array(1) { [0]=> object(stdClass)#13734 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 206

مرحلة ترامب تحمل فرصًا لحل الأزمات وقيام شراكات شريطة تطوير مشروع مشترك لمستقبل المنطقة

الخميس، 30 كانون2/يناير 2025

أخيراً وصل الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض منهيًا حالة الترقب التي بدأت مع ظهور نتائج الانتخابات التي فاز فيها على منافسته الديمقراطية كاميلا هاريس التي أدخلت السياسة العامة بحالة من الشلل منذ ذلك الحين بسبب فقدان الإدارة التي خسرت الانتخابات التفويض الشعبي.  الأمر المهم الذي يتطلع إليه العالم هو مدى التزام الرئيس الجديد بوعوده الانتخابية وهي كثيرة ومثيرة للجدل تناولت العديد من القضايا التي إن تحققت فإن من شأنها أن تحدث انقلابًا في السياسة العالمية يؤدي إلى فسح المجال أمام العديد من الفرص لكنه بدون شك سوف يجلب الكثير من التحديات التي قد تستهدف أسس النظام العالمي. هذه الخلفية شكلت الدافع وراء تبني القمة الخليجية لقرار مهم بشأن العلاقة مع الولايات المتحدة حيث أعلنت في بيانها الختامي عن " تطلع دول مجلس التعاون لتعزيز العلاقات التاريخية والاستراتيجية مع الولايات المتحدة في ظل رئاسة ترامب والعمل معًا على تحقيق السلم والاستقرار في المنطقة والعالم". نحاول في هذه المقالة استشراف أهم التوجهات في السياسة الخارجية للإدارة الجديدة وانعكاساتها على العلاقات الأمريكية-الخليجية وعلى الأمن والسلم في المنطقة وأثر ذلك على أهم قضايا المنطقة. 

الصفات الشخصية للرئيس ترامب وتأثيرها على إدارته

هناك عوامل عديدة تداخلت في تشكيل شخصية ترامب من أهمها القضايا التي تعلمها من والده رجل الأعمال فريد ترامب الذي كون ثروة من العمل في قطاع العقارات بمدينة نيويورك. ترامب الأب الذي يعود لأصول ألمانية كان معروفاً بأفكاره النازية التي ورثها ونادى بها ترامب الابن في مختلف مراحل حياته ومنها نظرته إلى الأقليات والتخويف والترهيب منها ومن المسلمين واتهامه للرئيس أوباما بأنه مسلم وغير أمريكي وأنه قام بتزوير شهادة ميلاده.  كذلك فإن من الأمور التي تعلمها من والده البراغماتية الشديدة ومن ذلك علاقته بالمافيا في مدينة نيويورك التي كانت تسيطر على اتحادات عمال البناء وصالات القمار بالإضافة إلى دورها الكبير في عالم المال.  العامل الآخر الذي ورثه عن والده هو أهمية إحاطة نفسه دائماً بإناث على أعلى درجات الولاء والذين هم على أتم الاستعداد لتلقي السهام في سبيل حمايته بالطبع الولاء هنا يسير باتجاه واحد. ولذلك فهو يمتاز بجرأة كبيرة على المخاطرة لكن ليس بنفسه وإنما بالآخرين. 

يعتبر عمله في الإعلام من أهم المنعطفات في حياته التي شكلت صورته الخارجية من خلال برنامجه (The Apprentice) الذي أكسبه شهرة كبيرة أوصلته إلى النجومية لأن دوره في البرنامج الذي دام لسنوات منحه شخصية جديدة بعيدة عن شخصيته الحقيقية، وهي صورة المسؤول الحازم الذي لا يتساهل مع أقرب المقربين منه.  هذه التجربة رسخت عنده قناعة بأهمية المظاهر الشخصية أولاً وقبل كل شيء، فالمهم عنده في الزيارات الرسمية المظاهر الرسمية والعروض التي يظهر فيها بمظهر القائد والزعيم المبجل. كما أنه يؤمن بأن كل قرار أو موقف يجب أن يقاس بمقدار الشعبية التي يمكن أن يجنيها أو يفقدها من ورائه، وكانت هذه القضية هي أحد الأسباب التي دفعت به للضغط على نتنياهو لقبول وقف إطلاق النار في غزة، لأنه يعتقد بأن الحرب تظهر إسرائيل بصورة غير جيدة أمام العالم.  

أهم ملامح سياسة ترامب الخارجية

أبرز المتغيرات التي سوف تشهدها المرحلة القادمة ستكون في مجال السياسة الخارجية الأمريكية وتستهدف الأساس الذي قامت عليه تلك السياسة منذ الحرب العالمية الثانية، ألا وهو الأمن الذي يعتبر العامل الأهم وراء هيمنة الولايات المتحدة على السياسة العالمية في فترة الحرب الباردة، حيث سعت إلى تقسيم العالم إلى معسكرين متصارعين هما الشيوعي والغربي، والذي تحول في فترة الحرب على الإرهاب إلى صراع بين محوري الخير والشر.

الانشغال بالقضية الأمنية فتح المجال أمام منافسي الولايات المتحدة وفي مقدمتهم الصين لسحب البساط الاقتصادي من تحت أقدامها، فاستطاعت الصين أن تصبح الشريك الأول لمعظم دول العالم مزيحة أمريكا من مكانتها التقليدية.  هذا الوضع سوف يتغير ويصبح الاقتصاد هو محور الصراع العالمي، الذي سوف يتركز على جبهات محددة من أهمها السيطرة على الموارد الطبيعية، والأسواق، وطرق التجارة العالمية. لذلك سوف تتبنى الإدارة سياسات من أهمها:

  • أمريكا أولاً: ينظر الرئيس إلى الولايات المتحدة نظرته لنفسه، وهي أن عليها أن تقدم مصالحها أولاً وأخيراً بغض النظر عن آثار ذلك على الآخرين. وأن الغاية الوحيدة من العلاقات هي تحقيق أكبر قدر من المصلحة الآنية. هذه المقاربة سوف تكون لها تبعات كبيرة خصوصاً على المنظمات الدولية والعمل المشترك.  لابد من التذكير هنا بأن النظام العالمي الذي برز بعد الحرب العالمية الثانية تأسس على قواعد وأتخذ وسائل لضمان ديمومته من أهمها المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية وغيرها. ولعل من أكبر الشواهد على المقاربة الجديدة أن مجلس النواب الذي أفرزته الانتخابات الأخيرة وتسيطر عليه أغلبية جمهورية، أصدر أول قرار له بمعاقبة كوادر المحكمة الجنائية الدولية على إصدارهم مذكرة اعتقال بحق نتنياهو.

التغيير القادم سوف يشمل المقاربة التي كانت الولايات المتحدة تلجأ إليها في مواجهة المخاطر ومعالجة الأزمات وذلك من خلال العمل المشترك وإقامة ترتيبات دائمة وآنية، مثل حلف الأطلسي والتحالف لمكافحة الإرهاب.  هذه الناحية سوف تشملها عملية التغيير أيضاً، لأن الولايات المتحدة، من وجهة نظر ترامب، ليست بحاجة إلى شركاء يستغلون علاقتهم بها لتحقيق مصالحهم.  ولذلك سوف يقوم بإعادة النظر بعلاقات الولايات المتحدة مع أقرب حلفائها مثل حلف الأطلسي، كما أنه أعلن عن نيته فرض تعريفة جمركية على الواردات من كندا والمكسيك على الرغم من ارتباط هذه الدول باتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA)، مع أنه هو الذي وقع على صيغتها الحالية في فترة رئاسته السابقة. وإذا لم يكن ذلك كافياً فقد صرح برغبته في ضم كندا إلى الولايات المتحدة.

  • تصفير الصراعات المستدامة مثل الحرب في أوكرانيا والنزاعات في منطقة الشرق الأوسط في سبيل توجيه الجهود نحو المنافسة الاقتصادية.
  • الحفاظ على دور الدولار كعملة عالمية ومحاربة جهود الدول، مثل مجموعة بريكس، الساعية إلى اعتماد عملات أخرى في المعاملات التجارية العالمية وخصوصاً في أسواق الطاقة.
  • إعادة السيطرة الأمريكية الشاملة على قناة بنما وضم غرينلاند إلى الولايات المتحدة. وعندما سئل الرئيس المنتخب عن احتمال استخدامه للقوة في هذين المجالين، قال بأنه سوف يلجأ إلى تحقيق تلك الأهداف من خلال استخدام جميع الوسائل ومنها الاقتصادية والعسكرية.

أثر السياسات الجديدة على قضايا المنطقة

السياسات التي سوف تتخذها الإدارة القادمة في واشنطن سوف يكون لها الأثر الكبير على قضايا المنطقة ومن أبرزها:

  • القضية الفلسطينية: الأولوية الأولى لإدارة ترامب هي تحقيق ما يسمى بالحل النهائي للقضية الفلسطينية بعد تحقيق وقف إطلاق النار في غزة. الحل النهائي سوف يشمل الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان وأغلب المستوطنات، إن لم يكن جميعها، مع وضع مسار لحل الدولتين، ليس بالطبع إقامة دولة فلسطينية، بل وضع خارطة طريق مرنة نحو الوصول لذلك، يتبع ذلك تطبيع العلاقات بين الدول العربية خصوصاً المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وإقامة منظومة أمنية أمريكية تشمل دول الإقليم وإسرائيل.
  • القضية السورية: الاعتماد على الشريك التركي في تصفية الوجود الروسي والإيراني في سوريا.
  • الموقف من إيران: بات من الواضح أن دور المشاكس الذي اضطلعت فيه إيران في المنطقة منذ قيام الثورة الإسلامية هناك والذي تضمن إثارة النعرات الطائفية وتبني جماعات مسلحة تعمل خارج سلطة الدول، قد استنفذ أغراضه. لذلك نشط الوسطاء في حمل الرسائل إلى قادة دول المنطقة وفي مقدمتها إيران والعراق بأن المرحلة القادمة تتطلب حصر السلاح بيد الحكومات، وإنهاء أدوار الأجنحة العسكرية لإيران مثل حزب الله والحشد الشعبي في العراق. هذه القضية تجلت بوضوح في خطاب التنصيب للرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون عندما أعلن عن عزمه العمل على حصر السلاح بيد الدولة.
  • تطوير المصالح الاقتصادية مع دول الخليج: اهتمام الإدارة القادمة سوف يتركز على تطوير العلاقات الاقتصادية وزيادة مساهمة الشركات الأمريكية في اقتصاديات المنطقة وهي خطة تقف وراءها دوافع اقتصادية وأخرى جيوسياسية تسعى إلى الحد من تنامي دور الصين الاقتصادي والسياسي في المنطقة، مع تركيز الجهود على زيادة التعاون في قطاعات الطاقة متمثلة بالنفط والغاز والطاقة البديلة في سبيل تقليل اعتماد أوروبا على موارد الطاقة القادمة من روسيا كذلك سيكون هناك اهتمامًا متزايداً بتنمية طرق التجارة البرية والبحرية مثل الممر الاقتصادي في سبيل منافسة استراتيجية الصين للسيطرة على طرق التجارة العالمية من خلال مبادرة الحزام والطريق.
  • تغيير قواعد اللعبة في العراق: المتغيرات الجديدة في المنطقة سوف تلقي بظلالها على العراق الذي من المرشح أن يشهد تغييراً قد يأتي على ثلاثة مستويات، الأول سوف يكون على شكل تغييرات شكلية مثل إنهاء الميليشيات المسلحة المنفلتة والإبقاء على الحشد الشعبي، لكنها تحافظ على النظام السياسي والنفوذ السياسي الإيراني مع زيادة في النفوذ العربي والتركي. الاحتمال الثاني هو إحداث نقلة كبيرة في النظام السياسي في العراق من خلال إنهاء الدور الإيراني وحصر السلاح بالدولة وحل الحشد الشعبي وإحداث تغييرات بنيوية تشمل القضاء على الفساد.  هذا هو الاحتمال الأقوى، لأنه إن لم يتحقق فسيكون الاحتمال الثالث وهو السيناريو السوري المتمثل بسقوط النظام. هذه الاحتمالات تعتمد بالدرجة الأولى على قدرة الطبقة الحاكمة في العراق على قراءة الأوضاع العالمية القراءة الصحيحة ووضع الاستجابة المطلوبة موضع التنفيذ.

الخيارات الصعبة أمام دول الخليج

حالة الدول التي تمنت وصول ترامب إلى الحكم ثانية يصدق عليها المثل الغربي الذي يقول: "انتبه إلى ما تدعو إليه في صلاتك، لأنه قد يصبح حقيقة".  فها نحن نستقبل إدارة أمريكية جديدة على رأسها الرئيس الأسبق ترامب، وهي النتيجة التي كانت تتأملها العديد من الدول الخليجية التي تأثرت من سياسات إدارة بايدن المترددة والمرتبكة. إدارة ترامب سوف تحاول أن تتحرك بسرعة كبيرة خصوصاً وأنها مدعومة بأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، تجعل من الصعب جداً على المعارضة الوقوف أمام اندفاعتها القادمة التي لن تأتي بدون ثمن لأنها سوف تضع دول المنطقة أمام خيارات صعبة، من أهمها:

  1. السلام مقابل السلام في القضية الفلسطينية: الرئيس ترامب خلال فترة رئاسته الأولى لم يكن متحمساً لفكرة حل الدولتين، بالإضافة إلى أنه صرح في حملته الانتخابية بأن إسرائيل صغيرة من حيث المساحة ولذلك سوف يعمل على توسيع رقعتها الجغرافية، وهذا يعني ضمنياً الاعتراف بضم الجولان وغالبية أو جميع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى إسرائيل. هذه النتيجة سوف تؤدي إلى وأد فكرة الدولة الفلسطينية، وبالنتيجة إنهاء أي أمل واقعي بحل الدولتين الذي سوف يخرج بشكل وعود لن تحقق للفلسطينيين الحد الأدنى من طموحاتهم، هذا بالإضافة إلى أنه سوف يطالب الدول العربية وفي مقدمتها الدول الخليجية بتحمل أعباء الأمن والاقتصاد في الأراضي الفلسطينية ودفع فاتورة إعادة إعمار غزة والدمار الذي خلفته آلة الخراب الإسرائيلية. 
  2. التصعيد مع إيران: الرئيس المنتخب توعد إيران ومشروعها النووي في العديد من المناسبات. هذه الدعوات تناغمت مع تصريحات العديد من المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية وخصوصاً المتشددين منهم الذين طالبوا بقصف المنشآت النووية الإيرانية، التصعيد القادم قد يظهر على واحد من المستويات التالية:
  • التغيير الشكلي للدور الإيراني من خلال التخفيف من النبرة الطائفية وإنهاء دور الميليشيات المسلحة في العراق ولبنان، لكن مع المحافظة على الدور السياسي وإحداث عملية توازن في دور إيران في العراق واليمن ولبنان، وهذا أمر مستبعد لأنه يتعارض مع التوجهات الجديدة للمنطقة. كذلك يتناقض مع التصريحات المتشددة التي صدرت عن القيادة في إيران ومنها دعوة المرشد الأعلى لمن أسماهم الشرفاء في سوريا لمعارضة الحكومة الجديدة.
  • الاحتمال الثاني التصعيد من خلال رفع حدة منظومة العقوبات الاقتصادية التي يسميها ترامب "الضغوط القصوى"، لإجبارها على تقديم تنازلات سياسية تشمل إنهاء دورها العسكري في المنطقة مع العودة إلى مفاوضات جديدة حول برنامجها النووي.
  • الاحتمال الثالث يشمل التصعيد العسكري والسعي لتغيير النظام السياسي في إيران وإبدال نظام ولاية الفقيه بنظام أقل اندفاعًا في التوجهات الدينية وأكثر انسجامًا مع توجهات السياسة العالمية الجديدة. هذا التغيير قد يسبقه هجوم عسكري إسرائيلي-أمريكي واسع يشمل العديد من المفاصل الحيوية ومنها المنشآت النووية يؤدي بالنتيجة إلى شلل النظام أو إسقاطه من خلال انتفاضة شعبية، خصوصاً وأن الأوضاع الداخلية مهيأة وقد تزداد سوءًا مع تشديد منظومة العقوبات الاقتصادية.  الاحتمال الثاني هو الأرجح الآن، لكن فشله قد يدفع بالاحتمال الثالث إلى الواجهة.  شعور إيران بخطورة المرحلة القادمة هي التي دفعت بالرئيس الإيراني إلى زيارة موسكو والتوقيع على اتفاقية شراكة مع روسيا قبل فترة قليلة من تنصيب ترامب.

 

بغض النظر عن واقعية التوجهات الأمريكية فإن المرحلة القادمة تشكل فرصة نادرة أمام القيادة في إيران لإعادة رسم دورها في المنطقة وبناء علاقات تعاون مع دول الإقليم أساسها المصالح المشتركة. يبقى السؤال الأهم عن قدرة النظام الإيراني على التخلص من تبعات الماضي والعمل الجاد على وضع الاستراتيجية الجديدة موضع التنفيذ، خصوصاً وأن الوقت محدود جداً.  

  1. صعود الدور الإقليمي لتركيا: يتمتع الرئيس التركي بعلاقة قوية مع الرئيس ترامب تعود إلى ما قبل فترة رئاسته الأولى ربما بسبب اهتمامه الشخصي بإسطنبول التي هي من المدن التي تستضيف أحد أبراج ترامب. النجاح الأولي لتركيا في إدارة عملية التغيير في سوريا سوف يساعد الولايات المتحدة في تقليص النفوذ العسكري الروسي في سوريا ومنافسة النفوذ الاقتصادي الصيني.  تنامي الدور التركي سوف يفسح الطريق أمام شراكة أقوى بين دول المنطقة وأوروبا أساسها التعاون في مجال الطاقة.
  2. الاختيار في العلاقة مع الصين: شهدت السنوات الماضية سعياً من دول الخليج للعب دور متوازن بين الولايات المتحدة والصين، حيث ترتبط الأخيرة بعلاقات اقتصادية قوية مع دول الإقليم أساسها سد احتياجات الصين من موارد الطاقة ورغبة الصين في أسواق المنطقة، والاستفادة من موقع دول الخليج على طرق التجارة العالمية لتسهيل سير التجارة الصينية مع العالم. ولعل من أبرز نتائج هذه المقاربة رغبة دول الخليج في التقارب مع مجموعة بريكس بلس، وهي التي توجت بعضوية دولة الإمارات فيها وتعبير البحرين عن رغبتها بعضوية المجموعة.

إدارة ترامب سوف تسعى إلى تركيز الجهود على مواجهة الغريم الصيني في العديد من مناطق العالم وفي مقدمتها منطقة الخليج التي تعتبر حلقة مهمة في الاستراتيجية الصينية المسماة بالحزام والطريق.  أهمية المنطقة دفعت بالصين إلى توسيع تواجدها الاقتصادي في المنطقة ليشمل الوجود العسكري، حيث نجحت في إقامة قاعدة عسكرية في جيبوتي، وحصلت على موافقة الحكومات السابقة في كل من اليمن والسودان للحصول على تسهيلات وإقامة وإدارة موانئ فيهما لكي تضمن مواطئ قدم على بحر العرب والبحر الأحمر.  كذلك نشطت في المجال السياسي من خلال التوسط بين إيران والمملكة العربية السعودية.  لكن من المعتقد أن إدارة ترامب القادمة سوف لن تقبل سياسة مسك العصا من الوسط التي لعبتها دول المنطقة في السابق وسوف تستخدم الملف الأمني كوسيلة للضغط على دول المنطقة ووضعها أمام خيار صعب بينها وبين الصين.  ليس من الواضح المدى الذي سوف تذهب إليه الولايات المتحدة في إدارة ملف العلاقات مع الصين ودرجة التصعيد التي يمكن أن تقبل بها الصين ولا الحدود التي سوف تقبل بها الولايات المتحدة لعلاقة دول الخليج مع الصين، خصوصاً وأن الأخيرة تمثل السوق الأول لدول المنطقة في مجال تصدير النفط.

  1. التصعيد الإسرائيلي ضد جماعة الحوثي في اليمن: السياسات التي اتخذتها السلطة المتنفذة في صنعاء والمتمثلة بجماعة الحوثي وانخراطها الكامل فيما يسمى محور المقاومة الإيراني سوف تكون له تبعات كبيرة على مستقبل الأوضاع في اليمن. لكن صورة المستقبل هناك ليست واضحة بسبب الخلافات الإقليمية حول طبيعة النظام السياسي الجديد. الواضح من خلال التصريحات للعديد من المسؤولين الإسرائيليين أن التصعيد العسكري مع جماعة الحوثي في اليمن سيكون الأولوية بعد وقف العليلات في غزة.  لكن هناك جدل في إسرائيل حول جدوى العملية وهل توجه الأنظار إلى جماعة الحوثي أم إلى إيران بوصفها الدولة الراعية للجماعة التي توفر لها الأسلحة والمعلومات. 

تطورات الأوضاع في اليمن تشكل تحدياً كبيراً وتصعيداً خطيراً، لكنها تفتح الأبواب أمام مقاربة جديدة لحل المعضلة التي دامت سنوات طويلة، وهي تستدعي قيام المملكة بالإمساك بزمام المبادرة والتقدم بمشروع واضح واعتماد قيادة يمنية قادرة على إدارة الأوضاع يدعمها تحالف سياسي يمثل قاعدة شعبية واسعة، على غرار ما قامت به تركيا في سوريا.

  1. السياسات الاقتصادية التي أعلن عنها الرئيس المنتخب ترامب خلال حملته الانتخابية ومن أهمها فرض التعريفة الجمركية على الواردات الأمريكية من شأنها أن تؤدي إلى إشعال حروب اقتصادية بين قوى العالم الكبرى مما يهدد الاقتصاد العالمي الذي قد يتأثر سلباً من جراء تلك السياسات وتؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط والغاز من المنطقة.

خاتمة القول، إن المرحلة القادمة التي بدأت مع وصول الإدارة الجديدة سوف تحمل في طياتها فرصاً كبيرة للمنطقة لحل الأزمات المستعصية في العديد من المناطق وقيام شراكة في مجالات الأمن والاقتصاد والتكنولوجيا.  لكن تحقيق هذه الشراكة يتطلب جهداً كبيراً من دول المنطقة في توحيد الرؤى وصولاً إلى إقامة سوق اقتصادية واحدة، كذلك السعي نحو تطوير مشروع مشترك لمستقبل المنطقة. هذه الصورة المتفائلة يعكر صفوها العديد من المشكلات التي تحتاج إلى الكثير من العناية والرعاية مثل الحل العادل للقضية الفلسطينية ومعالجة تبعات العلاقة مع إيران التي يجب أن تسعى دول المنطقة لجعلها أحد أهم الشركاء في المشروع التنموي وإنهاء الصراع المسلح في اليمن.

مقالات لنفس الكاتب