array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 184

للمحافظة على مكتسبات دول الخليج: توسيع الخيارات وتوحيد السياسات

الأربعاء، 29 آذار/مارس 2023

حدد تقرير المخاطر العالمية لعام 2023م، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي المخاطر التي تواجه العالم وأشار إلى أنها تشكل نقطة انعطاف حرجة تدعو إلى ضرورة "توحيد الجهود من أجل مواجهة مسار لعالم غير مستقر". وقد أعلن رئيس منتدى دافوس الاقتصادي العالمي بورغه بريندي خلال إحاطته الصحافية في القمة إن العالم يمر بوضع " جيوسياسي وجيو اقتصادي هو الأكثر تعقيدًا منذ عقود".  وفي الوقت نفسه أكد كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي بيير أوليفييه جورينشاس لصحيفة فاينانشال تايمز: "نحن لسنا في أزمة بعد، لكن الأمور لا تبدو جيدة حقًا"، وأن عام 2023م، سيكون "أحلك ساعة للاقتصاد العالمي". في حين قرر خبراء الاقتصاد في الصندوق أن هناك احتمالًا بنسبة 25٪ بأن يكون أداء الاقتصاد العالمي أسوأ من توقعات الصندوق المركزي، بحيث ينخفض النمو العالمي إلى أقل من 2٪. ففي حين أن العالم يسعى إلى العودة إلى الوضع الطبيعي بعد جائحة كورونا سرعان ما عطلت المسيرة اندلاع الحرب في أوكرانيا، مما ينبئ بسلسلة جديدة من الأزمات في الغذاء والطاقة و"آثار مشاكل سعت عقود من التقدم إلى حلها".

 أشار تقرير المخاطر العالمية لعام 2023م، أن العالم يشهد عودة المخاطر "القديمة" كالتضخم، وتفاقم أزمة تكلفة المعيشة، والحروب التجارية، وتدفقات رأس المال الخارجة من الأسواق الناشئة، مع الاضطرابات الاجتماعية واسعة النطاق والمواجهة الجيوسياسية وشبح الحرب النووية. مثل هذه التحديات يشير التقرير إلى أنها قد لا تكون مألوفة إلا لعدد قليل من قادة الأعمال وصانعي السياسات العامة في هذا الجيل. وقد حدد التقرير عشرة مخاطر سيواجهها العالم خلال العاميين القادمين وعشرة أخرى مماثلة على المدى الطويل أي خلال العشرة أعوام القادمة. وفي محاولته لاستكشاف المخاطر الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والجيوسياسية والتكنولوجية الناشئة حديثًا والمتسارعة بقوة، يركز التقرير على مجموعة مختارة من المخاطر الأكثر حدة وتأثيرًا في تفاقم أزمات الغد.

باختصار حدد التقرير المخاطر حسب أهميتها ومداها القصير والطويل:

  • المخاطر الاقتصادية الناتجة من عدم اليقين بشأن تباين وتيرة التعافي من كورونا التي تعمق الانقسامات وتعرقل التعاون المطلوب "لمعالجة تحديات عالمية تلوح في الأفق".

وبرغم الدروس المستفادة حول أهمية الترابط والتعاون لحل المخاطر العالمية، إلا أن الحرب الأوروبية ساهمت في تفاقم عدم الاستقرار، وقد تعوق عملية التعاون والتعافي في حالة عودة ظهور الفيروس. إن التحديات بفعل التطورات الجديدة تفاقم المخاطر العالمية، بما في ذلك مستويات الديون التي لا يمكن تحملها، تدهور النمو ومعدلات التنمية البشرية، وانخفاض الاستثمار العالمي، وتراجع العولمة. فارتفاع التضخم وأسعار الفائدة وتشديد السياسة النقدية التي قد تمثل نهاية مرحلة اقتصادية تتميز بالقدرة على الوصول السلس إلى الديون الرخيصة ويترتب عليها تداعيات كبيرة على الحكومات والشركات والأفراد، يعمق عدم المساواة داخل البلدان وفيما بينها.

  • المخاطر السياسية: والتي يمكن أن تكون نتيجة التغيرات المتوقعة في جميع أنحاء العالم والتي يمكن أن تؤدي إلى تغييرات في الحكومات والأنظمة السياسية، مما قد يؤثر على الاستقرار الاقتصادي والعلاقات الدولية. بالإضافة إلى ذلك، فإن التوترات الجيوسياسية المستمرة، مثل العلاقات بين الولايات المتحدة والصين والوضع المستمر في الشرق الأوسط يمكن أن تكون أيضًا مصدرًا لعدم اليقين.
  • مخاطر الأمن السيبراني: مع الوتيرة المتزايدة السرعة للتطور التكنولوجي وتداخلها غير المسبوق مع أداء المجتمعات واستمرار دمج التكنولوجيا بشكل متزايد في جميع جوانب الحياة والاعتماد على مختلف التقنيات في العمليات الإنتاجية والأمنية والعسكرية والاجتماعية وغيرها، من المتوقع أن يشكل تهديد الهجمات الإلكترونية وخروقات البيانات خطرًا كبيرا في تعطيل كافة مناحي الحياة.
  • تغير المناخ ومخاطر الكوارث الطبيعية: وتتمثل في الظواهر الجوية غير المعهودة والناجمة عن تغير المناخ مثل موجات الحر والعواصف والفيضانات والجفاف، بالإضافة إلى الظواهر الكارثية الناجمة من الزلازل والأعاصير وحرائق الغابات.
  • مخاطر الاضطرابات الاجتماعية: أدت جائحة كوفيد إلى صعوبات اقتصادية طالت العديد من أفراد المجتمع في كافة الدول. مثل هذه الصعوبات قد يترتب عليها حدوث اضطرابات اجتماعية تحدث احتجاجات وأعمال الشغب وغيرها من أشكال الاضطرابات الاجتماعية في دول مختلفة من العالم والتي يمكن أن تعطل النشاط الاقتصادي في هذه الدول.

دول مجلس التعاون ومواجهة المخاطر

لقد اختار مسح إدراك المخاطر العالمية أعلى 5 مخاطر لعام 2022-2023م، لها تأثير كبير على نطاق عالمي اشتملت على أزمة إمدادات الطاقة وغلاء المعيشة والتضخم والإمدادات الغذائية والهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الحيوية. بالإضافة إلى ذلك أشار التقرير إلى مجموعة من المخاوف الأخرى التي ينبغي إدراكها ، منها الفشل في تحقيق أهداف الحياد الصفري، تطوير السياسات الاقتصادية، التراجع في حقوق الإنسان وأزمة الديون وفشل سلاسل الإمداد غير الغذائية. أما على المدى الطويل فقد ركز التقرير على التغير المناخي والتحديات البيئية وفندها في ستة مخاطر بالإضافة إلى تراجع التماسك الاجتماعي والاستقطاب المجتمعي والجرائم الإلكترونية والأمن السيبراني والمواجهة الجيواقتصادية.

ويتفق العديد من المحللين على أن هذه المخاطر يمكن أن تتفاقم بسبب العبء الصحي والاقتصادي المستمر والحرب في أوروبا والعقوبات التي تؤثر على الاقتصاد العالمي مع سباق تكنولوجي متزايد تدعمه المنافسة الصناعية وتزايد الدعم المقدم من بعض الحكومات للأنشطة الاقتصادية. وفي المقابل يتصدر المشهد تغييرات هيكلية متسارعة ومتباينة في الأنظمة الاقتصادية والسياسية والديناميات الجيوسياسية تنبئ بعصر تتراجع فيه معدلات النمو والاستثمار والتعاون قد يؤدي إلى تراجع محتمل في معدلات "التنمية البشرية بعد عقود من التقدم".

ضمن هذا السياق فإن تركيزنا سيكون فقط على تلك المخاطر التي من المحتمل أن تواجه دول مجلس التعاون على المدى القصير والطويل.

تكلفة المعيشة

الخطر الأول الذي حدده تقرير دافوس خلال العامين القادمين هو تكلفة المعيشة الناتجة من أزمة إمدادات الطاقة وغلاء المعيشة والتضخم. وتفاقم معدلات البطالة. وقد استجاب العديد من البلدان لأزمة تكلفة المعيشة من خلال دعم الأفراد والشركات بسياسات واسعة وغير مستهدفة ساعدت في تخفيف الصدمة. ولو ألقينا نظرة سريعة على واقع الحال لدول المجلس فيمكن الإشارة إلى ما يلي:

* بالنسبة لأزمة امدادات الطاقة فقد كان تأثير ارتفاع أسعار الطاقة إيجابيًا ساهم في إصلاح الموازنات الحكومية للدول جميعها ووضع دول المجلس على خارطة العالم كقوة إقليمية وازنة. فقد توقع البنك الدولي أن تنمو الاقتصادات العالمية بنسبة 1.7٪ في عام 2023م، في حين أشارت التوقعات أن النمو في دول مجلس التعاون قد وصل إلى 3.7٪. 2022 و2.4 % في عامي 2023 و2024م، على التوالي، وذلك نتيجة الأداء الجيد بشكل عام خلال وبعد الجائحة بالمقارنة بالدول الأخرى في المنطقة. والأداء الجيد لقطاعي كل من الصناعات الهيدروكربونية وغيرها. وفي حين أن اعتماد دول المجلس على الهيدروكربونات لا يزال يمثل نقطة ضعف لاستراتيجيات حكوماتها الطويلة الأجل، إلا أن تقارير البنك الدولي أشارت إلى أن إجمالي الناتج المحلي لدول المجلس بلغ حوالي 2 تريليون دولار في عام 2022م، وأنه "إذا واصلت دول الخليج العمل كالمعتاد، فإن الناتج المحلي الإجمالي المشترك للمنطقة سينمو إلى 6 تريليونات دولار بحلول عام 2050م، وقد يرتفع إلى أكثر من 13 تريليون دولار بحلول عام 2050م، إذا "تبنت دول الخليج استراتيجية نمو أخضر تسرع التنويع الاقتصادي".

* أما بالنسبة للتضخم فقد ارتفع التضخم العالمي بسبب الزيادات الحادة في أسعار المواد الغذائية والسلع الأخرى، مدفوعًا بالحرب في أوروبا. ومع ذلك، ظل التضخم في منطقة دول المجلس أقل بكثير مما هو عليه في معظم الاقتصادات المتقدمة والناشئة، حيث بلغ متوسطه ما يقارب 3.6٪ في عام 2022م، وعزا انخفاض التضخم في دول المجلس إلى مرونتها في مواجهة الضغوط التضخمية والزيادات المتكررة في أسعار الفائدة من قبل بنوكها المركزية. كما لعبت السياسة النقدية واستقرار سعر الصرف دورًا كبيرًا في السيطرة على التضخم. وذكر البنك الدولي أن هذه التدابير ستستمر في إبعاد الضغوط التضخمية عن دول المجلس. كما أن تأثير ارتفاع أسعار الفائدة على نمو الناتج المحلي الإجمالي في دول المجلس كان محدودًا، حيث نفذت معظم الحكومات فيها إصلاحات مالية وهيكلية تدعم النمو الاقتصادي. وقد واصلت اقتصاداتها نموها المطرد، مدعومة بقوة المالية العامة، واستثمارات صناديقها السيادية الخارجية، وارتفاع أسعار النفط الذي ليس هو السبب الوحيد كما ذكرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا التي أكدت على أن اقتصادات الخليج تحقق أداءً جيدًا بسبب السعي "الدؤوب للإصلاحات، فقد فتحوا مساحة أكبر للاستثمارات الخاصة والوظائف التي تولدها الشركات التنافسية." وقد اتخذت السعودية وغيرها من الدول تدابير نقدية مثل برامج تأجيل القروض وضخت عشرات المليارات من الدولارات لتخفيف وطأة الوباء على اقتصاداتها. وقدمت الإمارات العربية المتحدة تحفيزًا اقتصاديًا بقيمة 388 مليار درهم لتعويض تأثير الوباء. وأكد سايمون ويليامز، كبير الاقتصاديين في بنك إتش إس بي سي خلال قمة أبو ظبي "إن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في "وضع متميز" مع نمو اقتصادي أساسي قوي، وضغوط تضخمية منخفضة نسبيًا، ومالية عامة قوية وحسابات خارجية مدعومة بأسعار النفط المرتفعة".

* أما بالنسبة لمعدلات البطالة فقد أشارت التقديرات غير الرسمية إلى أن حوالي 11٪ من الشباب عاطلون عن العمل في الإمارات، وأن 17٪ من الشباب السعودي لا يستطيع الحصول على عمل. وقد تضاعف معدل بطالة الشباب في البحرين تقريبًا ليصل إلى 10٪ في عام 2021م، وبالرغم أنه يمكن تفسير هذه الزيادة نتيجة الوباء إلا أنه أيضًا يعكس "قضية فريدة في دول المجلس ترجع إلى أن الشباب عالقون بين القطاع العام الذي لم يعد يرغب في توظيفهم، والقطاع الخاص غير المستعد لذلك". وتحاول جميع دول المجلس إقناع الشركات بتوظيف المزيد من المواطنين. ففي الإمارات طالبت الحكومة بضرورة أن يشكل الإماراتيون 2% في الوظائف المحلية لكل شركة بحيث يصل إلى 10٪ في نهاية عام 2026م.

* وبالرغم من حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي، ظلت دول مجلس التعاون الخليجي مستقرة اقتصاديًا وجاذبة للاستثمار المتنوع وقادرة على خلق وظائف جديدة في قطاعات متعددة، حسبما قالت سارة ديكسون، العضو المنتدب لشركة Hays Middle East، في تقرير رواتب الشركة لعام 2023م، ومن المتوقع أن ترتفع الأجور في جميع دول المجلس بمعدل 5 % في العام 2023م،  لكون سوق العمل فيها هو الأكثر ازدهارًا وتعافيًا مدفوعًا بثقة قوية في السوق وزيادة في الاستثمارات، وذكرت "إنها الآن المنطقة الوحيدة ذات التوقعات الاقتصادية الأكثر إيجابية للسنوات القادمة، مما يبشر بفرص إيجابية للباحثين عن العمل وفي نفس الوقت تحديًا لأصحاب العمل الذين يتطلعون إلى جذب أفضل المواهب والاحتفاظ بها ".

ومع تزايد عمليات التسريح الجماعي في العديد من الشركات العالمية الكبرى مثل تويتر، أمازون ميتا وغيرها، لا تزال الوظائف التكنولوجية في القطاع الصناعي الأكثر نشاطًا في دول المجلس، حيث زادت 77 % خلال العام الماضي. وأرجع تقرير Hays ذلك إلى زيادة الاستثمار المباشر المحلي والأجنبي في مجالات التقنية الحديثة مثل البيانات الكبيرة والأمن السيبراني والحلول السحابية. وقد ارتفع التوظيف في القطاع غير النفطي في السعودية في ديسمبر بأسرع وتيرة له منذ عام 2018م، مدفوعًا بنشاط تجاري "قوي"، ساهمت في خلق عشرات الآلاف من الوظائف الجديدة كجزء من خطة المملكة لتطوير "مشاريع جديدة بقيمة 1 تريليون دولار لتلبية رؤية 2030 الهادفة لتنويع الاقتصاد بعيدًا عن الهيدروكربونات. ومن المتوقع أيضًا أن يهيمن القطاع الصناعي في المملكة على سوق العمل، مدفوعًا بهدف خلق وظائف جديدة في العديد من المشاريع الضخمة مثل نيوم وغيرها. وبطبيعة الحال فإن مثل هذا التوسع المتنوع والمتسارع سيسعى لاستقطاب العديد من المواهب ذات الخبرة والمهارات الفنية والمعرفة التشغيلية.

وفي حين أن دول المجلس تستورد ما بين 80 إلى 90 % من الغذاء، يصبح الأمن الغذائي هاجسًا هامًا في سياساتها المحلية ويحتل مكانة عالية على جدول أولوياتها. ويشكل تحدي انقطاع سلاسل التوريد وتقلب الأسعار مكونًا هامًا في أمنها الغذائي. إلا أن دول المجلس تبنت استراتيجيات تهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي عبر ضمان الوصول إلى الغذاء الآمن وذلك من خلال تنفيذ ممارسات زراعية مرنة تزيد من الإنتاجية، مع الحفاظ على النظم الإيكولوجية التي تمكن من إنتاج الأغذية وإمداداتها اعتمادًا على التكنولوجيا المتطورة وتطبيق السياسات واللوائح التي تعزز المخزون الغذائي والحد من الهدر. كما تبنت سياسات تعزيز الشراكات التجارية الدولية، وتسهيل العلاقات التجارية الزراعية على مستوى العالم وتنويع مصادر الغذاء الدولية مع تحفيز الإمدادات الغذائية المحلية المستدامة المدعومة تكنولوجيا. 

الفشل في التخفيف والتكيف مع آثار تغير المناخ

اعتبر التقرير المخاطر المناخية والبيئية هي محور التركيز الأساسي للمخاطر العالمية في العقد المقبل، وهي من المخاطر "الأقل استعدادًا لها". وذلك لعدم تحقيق أي تقدم وتنسيق بشأن الأهداف المناخية ووجود التباين بين ما هو ضروري علميًا وما هو ممكن سياسيًا لتحقيق الحياد الصفري. وحذر التقرير من أن عدم حدوث تغيير جوهري في السياسات البيئية والاستثمار، "فإن التفاعل بين آثار التغير المناخي وفقدان التنوع البيولوجي والأمن الغذائي سيعجل باستهلاك الموارد الطبيعية وانهيار النظام الإيكولوجي ويهدد الإمدادات الغذائية وسبل العيش في الاقتصادات المعرضة للتغير المناخي" مما يفاقم من آثار الكوارث الطبيعية، ويحد مما تم إحرازه في التخفيف من آثار تغير المناخ.

وبالرغم من كون دول المجلس دولا نفطية تعتمد بصورة كبيرة على الصناعات الهيدروكربونية والوقود الأحفوري، إلا أنها لم تغفل استراتيجيات تغير المناخ ومصادر الطاقة غير التقليدية أو الصديقة للبيئة. فأغلب دول المجلس تبنت الخطط الهادفة لاستخدام الطاقة النظيفة، فالإمارات تقوم استراتيجيتها 2050 على تنسيق مواردها لضمان توفير البنية التحتية للطاقة الشمسية اللازمة. وتخطط لزيادة قدرتها على الطاقة المتجددة من 23 جيجاوات إلى أكثر من 100 جيجاوات خلال عام 2030م، مع استثمار أكثر من 50 مليار دولار أمريكي في مشاريع الطاقة النظيفة. والسعودية وقعت اتفاقيات تعاون مماثلة في مجال الطاقة. كما أعلنت عن أن المملكة ستزود أوروبا بالطاقة المتجددة الأرخص بكثير.

وبجانب ذلك تسعى دول المجلس إلى الاستثمار في الطاقة النووية والهيدروجين، والتي تعتبر وقود المستقبل. وتعتبر كل من الإمارات والسعودية، في طليعة نهضة الطاقة النووية. فالإمارات بدأت بالفعل بتوليد الكهرباء في محطة براكة النووية. ومع التشغيل التجاري لثلاث محطات في براكة، يزيد الإنتاج الإجمالي للمحطات إلى 4200 ميغاواط من الطاقة الكهربائية الخالية من الانبعاثات الكربونية، ومع احتياطاتها الهائلة من اليورانيوم اللازمة لتوليد الطاقة النووية، تخطط المملكة أيضًا لأول مفاعل نووي لها بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

 وفي حين أن العديد من الدول تهدف إلى إزالة الكربون من صناعات الطاقة الخاصة وتعتبر الهيدروجين وقود المستقبل، فإن دول المجلس تعتبره واحدًا من أفضل الخيارات لديها لضمان طاقة مستدامة وآمنة وبأسعار معقولة. "ومع موارد الطاقة المتجددة الوفيرة الهائلة اللازمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، يمكن أن تصبح منطقة دول المجلس شريكًا عالميًا موثوقًا به للهيدروجين في عصر الحياد الصفري. بحيث تصبح الإمارات والسعودية وعمان رواد في تصدير الهيدروجين النظيف".

وحيث أن المحيطات والبحار تشكل 71% من سطح الأرض وتغطي مجموعة واسعة من القطاعات والأنشطة الاقتصادية، فقد ظهرت فكرة الاقتصاد الأزرق بهدف إدارة المحيطات وتسخير قدراتها الاقتصادية بطرق مستدامة بيئيًا ومعالجة القضايا الإقليمية الرئيسية المثيرة للقلق من خلال الاتصال الإقليمي والعالمي والتعاون الاقتصادي بما في ذلك التحول إلى اقتصاد قائم على المعرفة، ومستدام يعنى بقضايا تغير المناخ، والأمن الغذائي. وتستثمر العديد من الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، والصين، موارد كبيرة في تطوير استراتيجيات الاقتصاد الأزرق. ونظرًا لأن الإمارات تقع على الخليج العربي وخليج عمان ومن أجل تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050م، فقد عمقت شراكاتها الاستراتيجية مع الصين والهند وكوريا الجنوبية وسنغافورة وإندونيسيا واليابان لخدمة أهدافها بما فيها الاستثمار في التكنولوجيا والبنية التحتية المقاومة للتغيرات المناخية.

الجرائم الإلكترونية والأمن السيبراني

من المتوقع أن التقنيات الجديدة ستغير طبيعة تهديد الأمن الوطني والدولي. ومع ارتفاع بؤر الصراعات الدولية والإقليمية التي تختلف عن الحروب التقليدية، فإن "ساحات القتال المستقبلية وأساليب المواجهة تتوسع وتشمل البر والبحر والجو والفضاء الإلكتروني والفضاء الخارجي". ومع التقنيات الحديثة يمكن انتشار الحرب السيبرانية والمعلوماتية لاستهداف الجيوش المتطورة تكنولوجيًا بشكل متزايد. إن تطور هذه التكنولوجيات قد يترتب عليه زعزعة استقرار العلاقات الجيوسياسية وتسريع سباق التسلح، حتى في غياب الحرب التقليدية أو النووية. فانتشار التكنولوجيا الجديدة الأكثر تدميرًا قد تتيح لمجموعات صغيرة من الأفراد أشكالًا جديدة من الحرب غير المتماثلة، مما يسمح للقوى الأصغر والأفراد بإحداث تأثير أكبر على المستوى الوطني والعالمي في الخدمات المصرفية والمعلوماتية والاستخباراتية، كما أن التقدم في التكنولوجيا يمكن من تطوير طائرات بدون طيار منخفضة التكلفة، كما هو الحال في سوريا وليبيا واليمن والحرب الأوكرانية.

على الجانب الآخر، يصنف انعدام الأمن السيبراني ضمن المخاطر العشرة الأشد في العقد المقبل وذلك لتزايد الأنشطة المدمرة للفضاء السيبراني، ونظرًا للتوسع الهائل في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتطورة، وأجهزة الحوسبة القابلة للتشغيل البيني وأجهزة إنترنت الأشياء (IOT)، والتقنيات المستقلة مما قد يزيد من الهجمات العدوانية ويؤدي أيضًا إلى ظهور تحديات جديدة للدول التي "تحاول إدارة العالم المادي الحالي ضمن المجال الرقمي سريع التوسع "إن الأداء الحرج لاقتصادات بأكملها سيصبح أكثر انكشافًا مع اختراقات في معظم التقنيات ذات الاستخدام المزدوج، لا سيما الحوسبة الحكومية". وحيث أن حكومات دول المجلس بدأت تنظر إلى التعاون القائم على التكنولوجيا كوسيلة لتنويع اقتصاداتها وإنشاء اقتصادات معرفية وشرعت في بناء علاقات تعاون موجه نحو التكنولوجيا المتقدمة في كافة المجالات، فمن المهم أن تسعى لتوفير أجهزة دفاع فعالة من أجل حماية المعلومات الحساسة من مجرمي الإنترنت.

الخلاصة

في عالم غير مستقر ويمر بوضع جيوسياسي وجيو اقتصادي هو الأكثر تعقيدًا منذ عقود، فإن أية دولة من دول مجلس التعاون الخليجي لا تملك ترف الانفراد في اتخاذ القرارات. فمن أجل المحافظة على المكتسبات، لابد من توسيع الخيارات وتوحيد السياسات، لتكون كتلة واحدة وواعدة ورائدة في سعيها لتحقيق السلام والأمن لشعوبها والعالم أجمع.

مقالات لنفس الكاتب