لا تزال ظاهرة جماعة بوكو حرام تسيطر على النقاشات السياسية بين الأكاديميين وصناع القرار المهتمين بدراسة الميليشيات المسلحة وجماعات الإسلام السياسي. ومع ذلك، لا تزال العديد من القضايا المتعلقة بهذه الجماعة غير واضحة وغير مُتفق عليها؛ كالأسباب الدقيقة التي تؤدي إلى التطرف، وأساليب التجنيد بها، وملفات أعضاء الجماعة، وانتمائها إلى قوى إرهابية إقليمية أخرى؛ مثل القاعدة وأنصار الدين في مالي أو حركة الشباب في الصومال. كل هذه الموضوعات تدخل في نطاق المناقشة والبحث. يُعرِّف الأكاديميون الذين يبحثون في نظريات الدولة ودراسات ما بعد الاستعمار هذه الجماعة بأنها أحد نتائج الدولة الهشة في نيجيريا، بينما يربطها علماء الاجتماع والعديد من علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية بالفقر. ويلقي السياسيون والناشطون في جنوب نيجيريا باللوم على الشماليين وهيمنتهم على الدولة. ويُركِّز خبراء مكافحة الإرهاب والأمن على الروابط الدولية للجماعة، والتهديد الذي تشكله على استقرار غرب إفريقيا. وهو ما يأخذنا لربطها بقضايا أوسع؛ مثل بناء الدولة، والإرهاب، وحالات الطوارئ الإنسانية، وكيفية حل النزاعات والعنف بين الدول.
وقد تناولت بعض الدراسات - التي درست بشكلٍ مكثف بوكو حرام- أن الجماعة وجماعات مماثلة تُمثِّل تراجعًا عن المشروع النيجيري، مع عجز الدولة بشكلٍ متزايد عن الوفاء بواجباتها تجاه المجتمع. وأن الرؤية البسيطة والضيقة لمكافحة الإرهاب تتجاهل السياق التاريخي الذي تتشكّل فيه الهويات الدينية وإعادة تشكيلها في نيجيريا. ويبدو أن هذا الرأي يتستر على حقيقة أن الهويات الإقليمية والعرقية والدينية تعزز بعضها في كثير من الأحيان، وأن السياق الاجتماعي الاقتصادي في نيجيريا قد أدى إلى تفاقم عدم التوازن الاقتصادي بين الجنوب الغني والشمال الفقير نسبيًّا.
وبينما معظم الدراسات اهتمت بكيفية التعامل مع هذه الجماعة، فنحاول في السطور القادمة تناول عددًا من المحاور الهامة المختلفة والمتعلقة بهوية تلك الجماعة، وقدرة واستجابة مؤسسات الدفاع والأمن النيجيرية لتحديات تلك الجماعة، وكذلك علاقة بوكو حرام بالإرهاب الجديد وتحولات الظاهرة الإرهابية للحركة في ظل المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية، وأخيرًا مستقبل جماعة "بوكو حرام" ما بين الاستمرارية والصراعات الداخلية
عن بوكو حرام
منذ عام 2009م، أصبحت بوكو حرام مجازًا للتعبير عن انعدام الأمن في نيجيريا بعد أن شنت الحكومة حملة صارمة على الجماعة الإرهابية أسفرت عن مقتل 800 شخص معظمهم من أعضاء الجماعة. ونتج عن هذا الهجوم مقتل قائد الجماعة محمد يوسف أثناء احتجازه من قِبل قوات الشرطة. وفيما بدا انتقامًا لمقتل قائدها دون محاكمة قضائية، نفّذت الجماعة هجومها الإرهابي الأول في يناير عام 2010 م، بولاية بورنو، تحديدًا دالا ألماديري وارد بمدينة مايدوغوري، والذي أسفر عن مقتل أربعة أشخاص. ومنذ ذلك الحين كثّفت الجماعة من نشاطاتها الإرهابية. فعلى سبيل المثال، قصفت في 16 يونيو 2011 م، مقر الشرطة في أبوجا؛ عاصمة نيجيريا، فيما أُعتبر أولى حالات استخدام الانتحاريين لتنفيذ هجمات إرهابية بنيجيريا. وفى 26 أغسطس 2011م، فجّر مهاجم انتحاري آخر مقر الأمم المتحدة في أبوجا، مما أسفر عن مقتل 21 شخصًا على الأقل وإصابة العشرات. وفي 20 يناير 2012، شنت الجماعة هجومًا على كانو مما أسفر عن أكثر من 185 قتيلاً.
وعلى الرغم من سيطرة بوكو حرام على مناقشات الترتيبات الأمنية في نيجيريا منذ أوائل عام 2010م، إلا أن كل ما يتعلق بهذه الجماعة مازال مثار جدل من حيث معنى اسمها، وأسباب توسع هذه الجماعة وتطرفها، وإذا ما كانت مرتبطة بجماعات إرهابية أجنبية مثل الشباب في الصومال وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي الآن. كما لا تزال مسؤولية الجماعة عن بعض الجرائم الوحشية المنسوبة إليها محل جدل أيضًا.
ويُعتقد أن أعضاء جماعة بوكو حرام يفضلون أن يُعرفوا باسمهم العربي؛ جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد. ففي بلدة مايدوغوري، شمال شرق نيجيريا والتي يُعتقد أنها منشأ الجماعة، يشير السكان إلى أعضاء الجماعة باسم "بوكو حرام". ويتكون الاسم من لفظ "بوكو" المأخوذ من اللغة الهوسية ويعني التعليم الغربي، واللفظ العربي "حرام" والذي مجازًا هو "الخطيئة" وحرفيًا "الممنوع". لذا تُرجم اسم بوكو حرام بشكلٍ عام على أنه "التعليم الغربي تدنيس للمقدسات" أو "التعليم الغربي خطيئة". إلا أن البعض مثل لونس منتزيكوس اقترح أن هذه الترجمة ليست سوى ترجمة حرفية للكلمتين، وأن ما يقصده مستخدمو هذا التعبير هو أن "الحضارة الغربية ممنوعة" وليس "التعليم الغربي ممنوع" أو انتهاك للمقدسات، لأن ما تعارضه الجماعة في الحقيقة هو الحضارة الغربية – التي تشمل بالطبع التعليم الغربي، ولكنها لا تقتصر عليه فحسب.
وبصرف النظر عن تسمية الجماعة باسم "بوكو حرام" في مايدوغوري، فإن السكان المحليون يطلقون عليها أسماء أخرى مثل "طالبان"، وذلك على الرغم من عدم وجود دليل على ارتباطها بجماعة طالبان في أفغانستان. وفي الواقع، هناك من يؤكدون أن الجماعة ليس لها اسم محدد، ولكن عدة أسماء يُطلقها عليها السكان المحليون.
وكما يعد اسم الجماعة أو معنى "بوكو حرام" محل جدل، فهناك جدلاً مُثارًا أيضًا حول منشأ الجماعة. الاعتقاد الشائع هو أنها تأسست حوالي عام 2001 أو 2002 م، على يد محمد يوسف. لكن ذهب اعتقاد آخر إلى أن الجماعة بدأت في عام 1995م، كجماعة صحابية وأخوية، وكان يقودها في البداية لوان أبو بكر. وقيل أيضًا أن محمد يوسف سيطر على قيادة الجماعة بعد رحيل أبو بكر، وأسرع في استقطاب أعضاء جُدد بشكلٍ مُكثف وناجح لدرجة أنه كان لديه أكثر من نصف مليون عضو قبل وفاته.
تفسير ظاهرة بوكو حرام
بما أن هناك تناقضات حول أسباب تطرف الجماعة، فلا يوجد إجماع على الكيفية التي يمكن بها تفسير ظهورها، حيث قُدمت العديد من الأطروحات والنظريات. يرى البعض أن جماعة بوكو حرام تكونت نتيجة فشل الدولة النيجيرية أو كونها في حالة فشل. ويلقي آخرون باللوم على الفقر والحكومة المتدهورة، بينما يُرجِع البعض ظهور بوكو حرام إلى نظرية أن أعضاء الجماعة - بالأخص أهل الشمال والمسلمين منهم تحديدًا - محبطين في العموم من أوضاع البلاد وتوزيعهم الحالي ضمن القوى السياسية والاقتصادية في نيجيريا. وفي هذا السياق، فإن إرهاب جماعة بوكو حرام هو ببساطة اعتداء ليس في محله. وبالنسبة لمحللين آخرين، تُعتبر بوكو حرام أحد علامات الأزمة في بناء الدولة النيجيرية. ويقال إن هذه الأزمة تسببت في إزالة النزعة النيجيرية على نطاقٍ واسع؛ حيث تراجع العديد من الأفراد والجماعات إلى هويات بدائية ويسعون إلى إيجاد هوية ذات مغزى لأنهم يشعرون بأن الدولة النيجيرية خذلتهم. وترى وجهة النظر هذه أن أولئك الذين ينسحبون من مشروع نيجيريا يعتبرون الدولة عدو لهم ويهاجمونها بأي وسيلة ممكنة؛ حيث تتعرض موارد البلاد للسرقة على يد المُسند إليهم إدارتها، ويقبل رجال الشرطة الرشوة للتغاضي عن العديد من الأمور، وتنظَّم الاضرابات العمالية الطويلة المفاجئة التي يشارك فيها أيضًا المحاضرون في الجامعات، وينخرط الطلاب في العبادات الطائفية والغش، كما يتلكأ العمال في القيام بأعمالهم ويعملون في أكثر من وظيفة. ويبدو في الأساس أن الجميع لديهم شكل من الاحتجاج أو ما شابه ضد الدولة النيجيرية ومؤسساتها.
استجابة مؤسسات الدفاع والأمن النيجيرية لتحديات جماعة بوكو حرام
تعتبر بوكو حرام جماعة مركبة تضم عدة عناصر؛ فهي تتضمن المتطرفين الإسلاميين والفقراء والفاسدين المحبطين والشباب المهمشين، الذين تم تحريضهم وتعبئتهم ودعمهم من قِبل بعض السياسيين لزعزعة استقرار النظام السياسي النيجيري. ويتم تعيين أعضاء بوكو حرام من الداخل ومن الدول الإفريقية المجاورة ومنها بنين وتشاد والنيجر والسودان والصومال وموريتانيا. وقد بدأت في تجنيد المرأة في مكانها كحاملة للأسلحة والذخائر، ولأغراض جمع المعلومات الاستخبارية والعمليات. ويُزعم أن الطائفة خططت لاستخدام النساء للحصول على عناوين ومواقع بعض السياسيين البارزين الذين يعتبروا أعداء. ويقال أيضًا أن الجماعة تستخدم الباعة المتجولين لجمع المعلومات التنفيذية وشن هجمات على الأهداف.
وتؤكد مؤسسات الدفاع والاستخبارات النيجيرية أن لبوكو حرام صلات بمنظمات إرهابية دولية مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي يعمل بشكل أساسي في منطقة الساحل. وأنها تستمد الدعم المالي من سرقات البنوك، والجماعات المتعاطفة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وربما يساعد هذا الدعم الطائفة في الحصول على أسلحة متطورة.
ولقد أدرك النظام النيجيري، أن أنشطة بوكو حرام أسوأ من الحرب الأهلية في نيجيريا في أواخر الستينيات بسبب صعوبة تحديد أعضائها. فبالإضافة إلى الشرطة النيجيرية المسؤولة قانونًا عن ضمان الأمن الداخلي والنظام العام، استجاب جهاز الاستخبارات في نيجيريا (الذي يضم جهاز أمن الدولة المسؤول عن الاستخبارات الداخلية، ووكالة الاستخبارات الوطنية المسؤولة عن الاستخبارات الأجنبية وعمليات مكافحة التجسس، ووكالة استخبارات الدفاع المسؤولة عن الاستخبارات العسكرية) لأنشطة بوكو حرام العنيفة عندما واصل الحفاظ على وجود كبير في المدن الاستراتيجية في قلب بوكو حرام في ولايات مثل بوتشي ويوبي وبورنو وغومبي وترابا وأداماوا والنيجر والهضبة وكادونا وكانو. وشنت فرقة العمل المشتركة، في محاولة منها لمواجهة التحديات الأمنية التي تواجهها على يد بوكو حرام، عمليات مختلفة مثل البحث من منزل إلى منزل، والتوقيف التفتيش، وغارات تستهدف من يشتبه فيهم في مخابئ ميليشيات بوكو حرام.
وغالبًا ما يتم تعزيز أسلوب الاستجابة العنيف أو القمعي من خلال النفقات العسكرية الضخمة لشراء الأدوات التشغيلية العسكرية. وكذا حصول موظفي الأمن النيجيريين على أحدث التدريبات ومبادرات بناء القدرات على مستوى العالم في مجال مكافحة الإرهاب وبشكلٍ مستمر، سواء داخل نيجيريا أو خارجها.
وعلى الرغم من الهجمات العسكرية لفرق العمل المشتركة التي تضم عناصر استخباراتية ودفاعية، إلا أن بوكو حرام أصبحت أكثر تطورًا. فالمعضلة الرئيسية لمؤسسات الدفاع والاستخبارات في الاستجابة الفعالة للتحدي الأمني الذي تواجهه بوكو حرام هو غياب الثقة المتبادلة فيما بينها. فهناك تنافس وشك غير مبرر بين المنظمات الأمنية والاستخباراتية المماثلة وسعي نحو المجد الشخصي بين قادة المستويات العليا. كما تعد الحدود النيجيرية تحدٍ مركزي آخر لمؤسسات الدفاع والاستخبارات في الاستجابة الفعالة للخطر الأمني المتمثل في تمرد جيش بوكو حرام. حيث تتشارك نيجيريا حدودها مع النيجر وتشاد وبنين والكاميرون وغينيا الاستوائية وساو تومي وبرينسيبي. ولا شك أن اتساع نطاق نقاط الدخول العديدة هذه يمكن أن يتحدى حتى أفضل الخطط الأمنية. وهكذا، فإن الحدود يمكن اختراقها من قِبل بوكو حرام لجلب الأسلحة والمهاجرين غير الشرعيين إلى البلاد والهروب من الأجهزة الأمنية في أعقاب الهجمات. بالإضافة إلى ذلك، فقد تم ربط التهديد الأمني لـبوكو حرام بالغطاء المقدم من بعض المجتمعات. وقد اتهمت سلطات مؤسسات الدفاع والاستخبارات سكان بعض المجتمعات باستيعاب أعضاء بوكو حرام وحمايتهم والسماح لهم باستخدام منازلهم كطرق للهروب بعد الهجمات. قد يكون هذا خوفًا من العقاب من الجماعة أو عدم قدرة الجهات الأمنية على توفير الأمن لهم.
وفيما يخص الفساد فهو عامل آخر يقوض قدرة مؤسسات الدفاع والاستخبارات على مكافحة تحدي بوكو حرام الأمني. بالإضافة إلى ذلك، تعمل بوكو حرام بصورة غير متماثلة. عندما تخسر أمام الجهات الأمنية، تعلن وقف إطلاق النار والاستعداد للحوار، بينما تسعى إلى الحصول على عفو غير مشروط وإطلاق سراح أعضائها المحتجزين في مواقع مختلفة. ويسهم هذا الأسلوب غير المتناسق في صعوبة تقديم استجابة فعالة من قبل مؤسسات الدفاع والاستخبارات للتحدي الأمني الذي تواجهه من بوكو حرام.
وبالتالي، لكي يكون للمنشآت الدفاعية والاستخباراتية تأثير أكبر في استجابتها للتحدي الأمني لبوكو حرام يجب اتخاذ عدة خطوات:
1- ضرورة تبادل المعلومات بين مختلف الأجهزة وتنسيق ردود أفعالها.
2- ضرورة وجود إدارة فعالة للحدود، وهي طرق لنقل الأسلحة غير القانونية والمهاجرين غير القانونيين والمجرمين والممنوعات. يجب على المؤسسة الأمنية نشر ضباط للقيام بدوريات في الطرق غير القانونية والمعادية إلى نيجيريا. ولا يمكن القيام بهذا من قِبل ذراع واحدة من مؤسسات الدفاع والاستخبارات. ينبغي تكليف القوات الجوية النيجيرية بالدوريات الجوية، ويجب على البحرية التعامل مع الجوانب البحرية للحدود، ويجب على دائرة الهجرة النيجيرية العمل مع الجمارك والشرطة وغيرها من الأجهزة الأمنية في مراقبة الحدود. وينبغي أن تزود هذه المنشآت بالمرافق اللازمة للترصد واللوجستية والتنفيذية للقيام بدور فعال في مراقبة الحدود وإدارتها. مع ضرورة وجود تدريبات مشتركة بين مؤسسات الدفاع والاستخبارات بهدف تنسيق الدوريات الحدودية.
3- ضرورة سعي مؤسسات الدفاع والاستخبارات إلى التعاون مع الأجهزة الأمنية في الدول المجاورة لنيجيريا. مع ضرورة استنباط تعاون المجتمعات المحلية في المناطق المتضررة من عملياتهم.
4- يجب أن تتعامل الحكومة النيجيرية مع الحالة الاقتصادية السيئة وعدم المساواة، اللتان تنطويان على جو من اليأس، إذا كانت مؤسسات الدفاع والاستخبارات تريد أن تضمن عمليات مستدامة لمكافحة الإرهاب.
5- الحاجة إلى المساعدة الدولية خاصة في مجالات تبادل المعلومات الاستخبارية وعمليات مكافحة التمرد، والكشف عن الأجهزة المتفجرة المرتجلة، وتحليل الطب الشرعي، وجمع المعلومات وتحليلها، وتصاعد برنامج إزالة التطرف.
تحولات الظاهرة الإرهابية لبوكو حرام في ظل الإرهاب الرقمي الجديد
بدأت جماعة بوكو حرام الإرهابية باستخدام التكنولوجيا الرقمية منذ بداية الألفية الحالية، لتحقيق "الإدارة" و"الفاعلية" في تطبيق خططها، واستغلال الفراغ في الفضاء الرقمي وضعف التنسيق الدولي بشأن مراقبة المحتويات الإلكترونية. مما سمح بانتشار المنشورات المحظورة بالطرق التقليدية، ونشر الخطب التي تحث على العنف والتطرف، وكذلك أساليب تصنيع الأسلحة اليدوية وإعداد المتفجرات. كما أدركت الجماعة أهمية مواقع التواصل الاجتماعي لبناء علاقات "افتراضية" مع الفئات المستهدفة. ونجحت في تحويل العديد من هذه العلاقات إلى "حقيقية" بعد إقناع الأفراد المستهدفين بالانضمام إلى معسكرات التدريب والقتال سواء في داخل نيجيريا أو الدول المجاورة.
واستخدمت لجان بوكو حرام وسائل جديدة مثل "فيسبوك" و"إكس" و"واتساب" و"إنستجرام" و"تليجرام"، وأخيرًا تطبيق "تيك توك" لتعزيز قدرتها على نشر الدعاية والتجنيد عبر فيديوهات تعرض الأسلحة، والذخيرة، ومشاهد التدريب، ومبالغ الأموال التي يمكن الحصول عليها من الهجمات، مع تكرار خطابات التهديد والتحريض. وقد استغلت جماعة بوكو حرام زيادة الميل نحو "المادية" في قرارات الشباب النيجيري الذين يتحولون لانتماء لجماعات إرهابية. وهذا من الممكن أن يوفر لهم التبريرات الشرعية والاطمئنان الديني. ولهذا من المحتمل أن يقدم النشاط الإرهابي عبر "تيك توك" حوافز إضافية للشباب للانخراط في الجماعات والميليشيات المسلحة مقابل مكاسب مادية تتستر تحت شعارات دينية.
مستقبل جماعة بوكو حرام: ما بين الانقسامات الداخلية والاستمرارية
منذ مطلع عام 2025م، بدأت الجماعات الإرهابية التابعة لجماعة بوكو حرام في جولة جديدة من الانقسام والصراع المسلح، بعد فشل محاولات الصبح بين جماعة "أهل السنة للدعوة والجهاد" التابعة لتنظيم القاعدة وجماعة "ولاية غرب إفريقيا" التابعة لتنظيم داعش. وقد نشبت المعارك في ولاية بورنو بشمال شرق نيجيريا بين الجماعتين.
وتأتي المواجهات الأخيرة واستمرارًا لمظاهر تصاعد العنف بين "أهل السنة للدعوة والجهاد الموالية لتنظيم القاعدة" و"ولاية غرب إفريقيا الموالية لداعش" غرب إفريقيا- داعش) إلى تغيير التوازن العسكري بين الفرعين. وعلى الرغم من الزيادة الواضحة في الصراعات الداخلية داخل فروع بوكو حرام في شمال شرقي نيجيريا، فلا يمكن استنتاج أن الإرهاب في دولة نيجيريا قد تراجع؛ حيث احتلت نيجيريا المرتبة السادسة على مستوى العالم في مؤشر الإرهاب العالمي (GTI) لعام 2025م، وذلك نتيجة استمرار هجمات بوكو حرام بفرعيها المتنازعين داخليًا، واستهداف المدنيين وقوات الأمن، بغض النظر عن الصراعات الداخلية.
كذلك لا يمكن تجاهل الظروف المعقدة التي تمر بها نيجيريا منذ تولي بولا تينوبو الحكم، بما في ذلك الأزمات الاقتصادية والاحتجاجات الشعبية المتواصلة، والمطالب الانفصالية جنوب شرق نيجيريا، والمشكلات الأمنية المختلفة. وهو ما يزيد من تعقيد الوضع ويؤدي لزيادة نشاط بوكو حرام ويقلل من فرص القوات المسلحة النيجيرية لتحقيق مكاسب حاسمة في مواجهتها لبوكو حرام.
كما تشكل الظروف الإقليمية المحيطة والمضطربة أحد العوامل الرئيسية التي تساهم في صمود وقدرة جماعة بوكو حرام على الاستمرار. كما تسعى دائماً جماعة بوكو حرام للاستفادة من نقاط ضعف الحدود بين نيجيريا والدول المجاورة، للانتقال إليها سواء بغرض التهريب أو لتنفيذ هجمات إرهابية لخدمة مصالحهم. مما يصعب السيطرة عليها من قبل جيوش الدول المحيطة، وهو ما يؤثر على قدرة هذه الدول على تطوير عمليات أمنية للتصدي لجماعة بوكو حرام الإرهابية.
خلاصة القول، برغم النزاعات الداخلية والتي تشهدها فرق جماعة بوكو حرام، إلا أن هناك عدة عوامل داخلية وإقليمية تمكنها من الاستمرار في عملياتها الإرهابية والصمود. فضلاً عن تمتع أفراد الجماعة بمهارات تنظيمية وعسكرية، حصلوا عليها من خلال الخبرة الطويلة في الاشتباك مع الجيش النيجيري وكذلك ضعف قدرات الجيش النيجيري مما يمثل تحديًا كبيرًا أمام القضاء على بوكو حرام.