; logged out
الرئيسية / القمة العربية القادمة في المملكة العربية السعودية يتوجب أن تسمى قمة إدارة المخاطر

العدد 185

القمة العربية القادمة في المملكة العربية السعودية يتوجب أن تسمى قمة إدارة المخاطر

الأحد، 30 نيسان/أبريل 2023

مقدمة: أكثر من نصف قرن والخلاف يذر قرنه بين العرب، فبعد الحرب العالمية الثانية ومعظم الدول العربية تتعرف على حريتها بعد استعمار طويل تركي أولاً ثم غربي، لم يكن هناك مشروع عربي واضح، كانت الضبابية هي السائدة بين المطالبة بوحدة عربية، وبين أوطان وطنية ترى النور. الوحدة العربية كانت فكرة نابعة من التفكير المستخرج من الدول الغربية على قاعدة (الدولة القومية) ولكنه لم يطرح للنقاش بحرية وبجدية في الفضاء العربي ذي التكوين السياسي والجغرافي المختلف، كان البديل هو تجمع فضفاض سمي (جامعة الدول العربية) وهي المفروض أن تمثل مصالح المجموع والدفاع عن قضايا المجموع، إلا أنها ولدت مقيدة ومساحة الحركة لها محدودة.

قضية فلسطين وما نتج عنها من صراع ليس بين العرب والفلسطينيين من جهة فقط و الإسرائيليين من جهة أخرى ولكن بين العرب أنفسهم من جهة أخرى في سباق لفظي محموم من (يحرر فلسطين)؟، وقد عادت الجيوش  العربية الضعيفة وغير المدربة بعد الهزيمة الأولى عام  1948م، وهي تحمل الفشل العسكري إلى بلدانها ولام العسكر ( الطبقة السياسية وقتها) على الهزيمة، فكان أن بدأت سلسة من الانقلابات العسكرية، كان أهمها في مصر عام 1952م، ومن ثم تلت الانقلابات العسكرية على مدى عقود من الزمن وهي الانقلابات العسكرية على الحكومات المدنية  في العراق، وسوريا، والسودان، وليبيا، و اليمن، وخاضت دول أخرى حروبًا ضد المستعمر كما في الجزائر .

كانت هزيمة عام 1948م، مدوية، واشتعل بين العرب سباق في ( تمني الوحدة) والتي وجد بعضهم أنها الطريق الأقصر لتحرير فلسطين، وأن غيرهم ( قاوم الوحدة)،  فتمت المفارقة بين ( الدول الثورية) و( الدول المحافظة) فيما عرف بالحرب العربية البادرة، لقد وصل إلى الحكم في الدول ( الثورية / الانقلابية) مجموعة ربما ( غير ناضجة سياسيا) من فئة العسكر  العرب انصاف متعلمين، وخبرتهم بالسياسية (عاطفية) ومحدودة وليست عملية، وخاضوا تجارب  مريرة فيما بينهم ( أي انقلاب وراء انقلاب)  في نفس البلد، كما حدث في سوريا و العراق و اليمن، و حتى مصر في بداية حكم العسكر ، ثم خاض حزب واحد حكم في كل من العراق و سوريا حربا شعواء فيما ببن الفرعين، وهو حزب البعث ( العربي الاشتراكي) والذي كان شعاره ينضح بالعاطفية والسذاجة ( أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)!

 أما العلاقة مع الدول المحافظة وكان جلها في الخليج وقد تفجر النفط في أراضيها، فاعتبرت عقبة أمام (التقدم العربي)! وهكذا انشق الصف العربي إلى درجة خوض حرب ساخنة بالوكالة بين المحافظين و(الثوريين) في اليمن في ستينات القرن الماضي، وحرب أخرى إعلامية انشطرت فيها الأمة ربما حتى الهزيمة الكبرى عام 1967م، وكانت هزيمة نكراء، فتوسعت إسرائيل أكثر من ضعفها بعد أن سقطت كل شبه جزيرة سيناء وكل الضفة الغربية لنهر الأردن، فتبين إفلاس المعسكر (الثوري) في كل من السياسة والحرب.

وهكذا خاض العرب حربهم الباردة لعقود طويلة، خسرت الأمة الكثير من القدرات والموارد وحتى الأنفس، لقد كانت فترة طويلة مؤلمة و مفارقة للواقع، ومع الحرب الإيرانية / العراقية (1981-1988م) وقبلها الثورة الإيرانية عام 1979م، زاد الانشقاق بين العرب، أما احتلال العراق للكويت عام 1990م، فقد وسع الهوة كثيرًا وعميقًا وسقطت عمليًا كل الشعارات القومية ، و تكتل العرب بين مؤيد للاحتلال ورافض له، أما سقوط النظام العراقي عام 2003م، فقد اكتمل الانحدار تقريبًا والانقسام من خلال تدخل قوى إقليمية في المنطقة، وعلى الأخص إيران و تركيا، فالأولى أصبح لها نفوذ طاغ في كل من سوريا و العراق و لبنان و اليمن، و مدت طموحها حتى إلى بعض دول الخليج وأما تركيا فقد مدت نفوذها في شمال العراق و شمال سوريا و ليبيا، فوجد العرب أنفسهم محط ( شهوة امتداد النفوذ) والذي يصل إلى حد ( الاستعمار) و ربما أقسى من الاستعمار الغربي السابق .

لذلك كانت ردود فعل العرب هي محاولة (إنقاذ ما يمكن إنقاذه) وهكذا ظهر مجلس التعاون بين دول الخليج عام 1981م، وهذا أدى بدوره ظهور تجمع آخر هو مجلس التعاون العربي عام 1989م، بين العراق والأردن ومصر واليمن، الأخير كان ردة فعل سلبية أو تكاد تكون عدائية من النظام العراقي السابق لدول الخليج، والذي وجد نفسه بعد انتهاء الحرب مع إيران (منتشيًا ومنتصرًا) واقنع كل من الأردن ومصر واليمن أن تنضم إليه في محور مقابل ومبطن على أساس أن ذلك المحور يمكن أن يوازن محور مجلس التعاون الخليجي، ويضغط عليه.

الجامعة العربية

على الرغم من أن فكرة الجامعة العربية هي، إن حسنت النيات، تقوم بتنظيم التعاون العربي وتقلل الصراعات، وقد وُقع في رحابها العديد من الاتفاقات العربية السياسية والاقتصادية و حتى العسكرية، ولكنها في ضوء الاستقطاب بين ادعاء الثورية، واتهام المحافظة، بقيت في مكان شبه عاجزة أن تحقق اليسير  من الإنجازات، ومن يقرأ بيانات القمم العربية المختلفة، و قد كانت في زمن منتظمة، وفي زمن آخر متباعدة، من يقرأ تلك الوثائق الأولى يعجب كيف صرف الرجال المؤسسون وقتًا ثمينًا من أجل حصول وفاق بين ( المجموعات الفلسطينية)  وهو (مرض سياسي في الجسم الفلسطيني قديم وتجذر ) أما أن قراء البيانات المتأخرة الصادرة من القمم العربية، فيشعر أن من كتبها هو تقريبًا نفس الشخص ( أي أن مفرداتها متشابهة و مكررة )  وفي الغالب عاطفية وخالية من المضمون، كل ذلك نتيجة عدم الوفاق العربي والذي كان يعمل في الخلفية، وكان يفتقد مشروعًا واضحًا للخروج من مأزق ( تهديد الأمن القومي العربي) إلى الانتقال لهدف أهم هو ( تحقيق الأمن القومي)، لم يترك لنا الثوريون في الغالب  إلا ثلاث، حروب متعددة، فقر اقتصادي، و تدني الحريات !

الانفراج الأول الفيصل/ عبد الناصر

كانت هزيمة حرب يونيو  عام 1967م، والتي هزمت فيها الجيوش العربية الثورية، من ثم اجتماع القمة العربية في الخرطوم العاصمة السودانية في أغسطس  من نفس العام، والاتفاق بين الفرقاء على ما عرف (اللاآت الثلاث، لا للتفاوض و لا للاعتراف و لا للصلح ) وضرورة تعبئة الطاقات العربية كلها من أجل المقاومة، واحتاجت وقتها الدول ( الثورية المحاربة) إلى التمويل من دول النفط، وخاصة الدول الخليجية فبدأ الوفاق الأول بين مصر عبد الناصر وبين المملكة العربية السعودية، خاصة في ساحة اليمن، حيث كانت هناك حربًا مستمرة لسنوات من بداية الستينات أهلكت اليمن وأهله، وهي بلاد صعبة و تتوزع بين قبائل متحاربة وقيادات تقليدية وفي أكثر الأوقات بينها حروب من أجل الحصول على امتيازات مالية و نفوذ . بعد قمة الخرطوم حدث ذلك الوفاق.

شكل ذلك الاتفاق انفراجه في العلاقات العربية سرعان ما اخترقتها بعض العواصم العربية منها طرابلس الغرب أي ليبيا وأيضًا العراق واليمن، في الوقت الذي انكفأت فيه مصر على مشكلتها الداخلية، ومع وفاة عبد الناصر عام 1970م، بدأت شهية (الثوريين) في عواصم عربية تتسابق لسد ثغرة الفراغ الناصري كما أشاعوا، كل بمشروع خاصة به ويرغب من الجماهير العربية الالتحاق به، سواء في دمشق أو بغداد أو طرابلس الغرب وحتى صنعاء!  و استمر ذلك التنافس بين الأطراف عقدًا كاملًا حتى اشتعال الحرب العراقية الإيرانية 1981م، فكان أن تحيزت سوريا البعثية مع إيران من جهة، وضد العراق البعثية التي ناصرتها دول أخرى وفي أتون حرب شعواء  تغيرت الكثير من الموازين، وما أن انتهي العقد الدموي، حتى انقلب النظام العراقي على أقرب المقربين وهم دول مجلس التعاون العربي في الخليج وقام باحتلال مروع للكويت أحرق فيه الأخضر واليابس،  وسجل سابقة منكرة في العلاقات العربية/العربية دفع فيها العراق لاحقًا ثمنًا باهظًا من ماله و استقراره و مستقبل أبنائه ولا زال، نتيجة تلك الحماقة والتي اتصفت بها الأنظمة الثورية العربية في مجمل تاريخها، ثم جاءت ما عرفت بـ ( ثورات الربيع العربي) فخلطت الأوراق و دخل عليها الإسلام الحركي وتحالفاته المشبوهة، و زادت شهوة الجيران إيران وتركيا للتدخل في شؤون الجيران العرب .

البحث عن وفاق:

لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في شهر مارس 2023م، تصريح لافت، قال ما معناه إن السياسة الخارجية السعودية هي في خدمة الاستقرار و التنمية في المملكة و الإقليم، وهو قول تبع الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية في 10 مارس 2023م، الذي يرمي إلى تخفيف التوتر والكف عن التدخل في الشؤون الداخلية بين الموقعين، كما أن دعم الصندوق السعودي لإيداع خمسة مليارات دولار في الخزينة التركية لمساعدة الاقتصاد التركي، يسير في نفس الطريق، حماية الأمن والتنمية في منطقة الخليج والشرق العربي من خلال سياسات خارجية نشيطة وواعية، إلا أن الأمر يحتاج إلى آخرين وخاصة الجانب الإيراني لتطبيق النوايا المعلنة على الأرض .

منظور العلاقة مع إيران:

ربما تطور علاقات إيران مع المنظومة العربية والخليجية هي أساس التفكير بمستقبل يقلل من التوتر ويزيد فرص التعاون، من لديهم المعرفة استقبل اتفاق 10 مارس 2023 م، بقبول متحفظ، وأشار إلى أن المنتظر هو خطوات إيجابية من قبل النظام الإيراني لتحيق نتائج إيجابية. من جهة أخرى فإن المتفق عليه أن المملكة العربية السعودية ليس لها أطماع في إيران أو غير إيران، وكل ما يقال عن تدخلاتها جهرًا أو غمزًا هو تخرصات وتزييف الحقائق تنطلق من عدد من القوى على رأسها الإسلام الحركي، والذي سوف يكون خاسرًا فيما تمت خطوات الوفاق، كما أن المتابع الفطن محصن ضد تصديق تلك المهاترات.

على الجانب الآخر ليس سرًا ولا حتى مخفيًا تدخل الجارة إيران في العديد من الدول العربية، الظاهر منها اليمن ولبنان وسوريا، والباطن عددًا آخر من الدول من بينها دول الخليج من خلال تعضيد المنشقين عن دولهم وتمويلهم، بل في بعض الأوقات جهرًا بالفخر لبعض السياسيين الإيرانيين إنهم على مقبض من عدد من العواصم العربية.

إنما السؤال (الذي هو سؤال المليون) إن صح التعبير، هل تُغير إيران توجهاتها وتبدل وجهة أشرعتها، بعد أن وجدت صعوبة في تغيير اتجاه الريح؟

البعض يرى صعوبة في ذلك، لأسباب أصبحت معروفة، أن لإيران شهية مفتوحة إلى الجانب الغربي (العربي)، إلا أن ذلك التصور أو الاستنتاج ربما يكون متسرعًا، فمهما قيل عن (تصلب النظام) وهو صحيح لأسباب تاريخية وأيديولوجية، إلا أنه في نفس الوقت إذا وجد أن الربح في خطوة ما مهما عظمت، أكبر من الخسارة، بدل من توجه أشرعته، وتفسيرها وتبريرها ليس صعبًا عليه.

والعالم حبس أنفاسه في عام ٢٠٠٢م، وتتصاعد نسبة الصراع بين نظام صدام حسين وقراءته العمياء للتطورات العالمية والإقليمية، وبين التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، توجس النظام الإيراني شرًا، وكانت القناعة السائدة لديه أن الولايات المتحدة وحلفاؤها في ذلك الوقت، (سوف تتغدى بنظام صدام حسين، وتتعشى بالنظام القائم في طهران)، بل إن مبادرات صدام حسين في ذلك الوقت تجاه إيران كانت باتجاه التحالف ضد (العدو المشترك)! فكان أن بادرت شخصية دبلوماسية. خليجية بالتوجه إلى طهران، وشرح مهمة القوات الدولية الموجودة في الخليج، والطلب من إيران أخذ موقف ( محايد إيجابيًا) من التطورات المتوقعة في المنطقة مع التأكيد من خلال عدد من  (الاثباتات) أن نظام طهران لن يُمس و( القصة طويلة و ليس الوقت مناسب لكتابة التفاصيل) إلا أن نظام طهران عندما تأكد من نجاته، وقدمت له الدلائل الحسية القاطعة على ذلك، تحول إلى ما اقترح عليه بأن يأخذ (الحياد الإيجابي) في الصراع، بل و صرف النظر ،عندما بدأت المعركة، عن طلعات طيران الحلفاء  من خلال أجوائه، ذلك الأمر أكده  زلماي خليل زادة ، المبعوث الأمريكي في كتابه الأخير السفير the Envoy  . الذي أكد فيه (الطبيعة المرنة للنظام الإيراني) عندما يرى أن هناك مصلحة يمكن تحقيقها! يقول زادة (إن الولايات المتحدة وإيران كان بينهم تنسيق عاليًا، وكان ممثل إيران في الأمم المتحدة جواد ظريف (الذي أصبح لاحقًا وزير خارجية) هو الذي يمثل إيران، وكانت طلباتهم، تكوين طبقة سياسية جديدة في العراق واجتثاث حزب البعث)، إيران إن وجدت فرصة مواتية سياسية تقوم باستقلالها.

في وقت لاحق استفادة إيران من الإطاحة بنظام صدام حسين حتى أكثر من استفادة معظم العراقيين.

الافتراض الذي يتبع تلك القصة ونتائجها في عام ٢٠٠٢م، (إنه إن وجد النظام الإيراني فائدة ما في اتخاذ خطوة سياسية) قام بها، لذلك فإن الوفاق مع المملكة العربية السعودية وتبريد الساحات العربية ولو تدريجيًا هو كما يراه النظام قد يصب في صالحه، حيث أن الخسارة في المشروع الآخر باتت بينة. فالملفات التي يخوض فيها النظام الإيراني صراعه مع الآخرين وصلت إلى تشبعها ولم يعد فيها متسع من أوراق المناورة.

 مثلًا السباق نحو تسلح نووي، لقد وجد النظام حتى (في حصوله على سلاح نووي) لن يفيد مشروعه، بل على العكس يفتح بابًا لمعظم دول العالم لعدائه، عطفًا على استحالة واقعية لاستخدام ذلك السلاح، فلن يستطيع استخدامه ضد إسرائيل مثلًا، لأن ذلك سوف يقيم (القيامة) في المنطقة بما فيها اختفاء معظم المدن الإيرانية، كما أن وجود ذلك السلاح لا يعني بقاء النظام أو تغييره.

الاتحاد السوفيتي كان مسلحًا حتى أسنانه بالنووي وبعد هزيمة أفغانستان بسنتين تغير النظام.

 وباكستان نووية لم يمنع ذلك من تغير النظام، وأخيرًا الاتحاد الروسي وحربه في أوكرانيا لم يستطع، رغم الصعوبات، أن يستخدم شيئًا من ذلك السلاح.

بجانب ذلك فإن ملف الوضع الاقتصادي في الداخل وصل إلى المنحنى الخطر، وسقطت شريحة واسعة من الشعوب الإيرانية تحت خط الفقر، وتعثرت مستويات المعيشة للباقين إلى حد السُخط، بجاب أن المشاركة بالسلاح في حرب أوكرانيا جلبت الغضب الأوروبي حيث أن ذلك تدخل في أمن القارة.

في العراق واضح أن هناك تيار يتسع لمقاومة النفوذ الإيراني، ولم يبق إلا القليل من العراقيين المنحازين، ورغبة واسعة في بناء عراق مستقل وأيضًا غير معاد ولكن معتمد على عمقه العربي

أما في سوريا ولبنان فقد تبين لشرائح واسعة من السوريين واللبنانيين كم حجم الأكذوبة في موضوع (المقاومة) التي أشبعتهم قهرًا وفقرًا وعوزًا، وسقوطًا إلى القاع الاقتصادي دون (أن يحرر شبرًا) مما وعدوا به!

تلك بعض الملفات الشائكة والتي لا شك تنظر إليها المجموعات العقلانية في طهران، ويتساءلون بعد أربعين عامًا وأكثر ما ذا تحقق للشعوب الإيرانية؟، كما ينظرون إلى الجوار فيجدوا الكثير مما تحقق ويتحقق في مجالات التنمية المختلفة، وعمارة الأرض.

فمن الطبيعي بعد أربعون عامًا أن تجري المراجعة، وفي الحقيقة فإن البعض كمثل رفسنجاني وخاتمي حاولوا ولكن التيار المتشدد أفشلهم، على أساس أن لديه (خطة أفضل) وتبين أن تلك الخطة هي الأسوأ ليس للمجتمعات التي تم التدخل فيها، ولكن وهو الأهم للمجتمعات الإيرانية التي تنامى لديها النزعة إلى الرفض ووضعت المشروع برمته موضع التساؤل.

الوفاق والسلام واحترام استقلال الدول وعدم التدخل في شؤونها سوف يعود على إيران بأكثر كثيرًا مما حصدت من فكرة (تصدير الثورة) مواطنوها يمكن أن يدخلوا مرحلة الاستقرار، كل ما عليها تغيير اتجاه الأشرعة، حيث ثبت بما لا جدال فيه أنها لا تستطيع تغيير اتجاه الريح.

كل ذلك سوف يعتمد على الخطوات على الأرض والتي سوف تظهر تباعًا في الأشهر القليلة القادمة.

قمة الرياض مايو 2023: قمة إدارة المخاطر

من المفترض أن تعقد قمة عربية مختلفة عن القمم السابقة في الرياض منتصف شهر مايو، واضح من التحضيرات أنه هناك عمل دبلوماسي دؤوب يتم بين العواصم العربية هدفه ( لم الشمل العربي) في عالم سريع التغير ، وينذر بمخاطر على السلم العالمي، قاعدة ذلك العمل هو أن الدبلوماسية والتي تؤدي إلى الوفاق هي المطلوبة، لأن التنمية لا يمكن أن تزدهر إلا في ساحة مسالمة وسلمية وخالية من الصراعات، و معظم إن لم يكن كل الدول العربية و الإقليمية تواجه صعوبات اقتصادية و تحديات تنموية غير مسبوقة، كما أن الإقليم قد أخذ أكثر من نصيبه في صراعات طويلة تكاد تأكل الأخضر و اليابس .

إلا أن هناك نقاط أساسية يتوجب التنبيه إليها، وهي أن هناك في الإقليم من يدعو ويعمل على (خروج الأمريكان من الإقليم) وتلك دعوة بجانب أنها مضرة، غير عملية، يمكن الموازنة بين المصالح والأثمان التي تدفع، إلا أن الانحياز لأي فريق في عالم اليوم المنقسم (بسبب الحرب في أوكرانيا) هو عمل ليس في صالح الإقليم العربي والشرق أوسطي ككل، بل يتوجب بذل الجهد للوصول إلى (التوازن الخلاق) بين القوى العالمية، وأن هناك مصالح وطنية وإقليمية يجب أن تحترم من الجميع.  من جانب آخر فإن استمرار وجود قوى إقليمية وخارجية تدعم شرائح داخلية في الجسم العربي، كما في اليمن وليبيا وسوريا ولبنان، يتوجب أن تكف يدها، وتترك هذه البلاد لأهلها لتحقيق أمنهم واستقرارهم وتنمية مجتمعاتهم.

القمة العربية القادمة في المملكة العربية السعودية يتوجب أن تسمى (قمة إدارة المخاطر) وتتصف بعمق الدراسات المحضر لها في الموضوعات الرئيسية، كمثل العلاقة مع الجوار، والعلاقة مع الدول الكبرى، وخطط التنمية الناجحة، والتعاون على قاعدة الثقة والاستمرار، وهي مفردات من الأهمية بمكان في هذا المنحنى الخطر من التغيرات الدولية العميقة، كما تتسم بوضع الخطط العملياتية الواقعية لتنفيذ تلك الخطط.

المهمة ليست شهلة أو يسيرة، والمتغيرات في المنطقة أسرع كثيرًا من الأماني، والتحدي هو القدوم من ظلمة الاختلاف ذو التكلفة العالية إلى ثمار التعاون البناء.

مقالات لنفس الكاتب