحور الثالث: التحديات التي تواجه حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية

تمثل عملية سحب السلاح غير الشرعي وحصره بيد الدولة اللبنانية تحديًا مركبًا ومعقداً يتداخل فيه السياسي بالطائفي، الداخلي بالإقليمي، والأمني بالاجتماعي. وتتوزع هذه التحديات على مستويات عدة:

أولاً-الانقسام السياسي والطائفي:

يشكل النظام السياسي في لبنان القائم على المحاصصة الطائفية، أبرز التحديات في حصر السلاح بيد الدولة، حيث تتباين المواقف السياسية تجاه سلاح "حزب الله" وغيره من القوى المسلحة غير الشرعية، حول طبيعة دوره، حيث تنقسم الآراء بين مؤيد باعتباره سلاح المقاومة، وقوى أخرى تعتبره سلاحًا غير شرعي باعتباره خارج مؤسسات الدولة مما يهدد سيادتها وأمنها.

ثانياً-الخوف من الفراغ الدفاعي والأمني:

هناك تخوف وخشية حقيقية لدى شريحة من اللبنانيين، لا سيما في بيئة حزب الله، من أن يؤدي تسليم سلاح الحزب أو تحييده إلى إضعاف قدرة لبنان على الردع والدفاع، خاصة في ظل استمرار التهديدات الإسرائيلية والخروقات الجوية والبرية المتكررة.  هذا التخوف جعل سلاح حزب الله يُقدَّم على أنه "سلاح استراتيجي" لا يمكن التخلي عنه قبل بناء قدرات عسكرية كافية لدى الجيش اللبناني، بالإضافة الى وجود تخوف داخلي من أن يؤدي فرض نزع السلاح بالقوة إلى مواجهات مسلحة أو حرب أهلية جديدة.

ثالثاً-ضعف الثقة بمؤسسات الدولة:

يعاني اللبنانيون عمومًا، وسكان المناطق المهمشة خصوصًا، من فقدان الثقة بالدولة وأجهزتها الأمنية والقضائية، بفعل التجارب السابقة في الانحياز، الفساد، أو غياب العدالة. وبالتالي يفضّل كثيرون الاحتفاظ بالأسلحة الفردية لحماية أنفسهم وعائلاتهم وممتلكاتهم، خاصة في ظل غياب الثقة بالقضاء والأجهزة الأمنية، مما يشكل تهديداً فعلياً للأمن الأهلي وسط مخاوف من التصرفات الفردية باستخدام السلاح كتهديد أو كرد فعل لتنفيذ تصفيات شخصية، أو حتى التهديد به لارتكاب جرائم كثيرة أبرزها القتل والسرقة، وبالتالي يشكل ذلك انفلات أمنى في بعض المناطق ويسمح للجميع بانتهاج الأسلوب نفسه في غياب تام للدولة.

رابعاً-الغطاء الإقليمي والدولي لبعض القوى المسلحة:

يحظى سلاح حزب الله تحديدًا بدعم إقليمي مباشر من إيران، ويُعتبر جزءًا من شبكة إقليمية عابرة للحدود ترتبط بالمحور الإيراني-السوري. هذا الارتباط يجعل قرار السلاح في لبنان مرتبطًا بملفات وصراعات إقليمية (كالبرنامج النووي الإيراني، الصراع في سوريا، الصراع العربي-الإسرائيلي)، حيث يُستخدم سلاح "حزب الله" كورقة إقليمية في صراعات الشرق الأوسط، خاصة في ظل الصراع الإيراني-الإسرائيلي، مما يضعف قدرة الدولة اللبنانية على التحكم به بشكل مستقل.

خامساً-هشاشة الدولة وضعف قدرتها التنفيذية:

تعاني الدولة اللبنانية من ضعف في القدرات والإمكانيات اللوجستية والمالية والبشرية لمواجهة ظاهرة السلاح، ينعكس في محدودية قدرة الجيش والقوى الأمنية على فرض القانون في كل المناطق، خاصة في الأطراف حيث ينتشر السلاح العشائري والمناطقي. كما أن وجود "مناطق محظورة" أمنيًا (مثل المخيمات الفلسطينية، أو معاقل حزبية محددة) يجعل الدولة غير قادرة على ممارسة سيادتها الكاملة.

سادساً-تأثير العامل الاجتماعي والاقتصادي:

تلعب العوامل الاجتماعية والاقتصادية دورًا محوريًا في استمرار ظاهرة السلاح، إذ تنتشر هذه الظاهرة في المناطق المهمشة اقتصاديًا، حيث البطالة والفقر وغياب الدولة، وترى بعض المجموعات أن الاحتفاظ بالسلاح ضروري كـ "ضمانة أمنية ذاتية" في حال اندلاع أزمات جديدة، مما يجعل السلاح أداة سلطة محلية وأحيانًا مصدر دخل من خلال التهريب أو الأنشطة غير الشرعية.

وأمام جميع هذه التحديات تبرز الحاجة إلى وجود خطة منظمة تسمح للدولة اللبنانية بحصر السلاح بيد القوات الشرعية عبر نزع السلاح غير الشرعي من جميع الفصائل والأحزاب، فلقد شهد لبنان منذ 2006 حوارات وطنية عدة لبحث موضوع الاستراتيجية الدفاعية، أبرزها "طاولة الحوار الوطني" لكنها فشلت في التوصل إلى توافق حول دور سلاح حزب الله، لذا عاد اليوم الحديث بقوة حول إعادة تفعيل طاولة الحوار لمناقشتها. لذا سنحاول التطرق إلى أبرز بنودها:

المحور الرابع: الاستراتيجية الدفاعية الوطنية

الاستراتيجية الدفاعية الوطنية هي خطة شاملة متكاملة التي تضعها الدولة لتحديد كيفية الدفاع عن أراضيها ومواطنيها، وتحديد مصادر التهديد، وتوزيع الأدوار بين القوى العسكرية والأمنية والمدنية، يفترض أن تكون هذه الاستراتيجية مرجعًا موحدًا يضبط كل السلاح بيد الدولة، ويحدد مسؤوليات المؤسسات الرسمية دون ازدواجية.

في السياق اللبناني، يتضمن هذا المفهوم تنظيم العلاقة بين الجيش والمقاومة المسلحة، وتحديد من له الحق في اتخاذ قرار الحرب والسلم، وكيفية التعامل مع التهديدات الخارجية والداخلية.

كما تمثل الاستراتيجية الدفاعية الوطنية المفتاح الأساسي لمعالجة قضية السلاح غير الشرعي في لبنان، كونها الإطار الوحيد القادر على تحويل القوة العسكرية من أداة انقسام إلى أداة وحدة وطنية، وعلى حماية لبنان دون تهديد استقراره الداخلي.

لكن الوصول إليها يتطلب إرادة سياسية جامعة، حوارًا صادقًا، ومناخًا إقليميًا ودوليًا مساعدًا، وبالتالي هناك عدة سيناريوهات متوقعة.

المحور الخامس: السيناريوهات المستقبلية لقضية السلاح غير الشرعي في لبنان

إن مستقبل قضية سحب السلاح غير الشرعي في لبنان مرهون بتداخل عوامل داخلية وخارجية، سياسية وأمنية وإقليمية. وبالتالي يمكننا استشراف عدة سيناريوهات، أبرزها:

أولاً-سيناريو الوضع القائم:

يقوم هذا السيناريو على بقاء الأمور على ما هي عليه، حيث يحتفظ حزب الله بسلاحه، مع استمرار السلاح العشائري والمخيمات، دون قدرة الدولة على الحسم، بسبب:

  • الانقسام السياسي الداخلي.
  • غياب توافق على الاستراتيجية الدفاعية.
  • استمرار العوامل الإقليمية التي تغذي دور الحزب (مثل الصراع مع إسرائيل، ودعم إيران).

ويشير هذا السيناريو إلى ترسيخ مفهوم (الدولة العميقة) دولة داخل الدولة واستمرار ضعف هيبة الدولة مما يؤدي إلى خطر انفجار أمني أو صراع أهلي عند كل أزمة وطنية.

ثانياً-سيناريو الحوار والتفاوض:

يعتمد هذا السيناريو على التوصل إلى تسوية سياسية داخلية واتفاقيات خارجية، برعاية إقليمية ودولية، تقضي بـ:

  • وضع سلاح حزب الله الثقيل تحت إمرة الجيش ضمن استراتيجية دفاعية وطنية.
  • دمج بعض كوادر الحزب في الجيش أو قوى الأمن.
  • ضبط السلاح العشائري والمناطقي من خلال خطط أمنية متزامنة مع إنماء اقتصادي كما نص اتفاق الطائف.

ويشير السيناريو الثاني إلى إعادة تعريف دور حزب الله إقليميًا، وبالتالي إلى قبول الحزب بتسوية داخلية لسلاحه ضمن استراتيجية دفاعية توافقية، مما يعزز سلطة الدولة تدريجيًا دون صدام مباشر، ويدفع إلى معالجة المخاوف الطائفية والسياسية، وبالتالي حماية السلم الأهلي.

ثالثاً-سيناريو المواجهة والتصادم:

يفترض هذا السيناريو محاولة فرض نزع السلاح بالقوة أو تحت ضغط دولي أو داخلي حاد، مما قد يؤدي إلى:

  • مواجهة عسكرية بين الجيش والمجموعات المسلحة.
  • تفكك أمني وسياسي، وربما عودة الاحتراب الأهلي.
  • تدخلات خارجية مباشرة أو غير مباشرة لدعم أطراف النزاع.

قد يؤدي هذا السيناريو إلى انهيار مؤسسات الدولة، وتقسيم فعلي للبنان و استنزاف اقتصادي وأمني طويل الأمد.

يمثل سحب السلاح غير الشرعي في لبنان تحديًا معقدًا لا يمكن حله بقرارات أحادية أو بقوة القانون وحدها. المطلوب مقاربة تدريجية توافقية شاملة سياسية، أمنية، إنمائية، ودبلوماسية، عبر صياغة استراتيجية دفاعية وطنية واضحة يشارك فيها جميع اللبنانيين، وتحظى بدعم داخلي وخارجي، تُعيد الاعتبار للدولة ومؤسساتها، وتبني ثقة المواطنين بها. إن نجاح أي استراتيجية دفاعية مرهون بتوفر إرادة وطنية جامعة ودعم إقليمي ودولي يحترم خصوصية لبنان وتنوعه.

خاتمة

يظهر مما تقدم بأن قضية سحب السلاح غير الشرعي وحصره بيد الدولة اللبنانية ليست مجرد ملف أمني أو عسكري، بل مسألة سياسية – اجتماعية – إقليمية معقدة، ترتبط بتاريخ لبنان، بنيته الطائفية، موقعه الجغرافي، والعوامل الإقليمية والدولية المحيطة به.

إن مسألة سحب السلاح من خارج يد الدولة اللبنانية تمثل تحديًا مصيريًا يرتبط بكيان الدولة ومشروعها الوطني. كما أن استمرار ظاهرة السلاح غير الشرعي يُضعف سيادة الدولة، يقوّض سلطة القانون، ويعرّض الأمن الوطني للخطر، ويمنع بناء دولة المواطنة والمؤسسات، وبالتالي لا يمكننا الوصول إلى حل جذري دون معالجة الأسباب البنيوية لهذا الواقع، من خلال إرادة سياسية تتمثل بتوافق سياسي داخلي، وبناء دولة عادلة وقوية، والانفتاح على دعم دولي مشروط بإصلاحات جدية، فالدولة القوية وحدها هي القادرة على حماية الجميع، وتطبيق القانون بعدالة على كافة الأراضي اللبنانية.

من هنا كان لا بد من طرح بعض التوصيات الأساسية، أبرزها:

  1. صياغة استراتيجية دفاعية وطنية جامعة من خلال تفعيل آليات الحوار الوطني بمشاركة جميع الأطراف، لوضع حلول قابلة للتطبيق، وعدم تهميش أي مكون سياسي أو طائفي، عبر تحديد دور كل من الجيش والمقاومة وفق خطة زمنية محددة، للانتقال التدريجي نحو احتكار الدولة للسلاح.
  2. تعزيز قدرات الجيش والقوى الأمنية لملء أي فراغ أمني أو دفاعي، من خلال زيادة التمويل، تحديث العتاد، وتأهيل الكوادر العسكرية، بالإضافة إلى تشديد الرقابة على الحدود والمعابر لمكافحة تهريب السلاح، بالتعاون مع المجتمع الدولي والدول المجاورة.

تنفيذ خطة إنمائية متوازية مع الخطة الأمنية، لمعالجة جذور ظاهرة السلاح في المناطق المهمشة اقتصاديًا واجتماعيًا، وتنظيم حملات توعية وطنية تبرز مخاطر انتشار السلاح غير الشرعي على الأمن الوطني والسلم الأهلي.

مقالات لنفس الكاتب