"اليمين المتطرف" وصف يطلق على تيار سياسي يتركز أساسًا اليوم في أوروبا ، ولكن أيضًا في غيرها من البلدان، كمثل إسرائيل في الشرق الأوسط، و الهند وتركيا في آسيا، وكما كان التطهير العرقي في عدد من البلاد، كما في البوسنة و الهرسك، و في روندا الإفريقية، وقبل ذلك تاريخيًا الهنود الحمر في القارة الأمريكية الشمالية، والتطهير العرقي في ميانمار تجاه مسلمي الروهينجا ، كلها أشكال مختلفة من الحركات اليمنية المتطرفة ،ويتبنى هذا التوجه نزعة متطرفة تقوم على معاداة الآخر المختلف وكراهيته معادية للمسلمين في الغرب، و في بعض الدول معادية لليهود والأجانب، وفي مكان آخر معادي للمختلف الديني أو العرقي أو اللغوي، هذا التطرف لديه تمسك متطرف ومضخم لفردانية القيم الوطنية والهوية السياسية والثقافية واللغوية المحلية ولون البشرة أو المذهب الذي ينتمي إليها، و اليوم يتسم بميل شديد إلى المحافظة الدينية المسيحية في الغالب، و لكن أيضًا بأي ديانة أخرى، كاليهودية (في إسرائيل) و الهندوسية في الهند.
وإن أردنا ان نجمل العوامل التي تقود إلى الكراهية والتطرف ضد الآخر فأنها لا تخرج عن صراع على المصالح الاقتصادية، والتي يرى فيها البعض أن الآخر (يزاحمهم) دون وجه حق في معيشتهم، وبعضها يذهب إلى أن الآخر (يسرق منه حقه) في العمل والعيش، ولكن ذلك لا يخرج إلى السطح بوضوح، أي العنصر الاقتصادي، ما يخرج إلى السطح هو كراهية المختلف الآخر من حيث اللون والعرق والثقافة واللغة والدين والمذهب، وغيرها من العوامل، لأنها عوامل يمكن إقناع العامة بها بشكل أسرع. اما تلك الخلفية (المزاحمة الاقتصادية) لا تظهر على السطح ولكن يكمن تفسير كل أو معظم أشكال التطرف، وإن أخذت مظاهر أخرى على السطح بأنها اقتصادية في الأساس، يبنى عليها ذرائع أخرى.
كما أن الظاهرة ليست جديدة فهي تاريخية تأخذ أشكلًا مختلفة وتظهر في الأزمات الاقتصادية، وفي الغرب تستفيد الطبقة السياسية منها للوصول إلى السلطة على درجات ثلاث، الأولى هو تهميش المختلف، والثانية شيطنته، والثالثة نزع الصفة الإنسانية عنه وتضخيم ما يبدو من أخطاء له في المجتمع، كالقول انتشار الجريمة بين السود في أمريكا، أو عدم القدرة على الإنجاز كما يدعى على الملونين في إنجلترا، أو القيام بجرائم كما في ألمانيا اليوم.
قلت الفكرة ليست جديدة، ففي العصر الحالي نتذكر خطة التهجير بالقوة ما أطلق عليهم ذلك الوقت ( الظهور المبللة) والتي تعني إعادة تهجير القادمين إلى أمريكا غير الشرعيين ، وخاصة القادمين من المكسيك، في خمسينات القرن الماضي، عندما كان دوايت أيزنهاور رئيسًا، المصوغ الذي جدده في الجملة الحالية ( حملة الرئاسة الأمريكية 2024) المرشح لنيابة الرئيس ترامب، حيث قال إن الإدارة القادمة سوف تهجر قسرًا مليون مهاجر غير شرعي، ذلك يتكرر في عدد من الدول الغربية، وأصبحنا نعرف اليوم خطة حزب المحافظين في بريطانيا و التي تحولت إلى قانون بتهجير من قدم إلى الجزر البريطانية إلى روندا ، إلا أن خسارة الحزب للسلطة في يوليو 2024م، عطلت الخطة، أما فكرة الضيق بالمهاجرين فلها شعبية كبيرة في المجتمعات الغربية في هذه الفترة التاريخية.
ظهور المصطلح
عندما انطلقت الثورة الفرنسية عام 1789م،غيرت وجه السياسة العالمية، حينها اجتمع السياسيون الفرنسيون في البرلمان لمناقشة حق النقض الذي كان سيُمنح للملك حينها، ومع احتدام النقاش تجمع الموالون للملك لويس الـ16 و المنحازون لسلطته الكاملة إلى اليمين، أما المطالبون بسلطة محدودة للملك، فقد تجمعوا إلى اليسار، وكتبت الصحف الفرنسية عن تلك الحادثة في حينها عن الخلاف بين ( اليمين ) و( اليسار ) وبدأ مصطلح اليمين واليسار، شيئًا فشيئًا يتطور ليعبر عن موقف سياسي، فأصبح اليمين بشكل عام سمة "التقليديين" المحافظين على تقاليد الحكم المعترف بها، أما اليسار فأصبح سمة "التقدميين" أو الثوريين، الذين يؤمنون بسلطة الشعب ويرفضون سلطة الواقع. ويطالبون بالتغيير، وقد انتشر المصطلح مع الزمن في الممارسات الديمقراطية الغربية على اختلاف درجاتها، وبل حتى في الدول الأخرى التي تبنت التعددية السياسية بشكل أو بآخر، وأصبح المصطلح يستخدم بمرونة في التعبير، فاليمين يعبر عن (المحافظة) السياسية أو الدينية أو الاجتماعية، واليسار يعبر عن المعارضة أو التغيير بل حتى الاشتراكية أو الشيوعية.
سبب تجدد المصطلح بأثواب أخرى
تمر المجتمعات الصناعية الغربية بأزمة اقتصادية تتراوح بين الحادة والمتوسطة، و تدخل التجارب السياسية هناك في شبه مأزق، كمثل ما يحدث مؤخرًا في فرنسا و ألمانيا بل وحتى في الولايات المتحدة وعدد من دول أوروبا الشرقية ، إلى درجة أن بعض المحليين يتحدثون عن مفهوم جديد عنوانه ( شيخوخة الديمقراطية الغربية ) أي عدم قدرتها على تقديم حلول ناجحة للمشكلات الاقتصادية التي تواجهها، ويذهب بعض السياسيين إلى الطريق السهل لوضع اللوم على الآخرين ( المهاجرين) على الرغم من أن شريحة كبيرة منهم يساهمون بنشاط في الاقتصاد ، هذا اللوم يجد الكثير من القبول لدى الطبقات العمالية وحتى المتوسطة في تلك البلاد .
في هذه الأزمة الاقتصادية يبحث السياسيون عن (كبش فداء) يقدموه لشعوبهم تفسيرًا للأسباب الني أوصلت الاقتصاد إلى تلك الأزمة، ولا يجدون إلا الآخر المختلف والذي قدم لهم من خارج الحدود. ولعل كتاب سيدة وارسي، أول مسلمة تدخل الحكومة البريطانية والتي نشرت كتابها (العدو من الداخل، قصة مسلمي بريطانيا) عام 2017م، والذي تحدثت فيها عن (صعوبات قبول المجتمع البريطاني للمسلمين) وهو كتاب يعبر عن ذلك الخوف المرضي لدى شرائح واسعة من المجتمع البريطاني (المتحضر)
في وقت ما ليس بعيد، عندما دخلت ألمانيا في أزمة اقتصادية حادة بعد الحرب العالمية الأولى وأصبحت عملتها أقل سعرًا من ( ورق التواليت) كما هو التعبير الشائع، نشط اليمين المتطرف لوضع اللوم على الآخرين، و قاده حزب الرايخ الثالث بقيادة أدلوف هتلر، وقتها قامت الدعاية النازية بشيطنة الآخرين المتسببين في الأزمة وهم اليهود، حيث تم اتهامهم أنهم مسيطرون على الاقتصاد وقتها في ألمانيا ،ولكن غيرهم أيضًا من الأغيار ، على أساسي نقاء العنصر الأري، وارتكبت في حق اليهود، و الغجر و السلوفاك مجازر سجلها التاريخ، بل أن من قتل من السلوفاك في ذلك الوقت أكثر ممن قتل من حيث العدد من اليهود !
لقد جنح اليمينيين يمينًا، بين الحربين العالميتين، ومنهم أدولف هتلر في ألمانيا وبينيتون موسوليني في إيطاليا، من أجل الحصول على شعبوية تسند حكمهم، وهكذا ظهر بعد اليمين ما يعرف بـ"أقصى اليمين" وسمي أيضًا "اليمين المتطرف" وتشكلت الفاشية والنازية، حركتان قوميتان رأس الحربة، كما ظهر أيضًا إلى جانب اليسار مفهوم "أقصى اليسار" أو "اليسار المتطرف" في فترة صعود الاتحاد السوفياتي الذي ظهرت معه تيارات يسارية متشددة وتدعو إلى ما تسميه العنف الثوري.
المجازر ضد اليهود التي قام بها اليمين الألماني إبان الحرب العالمية الثانية، أنتجت مع عناصر أخرى في نهاية الأمر دولة هي إسرائيل، والتي شيطنة أهل البلاد الأصليين، الفلسطينيين، فبدا اليمين الإسرائيلي يدعو كما فعل هتلر بإبادة الفلسطينيين وتهجيرهم.
هذا في عالم السياسة، أما في الاقتصاد فالأمر معكوس تمامًا، فاليمين يميل إلى عدم تدخل الحكومة في الاقتصاد (سوق حرة، ضرائب أقل، ورأس المال هو الأقوى، ولكل إنسان فرصته للتقدم)، أما اليسار فهو مع أن تكون الحكومة صاحبة الدور الأكبر في الاقتصاد، وأن تكون الضرائب أكثر على الأثرياء من أجل مد الحكومة بالمال والقوة، لإعادة هذه الأموال إلى الناس عبر التعليم والصحة والخدمات العامة فتتحقق المساواة، وهذا ما يقوم به حزب العمال البريطاني. إلا أن هناك حدود بين الاقتصاد والسياسة، فرغم أن حزب العمال البريطاني، على سبيل المثال وصل إلى الحكم في 5 يوليو 2014م، فسرعان ما انفجرت أمامه أزمة في وسط أغسطس 2024م، من خلال قتل طفل أسود لعدد من الأطفال البيض، رغم أن القاتل من أسرة قديمة وغير مسلمة، إلا أن المتطرفين هاجموا المسلمين وأماكن تجمعهم وتعبدهم، دليل على أن هناك رغبة دفينة لدى اليمين المتطرف للثأر من المزاحمين !!
.اختلاف الزمن
حتى مع اختلاف الزمن فإن قاعدة شيطنة الآخر واعتباره غريبًا ومزعجًا ويجب التخلص منه، لأنه يستولي على لقمة عيش المواطن، تلك القاعدة لا زالت قائمة، والآخر على مر الزمن هو المختلف لونًا أو عرقًا أو ديانة، بل في بعض الأوقات تكون ديانة الغريب والمتطرف واحدة، ولكن بسبب الخوف على لقمة العيش تنتشر الكراهية، كمثال فإن تطرف اليمين التركي ضد السوريين، أصبح شائعًا، الاثنان من دين واحد، كما تطرف الأتراك ضد الأكراد ملموسًا رغم أنهم من بلد واحد ودين واحد !! وهي نماذج تتكرر في أكثر من موقع جغرافي.
و من أشهر أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا " اليوم الجبهة الوطنية" الفرنسية و الكارهة علنًا للأجانب والمعادية للإسلام، على وجه الخصوص، بسبب وجود جالية مسلمة كبيرة في المدن الفرنسية من شمال إفريقيا، وكذلك حزب الوسط الديمقراطي في سويسرا الذي كان وراء استفتاء شعبي على منع بناء المآذن في البلاد، والذي أجري يوم 29 نوفمبر 2009م، وفي"حركة " الألمانية وهي الحركة التي تأسست عام 2014م، والمناهضة لما تدعوه في شعاراتها منع أسلمة الغرب ، وقد حصلت على نسب كبيرة في الانتخابات الأخيرة (أغسطس 2024م)
كما عاد الجدل بشأن موقف اليمين الأوروبي المتطرف، من الإسلام والمسلمين إلى الواجهة، من جديد مع نشر السياسي اليميني الهولندي المتطرف، "خيرت فيلدرز" زعيم حزب الحريات اليميني، مقطع فيديو على حسابه على “تويتر" عنون له بعبارة (لا للإسلام لا لرمضان.) !! وهو شعار يدقدق شعور المتطرفين.
وقد أثار مقطع الفيديو للسياسي الهولندي المتطرف، موجة من الغضب بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي من المسلمين، خاصة مع اختيار فيلدرز نشر مقطعه خلال شهر رمضان المبارك، الذي يمثل علامة بارزة، في حياة المجتمعات الإسلامية في أنحاء العالم، ويتضمن مقطع الفيديو الذي شاركه فيلدرز صوت الأذان، وعبارات "رمضان ليس من ثقافتنا، ولا من تاريخـنا وليس من مستقبلنا. أوقفوا الأسلمة. الإسلام لا ينتمي إلى هولندا".
كما أظهرت النتائج النهائية لانتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو 2014م، احتفاظ كتلة يمين الوسط بالصدارة بربع عدد المقاعد في البرلمان، وحلول الاشتراكيين بالمركز الثاني، فيما لحقت خسارة كبيرة وصلت لثلث عدد المقاعد بالليبراليين وأحزاب البيئة.
وكان الأوروبيون قد توجهوا إلى صناديق الاقتراع على مدى 4 أيام لانتخاب أعضاء البرلمان الأوروبي الجدد في القارة التي تشهد أحداثًا جيوسياسية مهمة وتزايدًا في النزعة القومية، وضيق في المجال الاقتصادي مع تضخم مالي وغلاء معيشة.
وبحسب وكلات الأنباء، أظهرت النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية الأوروبية، حصول مجموعة حزب الشعب على 26.3% من المقاعد وهم اليمين، تليها مجموعة الاشتراكيين بنسبة 18.8%، ثم الليبراليون بنسبة 11.5%، وحصل المحافظون على 10%، بينما حصل اليمين المتطرف على 8.1%، وحلّت أحزاب البيئة في المركز قبل الأخير بنسبة 7.4%.
وكانت التوقعات المبكرة تشير إلى أداء قوي لأحزاب اليمين المتطرف في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، مع وجود قدر كبير من عدم الرضا لدى الناخبين وتوبيخ لاذع للتيارات السياسية السائدة المعتدلة.
وسجلت أحزاب اليمين المتطرف زيادة في عدد المقاعد بحصولها على المركز الأول في إيطاليا وفرنسا والثاني في هولندا وألمانيا.
خلفية لها علاقة
ربما أحداث 11 سبتمبر في أمريكا عام 2001م، وما تلاها من مظاهر العنف، و الحرب التي تلت سواء في افغانستان و العراق، وأيضًا مجموع الهجمات الإرهابية التي قام بها من يقول أنه منتمي للإسلام في عدد من عواصم الغرب ، مثل باريس و لندن وبروكسل، و الصراع في الشرق الأوسط، كلها بجانب استفادة الحركات المنتمية للسلام الحركي من الحريات النسبة في العواصم الغربية، كل تلك العوامل مجتمعة، مع وضع اقتصادي متأزم ، أدت إلى ذلك الشعور بالكراهية للإسلام الذي رآه الغرب أنه متطرف وعنفي ، ومزدري للمرأة و الحقوق العامة للمواطنين وغير ديمقراطي .
انتشار اليمين المتطرف والعرب
في حقيقة الأمر إن حكومات الغرب المتطرفة تنظر إلى المخاطر القادمة من الشرق الأوسط كما تنظر إلى المنافع أيضًا ، في شطر من الشرق الأوسط العربي، هناك أزمات اقتصادية و سياسية تدفع حجم ليس قليل من المواطنين إلى اللجوء أو (الفرار إلى الغرب) فسوريا و العراق و لبنان والسودان وليبيا وبعض الدول العربية في شمال إفريقيا مواطنوها أو مواطنين من إفريقيا السوداء يعبرون البحر جميعًا في (قوارب الموت) إلى الشواطئ الأوروبية ، مما يزيد الضغط على الموارد الأوروبية، و كما تزيد الكراهية لهذه الهجرة ( غير المشروعة) وقد زاد الطين بلة أن توجه بعض المهاجرين لأسباب مختلفة إلى العنف في مجتمعات اللجوء مما زاد من نفور تلك المجتمعات ،وضع اللوم كله على ( الإسلام وسلوكيات المسلمين)!
أما العلاقة بدول الخليج، فإن الكراهية تبدو فردية، حيث يواجه السائح الخليجي بنفور في عواصم تلك المجتمعات، اما بسبب تصرف بعضهم بطريقة خاطئة في التعامل مع الآخرين أو إغراء الآخرين بما يحملون من حلي ومظاهر ترف للاعتداء عليهم، أو أن الغربي عامة لا يفرق كثيرًا بين المواطنين من الشرق الأوسط لأن لونهم متقارب ولغتهم مختلفة.
أما على صعيد الحكومات والمصالح الاقتصادية بين الغرب ودول الخليج، فإن الشرق الأوسط يعتبر سوقًا كبيرًا للبضائع والسلع الغربية، أما إذا نظرنا إلى السوق الخليجي، فإن الاستهلاك فيه يفوق عدد السكان بسبب مقدرة المواطنين مرتفعي الدخول على الإنفاق، فهو سوق مغري للبضائع والسلع والخدمات الأوروبية من جهة كما أنه مصدر لأهم سلعة يحتاجها الاقتصاد الغربي، وهي الطاقة من نفط وغاز، لذلك تجد أن هناك تسهيلات لمواطني الخليجي في الانتقال إلى العواصم الغربية. أما رأس المال الاستثماري الخليجي في الغرب فيواجه ارتفاع الضرائب والتضييق على تحول رأس المال.
لذلك فإن الوثيقة التي صدرت في يونيو والتي تنظم العلاقة بين دول الاتحاد الأوروبي ودول الخليج لا زالت في خطوطها العريضة محترمة من حكومات اليمين الأوروبي، حيث تحقق مصالح الطرفين، وقد جرى مؤخرًا تسهيل فيز المواطنين الخليجيين (شنجن) لأوروبا في مجموعة شنجن التي تربط كل دول السوق الأوروبي وغيرها كسويسرا، والتي سوف تصبح قريبًا متاح الإلكترونيات ولمدة خمس سنوات للأفراد العاديين كما نشر مؤخرًا.
الخلاصة
ظاهرتان متعارضتان تظهر لنا اليوم على الساحة العالمية، فالعالم يتغير و يتفاعل مع بعضه كما لم يحدث في السابق، كما تلازم ذلك التغيير ( رفع السوا ) إن صح التعبير أمام حركة البشر ، وهما تناقض مشاهد، لا يمكن أن يستمر ، كما أن موازين القوى الدولية تشهد تغيرًا متسارعًا ،و تؤثر الحروب و الصراعات التي تجري حولنا من سرعة و اتجاه تلك المتغيرات، لذلك فإن الزمن القادم سوف يشهد تسارعًا غير مسبوق في التغير في العلاقات الدولية، ومن ضمنه ظهور تكتلات اقتصادية كبيرة من جهة ، واتساع فرص التجارة مع دول تشق طريقها بسرعة إلى التصنيع الحديث ،وذلك يشكل فرصة لدول الخليج لإعادة النظر في تمتين علاقاتها البينية بينها وبين دول الغرب، و البناء على المصالح المشتركة لتحقيق الأمن والرخاء لمجتمعاتها، ومن بينها ضبط العلاقة الجماعية بدول السوق الأوروبية المشركة وبين دول الخليج، كما حث دول السوق على الانخراط النشط في حل مشكلات الشرق الأوسط، سواء في فلسطين أو الدول التي تؤيد الهجرة بسبب الحروب الداخلية كما في السودان و سوريا و لبنان و ليبيا، ولقد قامت بعض تلك الدول بخطوات صغيرة و لكن محمودة مثل مبادرة إيطاليا مع تونس، إلا أنها نقطة في بحر ، فالموضوع يحتاج إلى سياسات استراتيجية، للمساعدة في إطفاء حرائق الشرق الأوسط الملتهبة .